شارك هذا الموضوع

التمرّد على الذات ... مشكلة أم ظاهرة ؟

بعد أن كنا منشغلين بتوافه الأمور الإجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية ، أستيقضنا على صوت مزعج ومخيف ، ينذرنا بوقوع كارثة رهيبة ستحصد الأخضر واليابس إن لم نفارق وسائدنا الحريرية الناعمة ونصحو من سباتنا العميق .


فعلى وقع ذلك الصوت أفقنا من غشواتنا و موتتنا الصغرى ، وبعد أن كنا غارقين في أوحال نتنة ، تنبلج منها مواد كيميائية ضارة ، كادت أن تسمم العقول والنفوس .


منذ سنين ونحن نعيش في ذلك المعتقل النفسي المظلم ، نعيش بداخل نفق مظلم أضيق من حضيرة الدجاج وأضيق من زنزانة سجان ، ألا وهو الصراع المرير مع ذواتنا التي صار يعبث بها الآخرين بلا رحمة .


ذواتنا المسكينة ، وعقولنا الصغيرة أصابها شلل الأطفال ، بل وبقيت إلى يومنا هذا تنتظر علاجاً فعالاً يخلصها من ذلك الداء الذي طحنها واستفحل فيها منذ سنين طويلة ، لا زلنا نبحث عن علاج شافي يخلصنا من العقد التي بذزت في نفوسنا طوال بقاءنا في وسط تلك المعتقلات النفسية المؤذية ، فزرعت فينا عقد الحقارة وعقد الكراهية وعقد الابتزاز وانكار الآخرين والاستخفاف بالعقول التي نعمل على استصغارها ، وإن كانت كبيرة .


فسياسات التهميش واقصاء الآخرين واسقاطهم ، كلها تعلمناها وتعلمنا فنون اللعب بها ، بل ومن كثرة الممارسة ، جعلناها تتسرب إلى عقول الآخرين ، لتبدأ الحكاية ، ولينهل بقية أفراد المجتمع من هذه العفونة والصفات الدنيئة التي تمتلأ بها النفوس التي كانت تسبح في بحر من البراءة قبل أن تجر إلى تلك القبور المظلمة .


لازالت وجوهنا مشوهة ، تنتظر عمليات تجميل سريعة ، من أجل أن نتخلص من التجاعيد والتشوهات والحروق التي صارت منقوشة عليها كبيوت العنكبوت .


لازلنا نحتاج إلى أطباء نفسانيين يعالجوننا برفق ورحمة ، لأن أنفسنا وأجسادنا أصبحت شرسة وضارية وجارحة إذ لا يمكن أن تتقبل مسحات الطب الحديث وتقنياته ، وإنما يجب أن تعالج دائماً بشراسة وبقمع كي تتأدب !


نحتاج إلى أطباء نفسانيين ، و خبراء في علم النفس ، بل ودكاترة" شطار" ، يعملون على راحتنا ، ويخلصون أيدينا من الأدوات الحادة التي استخدمناها في تقطيع أوصال بعضنا البعض وسلخها على مذابح الألسن .


لازلنا نحتاج إلى من يحنط أجسادنا التي بردت من الموت ، وكادت تتعفن ، لشدة ما كنا نضطرب ونركض إلى حيث حرق الآخرين وتدميرهم بل وقتلهم ، والشرب من أحواض دمائهم .


لازلنا نشكو من ضيق في التنفس وأمراض الرئة ، نتيجة لاستنشاقنا الغازات السامة ، التي ينفثها بعضنا على البعض .


لا نزال مشغولين بإشعال الحروب والفتن ، وتدمير البنى التحتية للنفوس ، مع من ؟ مع أنفسنا ومع أبناءنا واخوتنا ودائرة مجتمعاتنا ، متجاهلين أن هناك أفواه ، وراءها أسنان صفراء مسوّسة ، تضحك وتصفق وتطبل على رؤوسنا ، بل وترقص على جراحنا كلما رأتنا متناحرين ، على غبارأومنصب زائل ، بل وعلى توافه الأمور ، نشعل أوراة الخلاف الذي ننشغل به وننسى قضايانا المصيرية العالقة هنا وهناك .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع