شارك هذا الموضوع

تربية الطفل‏: أسئلة الأطفال - كيف نجيب عليها؟

بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏
(واللَّه أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) (النحل: 78) يولد الإنسان في هذه الدنيا، وهو لا يعلم شيئاً عن أمور هذا العالم الغريب الذي دخل إليه؛ ولكنه شيئاً فشيئاً يبدأ بالتعرف على موجودات عالمه، وبمعرفة عللها. وذلك عن طريق الحواس التي وضعها اللَّه  سبحانه وتعالى  فيه؛ لتكون سبيله إلى الاستكشاف (علَّم الإنسان ما لم يعلم) (العلق: 5).


فالطفل إذاً، يبدأ بمعرفة الموجودات من الطفولة عن طريق البصر والسمع، المذاق، اللمس والشم؛ ولكنه من السنة الثانية، أو الثالثة يبدأ بالسؤال عن كل شي‏ء. وهذه الفترة تكون فترة التفحُّص والسؤال، وهي تبدأ من الوقت الذي ينفتح فيه لسانه. فهو يسأل في الطريق، في المنزل، في حضن أمه، أثناء اللَّعب وأثناء الطعام، وهو دائماً يعقِّب السؤال بسؤال آخر. إن عدد الأسئلة قد يصل إلى درجة يشعر فيها المربي، أو الأهل بالحرج، والضيق أمام الكم الهائل من لماذا؟ كيف؟ من؟ ما هذا؟
 
لماذا يسأل الطفل؟
إن حب الاستطلاع، والرغبة في التعرف على الأشياء، والموجودات التي حول الطفل، قد تدفعه إلى العبث بها، وتحليلها إلى أجزاء. وهو كلما كان صغيراً حديث العهد بالحياة، وبالموجودات، كلما اشتدت فيه رغبة التحليل، والتركيب؛ فنراه يتفحص كل ما تقع عليه يداه، ويسأل عن هذه الأشياء، وحتى عن أدق التفاصيل اليومية التي تمر أمامه.


إن الأطفال في هذه المرحلة يشبهون المسافر الذي دخل جديداً إلى مدينة مليئة بالعجائب، ويحب أن يكسب معلومات عنها، ويكتشفها. والسؤال من قبل هؤلاء أمر عادي، ولا يجب أن نتعجب منه، بل على العكس إن لم يسأل الطفل يجب أن تتعجبوا وأن تعرفوا ممن يأخذ جواب أسئلته؛ لأن هذا يعني أن هناك خللاً في تفكيره، أو ليس لديه الاحساس اللازم.


إن رغبة الطفل في التعرف إلى الأشياء، الأشخاص، الحالات، والمواقف تدفعه إلى السؤال. وتقوى هذه الرغبة أو تضعف حسب شخصية الطفل، وحسب استعداداته، ونمو قدراته العقلية والذكائية.


إن جذور السؤال نابعة من الجهل، ومن طلب العلم، والمعرفة. وكذلك توجد محركات أخرى لهذا العمل مثل مواجهته، ورؤيته للأشياء، أعماله اليومية بالوسائل، والأدوات، المرئيات والمسموعات، وهذه حقيقة أشار إليها أمير المؤمنين سلام اللَّه عليه بقوله: »الناس أعداء ما جهلوا«(4) فالإنسان بطبعه يعادي الجهل. لذلك نجده دائماً يسعى للتعرف على الأشياء التي يجهلها، كما يحاول التعرف على عدوه، لكي يأمنه ويعرف كيف يواجهه.
 
كيفية التعاطي مع أسئلة أطفالنا
إن بعض الأهل يثورون، ويصرخون إذا سمعوا طفلهم يسأل؛ فيصرفونه بعصبية أو ينتهرونه بقسوة بقولهم »دعك من هذه الأسئلة السخيفة...« إن هذا الموقف سيحدث شرخاً في نفسية الطفل من الصعب أن يرمَّم. فهو يطمح إلى الاكتشاف والاختبار، والفهم مؤملاً أن يجد في الأبوين سنداً؛ فيفاجئه هذا الموقف غير المبرَّر؛ فيميل إلى إساءة الظن بنفسه، أو بأبويه، وأحياناً، يلجأ إلى الغير لمعرفة الجواب، وهذا الغير قد يكون خادمة جاهلة، أو قريناً ماكراً، أو شقيقاً أرعناً(5)، فيقدم للطفل جواباً مغلوطاً أو مشوهاً. وحذار القسوة والصرامة في التعامل مع الطفل. فهذا الكائن الصغير هو كتلة من المشاعر الدقيقة والحساسة التي لا يجوز خدشها، أو تحطيمها بمعاملة قاسية عنيفة وفظة.
 
ضرورة الجواب
سؤال الطفل يجبر المربي على تهيئة الجواب اللاَّزم، والذي يجب أن يكون بمستوى ادراك الطفل وفهمه. أما عدم الإجابة فهو خطأ كبير نرتكبه. إن إثارة الأسئلة مع الطفل تفتح باباً للحوار معه، وتتيح الفرصة له للتعبير عن مشاعره، واهتماماته، وما يشغل باله من أمور وقضايا. والأخذ والعطاء معه هو وسيلة من الوسائل التي يدخل فيها الكبير إلى عالم الطفل الذي لا يستطيع وحده التعبير عنه أحياناً.
ومن المستحسن أن لا يتشاغل الأهل طويلاً عن سؤال الطفل، بل أن يستمهلوه بعض الوقت؛ ليكونوا قد استعدوا للإجابة، بعدما يتفرغون من العمل الذي حال بينهم وبين الاجابة.


وقد يحتاج الأهل إلى مهلة لتحضير الجواب المناسب، فعليهم عندها أن يصارحوا الطفل بأنهم بحاجة إلى مراجعة بعض الأمور للتأكد من الموضوع.
 
أهمية، وفوائد السؤال
للسؤال دور مهم في نفس الطفل وفي تحريك الوالدين، والمربين للحصول على جواب سؤاله. وأقل أهمية نستطيع أن نذكرها للسؤال هي كما يلي:


أ  تسبب في كسب المعرفة والعلم والخروج من الجهل.
ب  تؤيد معلومات الطفل.
ج  تلفت انتباه الوالدين، والمربين.
د  السؤال له دور مهم في الرشد والتربية والآداب.
ه  ابراز حالة الطفل الداخلية.
و  تقوية العلاقة بين الطفل والمربي والأبوين.
ز  تقوي ثقة الطفل بنفسه.


وبصورة عامة ولأجل هذه الفوائد وأهميتها طلب منا القرآن الكريم السعي إلى التعلم والمعرفة وحثنا على التأمل، والنظر، والتفكر، والتساؤل في كل الأمور التي تحيط بنا؛ حتى نكتسب من المعارف ما لم نكن نعلم (ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) (البقرة: 151).
وكذلك الأئمة (ع) يطلبون منا السؤال حتى نتعلم. فقد قال أمير المؤمنين (ع): »إسأل تعلم«.
 
أنواع الأسئلة
يجمع خبراء التربية من خلال احصائيات أجروها على عينة من الأسر، بأن أول الأسئلة عند 90% من هذه العينات هو: »من أين جئت؟«(8)، هذا السؤال يبدأ بالتفتح في السنة الرابعة من العمر، وقد يتأخر قليلاً، أو كثيراً حسب طبيعة العلاقة العاطفية بين الطفل وأمه، أو بينه وبين أبويه مجتمعين. فإذا تأخر الطفل في توجيه مثل هذه الأسئلة، فذلك يعني أحد أمرين:


1  إما أن تكون الأم قد استبقت السؤال، واغتنمت فرصة حملها لتشرح للطفل أنها تنتظر مولد طفل جديد، وهو موجود في بطنها، كما كان هو أيضاً في بطنها...


2  وإما أن يكون الطفل بحاجة إلى المزيد من العاطفة؛ لأن الأم تترك للخادمة، أو للمربية، أمر العناية به.


وهنا يتوجب على الأم التي رأت أن ابنها قد تجاوز الرابعة من عمره، ولم يوجه لها أي سؤال، أن تحيطه بجو من عاطفتها الرقيقة؛ كي يستعيد ثقته بها، وتتبدد مخاوفه المكبوتة من تلك الاكتشافات التي توصَّل إليها بمفرده. وعندها ستسمع الأم بواكير الأسئلة التي تتوالى الواحدة بعد الأخرى. وتتوزع أسئلة الأطفال حول عدة أمور تشغلهم مثل: الخلق، النوم، الاستراحة، الموت، التكاليف، والواجبات. وبالاجمال الأسئلة التي يطرحها الأطفال كثيرة، وواسعة؛ ولكنها على العموم بسيطة، وبعيدة عن سوء النية، كما أنها محدودة من جهة النواحي الفكرية، وهي تبنى على المرئيات، والمسموعات، والملموسات.
 
حدود الإجابة
الاجابة عن السؤال يجب أن تكون محدودة، بسيطة، وغير مفصَّلة؛ لأن الأطفال لا يحتاجون لأكثر من ذلك. في الموارد التي ترتبط بالعفَّة والأخلاق يستطيع المربي أن يكتفي بجواب نعم أو لا.


المهم هو عدم ترك أي سؤال بدون جواب، ولكن حذار من الأجوبة الخاطئة؛ أو من استعمال الكلمات الصعبة، والمعقدة.


من الطبيعي أننا لا نعرف جواب بعض المسائل، فماذا يجب أن نفعل؟ من الأجدر حينها أن نقول للطفل إننا لا نعرف الجواب، ولكننا سنفكر فيه لنجيبه عليه فيما بعد.


ومن أهم الأمور في الإجابة على أسئلة الطفل في المسائل المرتبطة بالأمور غير المادية أن يعتمد على النماذج والأمثلة الحسية التي تقرب المعنى.
 
بعض نماذج الأسئلة والأجوبة
أين اللَّه؟ لماذا لا نراه؟ إنه في كل مكان، هنا وهناك في السماء، في الأرض، يرى كل شخص ويسمع كل شي‏ء. ونحن لا نراه كما أننا لا نرى الهواء مع إنه موجود، وهنا يمكن اعتماد النصوص القرآنية مع كون عمر الطفل مناسباً.


أين توجد السماء؟ إنها هناك في الأعالي بعيدة جداً عنا.


أين كنت أنا؟ كنت في بطني، وقد جعلك اللَّه فيها وبعد ذلك أخرجك الطبيب منها.


لماذا مات عمي؟ لأنه كان مريضاً وعاجزاً عن القيام بشؤونه.


ولماذا مات ابن جيراننا وهو ما زال طفلاً؟ لأنه لم يأكل كفاية. ولم يكن يهتم بنظافة يديه ووجهه فحل به ميكروب سبب له مرضاً، والمرض هو الذي سبب له الوفاة.


أبي لماذا غضبت من أخي؟ لأنه لم يستمع إلى كلامي ونصيحتي. والطفل الذي لا ينتبه لكلام أبيه أو أمه يحتاج إلى تنبيه ليتعلم الأدب والأخلاق.
ما يجب الانتباه إليه عند طرح السؤال من قبل الطفل هو أن الحالات، والمواقف التي نتخذها عند الإجابة، كالوجه المبتسم، أو الوجه العبوس. يكون مؤثراً في التفهيم، والتعليم.


من الممكن أن يكون للطفل سؤالاً جنسياً، أو أمراً له علاقة بالعفة، والأخلاق. في تلك الحالة ليس من اللازم أن نضطرب، أو يحمرّ وجهنا، ويتغير لوننا يجب أن لا نبرز خوفنا وعدم راحتنا من هذا السؤال. وهنا يجب أن يكون الجواب بالمقدار اللازم، والذي يحتاج إليه الطفل، ولا ندخل في التفاصيل التي قد تضر بأخلاقه، وشخصيته كما ينبغي أن نكون صبورين، وهادئين أمام أسئلة الطفل، وتدقيقاته، ويجب أن نعطي الحق للطفل. إنه يسأل ويريد الجواب؛ لأنه في كل ذلك يمارس حقه الطبيعي في اكتساب المعارف الأولى. فهو في هذه المرحلة من حياته ليس إلا عالماً في مختبر تجاربه العلمية.


 إعداد: هنادي سلمان‏


التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع