شارك هذا الموضوع

تجارب موكبية في سيرة رادود (7) - مُنافسة الكبار

القدر غيب لا يكشف خفاياه بصر ... نحن مطايا القدر إلى النتائج ... يقتادنا إلى مصائرنا المحتمة دون إشفاق ... لرُبُّ دربٍ تمقت وضع رجليك فيها وفيها تقطف باقات النجاح ... وفي نقطة ما يكون الطريق ممهداً للطامحين ... ومنها يتسابق المبدعون إلى عطاءاتهم ...


أصبح مأتم (عبدالإمام) ملتقى يضم اليافعين ... يجذب إليه الشباب من نواحي القرية كلها ... بهذا صار الكبار يتوجسون خيفةً من هذا الموكب البرعم ... الشباب المشاركين في المأتمين يشاركون أولاً في كل مناسبة هنا ... وهذا لا يبعث السعادة في كبارنا بل يجعل القلق يراودهم ... طبعاً فتأخرنا عن الإنتهاء يسبب تأخرهم في إبتدائهم.


ألح علينا القائمون على موكب السنابس في التبكير بالخروج وكان نقاشاً ذا سجال ... إحدى المرات تأخرنا في الانتهاء ... كانت النتيجة أن ألغى (مأتم بن خميس) خروجه ليلاً ... ولا أنسى أنها كانت وفاة السيدة الزهراء (ع) ... وكان البرد قارساً حينها ... ومع تأخر الوقت تخلى القائمون على الموكب عن الخروج ...


نعم بعض الأحيان تتصادم الرغبات ... فلا بد لرغبة ما من البروز ونفي الأخرى... كبارنا أحيانا يهملون الصغار ... ولا يكلفون أنفسهم مشقة العناية برغباتهم ... فيشبون ويؤسسون مشاريعهم ... وفي النهاية تكون كمشروعنا يتطاول لمنافسة الكبار ... نبت الزغب على أجنحتنا واستعدت للتحليق ... شطر كبير من طاقاتنا تصرم في تسليح الموكب بالمواهب المخفية لنكون بدائل ...


المؤسسة المعتمدة على طاقة محدودة سريعاً ما تنهار ... وكيف تهجع أجفاننا ونحن مهددون في كل لحظة ... لمطاردة الأمن لمجرد إحيائنا للعزاء ... من الشباب الذين أفلح الاختيار تصويبه عليهم الرادود علي سلمان ... تم التعيين له ليشارك في وفاة الإمام الرضا (ع) ... يبدو أن الرادود رياض يوسف أعتنى بمتابعته ... لقد أدى تلك المشاركة بقصيدة جميلة إبتداءاً فيها ... في الرضا مصيبة عظيمة ماجرت ... الله أكبر ...


شاءت الأقدار له التوفيق كما شاءت لغيره الإخفاق ... وكانت لنا رميات طائشة لم تصب ... لم نصب كثيراً في اختياراتنا ... لكون الاختيار غير مؤسس على معايير تحكم صفات الموهبة المطلوبة ... والظاهر أن موقعنا كان منطلقاً للرواديد ليتأهلون لموكب الكبار ... سيما بعد دمج المأتم مع مأتم (الجلل) ...


هي الفرصة الكبرى لتوثيق علاقاتنا كرواديد مع بعضنا ... كمعزين يلتقون هنا ثم ينفضون كل إلى مأتم من مآتم الكبار ... ومهما أختلف الناشئة مع الكبار تبقى أساليبهم تحذو حذو الكبار في الأداء ... مواكبنا صورة مصغرة من أولئك ... في المسير والداخل والوقفة والهوسة .


الهوسة فن قائم بذاته لا يجيده كل معزي ... ولا يتمكن من تعاطيه أي رادود ... لها أنماط مختلفة وألحان متعددة ... ليس كل لحن يناسب لها ... لها سرعة معينة التجاوز بها يفشلها ... والإبطاء عنها يخرج بها عن حماستها ... هي بيت يلقيه الرادود للمعزين فيردونه عليه ... وهكذا لثلاث مرات متتالية أو أربع ... بحسب طول شطر البيت أو قصره ... بعد الرد الثالث الأخير يرفع المعزون أصواتهم بإشارة النهوض بالمجموعة ...


عادة ما تكون إشارة النهوض كلمة (حيدر) ... سابقاً كان البعض يستخدم كلمة (فوق) ... بعد الإشارة ينهض المعزون بقيادة المجموعة الأمامية ... التي لا بد لها من مرشد تتبع إشارته ... بعد النهوض وبعد أن يلطم المعزون ثلاث لطمات على صدورهم يوافيهم الرادود بشطر من الشعر لربما كان هو الأول أو ثانٍ يرافقه.


ولابد للهوسة أو الهواسه ... كما يسميها البعض .. من شطرين على أقل تقدير ليتم موازنة الأخذ والرد ... يأتي المعزون بخمس وعشرين لطمة بعد الثلاث لطمات على أقل تقدير ...وهذه مسألة يحكمها طول الشطر وتحكم مرشد المجموعة في تعيين وقت إقفال الهوسة والنهوض بها .


بعض القرى يطلق على هذا الأسلوب اسم (تجنيزه) وبعضهم يلقبها (الرداحية) لما فيها من إيقاع سريع الضربات ...


صاحبنا موسى تستهويه الهواسات ويبرع في تأديتها بأسلوب الحماس الفائض... إحدى المرات إبان الحرب العراقية الإيرانية ... اغتنم فرصة إنزواء الموكب في أزقة القرية ... ولقناعة ما بعدم وجود المخابرات هناك خلف موكبنا ... أدى هواسة يشكل فيها على صدام كمفتعل للحرب ...


قال فيها ... يراوينا صلاته وقلبه لأمريكا سجد ... تفاعل المعزون معه واستجابوا لشطره وكرره إلى أن نهض المعزون ... كان المنتظر منه أن يعقب ببيت آخر ولا سيما بعد نهوض المعزين ... أصبح في حيرة من أمره ... لا يستطيع العودة للبيت الأول ولا يملك شطراً آخر ... فما كان منه سوى أن استعاض بكلمة كررها مراراً ... اقلب اقلب اقلب اقلب ... بضع كلمات فجرت أفواه المعزين ومصاحبي الموكب بالضحك ... ما جعل الموكب بحاجة لإعادة ترتيب من تلك النقطة...

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع