شارك هذا الموضوع

تجارب موكبية في سيرة رادود (10) - نهاية مأتم

الإصرار معَ الجهل قائد إلى الهلاك ... أما الجهل وما يصاحبه من مراجعة وعودة فهي طريق لعلَّ في خاتمتها السلامة ... المُصِرّ يضع نفسه في تابوت الأموات ويرجو النجاة ... أنَّى له ذلك وهيهات وفي العمر شواهد كثيرة ... تبعث العظمة في نفوس المُتذكرين ...


في مأتم عبد الإمام لا زلنا نمارس الموكب بعنفوان الفتيان ... حين تُصادف مناسبة الوفاة في يوم الجمعة نخرجُ بالموكب صباح الجمعة لاغتنام فرصة العطلة فيها ... وكالكبار أيضاً نُقلدهم ونعبر مأتم النساء ... أخطاء الكبار ورثناها بلا بصيرة ولا نقاش ... وكما يفعلون نفعل ... وكما يخطأون نخطأ ... النساء أنفسهن يُقسّمن المأتم قسمين ... ويُبقين القسم الأوسط طريقاً للموكب ... يدخل من الباب الغربي ويخرج من الشرقي والنساء على جانبيه ... ندخل المأتم وأصوات الصدور تُلعلع باللطم ... ولا نكتفي بالمرور السريع ... بل نقف ونؤدي الوقفة والهوسة ...


ولا زالت الصِوَر عالقة في مخيلتي ... صاحبنا موسى قبل الوقفة يمسك بالميكرفون ويقلد (الشيخ حميد كشك) في خُطبه حيث يقول ... من الخالق ؟ ويُجيبه الحضور ... الله ... من المُصور ؟ الله ... يستعرض بعضاً من أسماء الله الحُسنى ... وهاهنا موسى أيضاً بصوته الأجش يُقلد صوته ويجيبه المعزون .... إلا أنَّ لفظة المُصور توحي للكثيرين بمهنة التقاط الصور ... فيعرجون على أسماء المُصورين معلقين ...


أخيراً بعد سنوات اقتنع الكل بخطأ المرور عبر مأتم النساء ... وتلك كانت زلَّة دأبَ على ارتكابها الغافلون ... لقصور في الإلمام بالأهداف ... وبالنسبة للألحان في تلكَ الفترة كثيراً من الألحان أنشدناها ألحان غناء مشهورة ... لجهلنا بالحُكْم فيها ... ولقصورٍ ولربما تقصير في المعرفة ... في فترة لتوها بدأت العقول تتفتح للأفق الإيماني الحقيقي ... إلا أنَّ طلبة العلم غير سالمي الصفحة من اللوم ... المواكب حينها لا تلقى العناية والمتابعة من لدنهم ... وإلا لما تضخمت وبرزت تلكَ التجاوزات ...


وبدأت حلقة موكب الشباب تستفحل عددا وتستقطب كل الرواديد ... حتى كانت في آخر ذكرى أربعين أحييناها ... أعداد الشباب كالموج المتلاطم ... مع هذا شاركت في موكب عزاء (الجمّة) ... بقصيدة الرادود (محمّد النجفي) ... يا بطلا جاهدت لأجل الخير والله الشاهد ... رافع شعار الثورة ... ناصر الفكرة الحُرّة ... من كلمات الشاعر(مهدي المرشد) ...القصيدة من قصائد القعدة كما يُسميها العراقيون ...


أسست أبياتاً بوزن الأبيات الموجودة في أقفال الفقرات... حتى أتممتها لقصيدة المسير ... كانت هي المشاركة الأولى مع هذا الموكب ... والظاهر أنها مشاركة يتيمة لا رفيقة معها...


ونحن مستمرون في النهوض بالموكب في مأتم عبد الإمام ... أعتمد في الألحان على النتاجات العراقية في ثلاثة أرباع الجهد فقط ... الباقي أحاول ابتكاره من جهدي ... بألحان جديدة وكلمات تُحاول أن توجد شيئاً جديداً إذا لم نجده في القصائد العراقية ...


وكما تخلق الأقدار اللؤلؤ في الأصداف بقدرة غيبية ... كذلك هو توجهنا لحظوظنا بنفس القدرة ... أوّل مشاركة لي في مأتم بن خميس شاءت الأقدار الإلهية أن تكون في وفاة الصدِّيقة الزهراء (ع) ... وبتوثيق العلاقات بين الرواديد لم يكن صعباً التنقُل من مأتم لآخر ...


قويت علاقتي مع (حسن المعلمة) ... شاركت عصراً بقصيدة كتبتها ... فاطم يفاطم ودّعيهم ... باچر يتامى اتعوفيهم ... سالت العبرة ... راحت الزهرة ... حرف (چ) هو نفس الجيم لكنه يحمل ثلاث نقاط في أسفله ... عادة ما يقع هذا الحرف عوضا عن حرف الكاف ... وهو حرف دخيل على الأحرف الهجائية العربية ...


باعتقادي هذا الحرف وغيره من الحُروف وفدت علينا من اللهجة الفارسية ... وتمكنت في القطر العراقي ... وبما أننا نستقي كثيراً من الممارسات والألفاظ والتعبير منهم ... كانت هذه إحدى الموروثات .


حلّقت أعين المخابرات على هذا المشروع (مأتم عبد الإمام) يكبر رويداً رويدا ... تمّ اعتقال (عبدالإمام) و(سلمان علي رضي) كرادود يشارك في الموكب ...وألقى قصيدة يا مفجر علوم الأولين ... فترة لا بأس بها بقيا في عهدة الأمن دونَ جريرةٍ تُذكر ...


ولا يستطيع أي كائن السؤال عنهما في ذلك الزمان ... بعد انقضاء الفترة التي رغبت أيدي الأمن باحتجازهما فيها أطلقوا سراحهما ... أطلقوا سراحهما وكتبوا على مشروع المأتم بالنهاية ... حين أمروهما بإزالة المأتم ... وكان هذا مع بداية دفن البحر في سيف السنابس...


هذه تجربة توحي لنا بغياب القانون ... وغيابه يُغيِّب الحقوق ويلاشي الأمن ... أمروهما بإزالة المأتم بعد فكاكهما مباشرة ... أشعروهما بأنهم سيرصدون تصرفهما ... إن كانا سيستجيبان أم أنهما سيكابران .... وأصبح الحلم هباءً منثورا ... واضمحلَّ ما كُنا نبني عليه آمالاً عريضة...

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع