شارك هذا الموضوع

إنها فعلاً شخصية فريدة

كان الإمام الخميني قدس سره شديد التعلق بآل البيت (ع) وبقضية الإمام الحسين (ع) وثورة عاشوراء، فقد باع قدس الله نفسه الزكية كتبه من أجل توفير نفقة حج بيت الله، والسفر إلى كربلاء لزيارة الإمام الحسين عليه السلام . وعندما وصل الإمام الخميني إلى العراق من منفاه في تركيا قال : " أذهب أولا إلى كربلاء لأداء الزيارة ثم أذهب إلى النجف " . وقد بقي بضعة أيام في الكاظمية زار خلالها مدينة سامراء أيضاً . يقول أحد مُرافقيه " لقد شاهدت بعض عبادات الإمام (قده)، وكان مما يثير انتباهي فيها مداومته عليها ودقته في القيام بها على وفق ما جاء في الشريعة المطهرة دون زيادة أو نقصان، وكان يذهب إلى مرقد الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) كل ليلة وفي ساعة ثابتة تقريباً، ويذهب إلى كربلاء في أوقات زيارة سيد الشهداء(عليهم السلام) وكان ذلك جزءً ثابتاً في برنامجه العملي " . لقد كان الإمام الخميني (قده) يمتنع (أثناء زيارته لمرقد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء) من المرور من جهة القدمين المباركين لسيد الشهداء عليه السلام، ولم يمر من هذا المكان ولا لمرة واحدة لأن علي الأكبر (ع) مدفون بالقرب من قدمي والده (ع) كما كان الإمام الراحل يمتنع من المرور على قبور الشهداء، فكان يرجع من نقطة الرأس الشريف ولا يمر عبر جهة القدمين ولم نكن نعرف سر ذلك في البداية، كما كان يمتنع من المرور من جهة الرأس الشريف للإمام (ع) وهو يزور مرقده فلا يطوف حول المرقد ولا يدور من جهة القدمين المباركين، لأن أحد الروايات المحتملة تقول إن الرأس الشريف للإمام الحسين(ع) مدفون عند جهة الرأس الشريف لوالده أمير المؤمنين(ع) ولم تُرَ هذه الرعاية الدقيقة في غير الإمام أثناء الزيارة .


اهتمامه بزيارة عاشوراء :
كان الإمام ملتزماً بالبقاء في النجف إلى يوم السابع من محرم ثم يذهب ظهر هذا اليوم أو عصره إلى كربلاء، كما كان ملتزماً بتلاوة زيارة عاشوراء يومياً في هذه الأيام من شهر محرم، والتي كان يزور فيها الحرم العَلَوي مرتين في اليوم فيقرأ فيه نهاراً زيارة عاشوراء فيما يزور زيارته المعتادة في المساء إلى اليوم السابع، حيث كان يسافر إلى كربلاء ويبقى فيها إلى اليوم الثالث عشر من شهر محرم، ويقوم خلالها بزيارة الحرم الحسيني مرتين يومياً قبل الظهر وبعد الظهر، دون إن يمنعه من ذلك شدّة الازدحام المألوف في تلك الأيام، ولم يكن يترك زيارة سيد الشهداء(ع) حتى في ظل ازدحام حشود مواكب العزاء واللّطم .


يقول الشيخ الفرقاني " لقد اشتد ضغط الازدحام مرة على الإمام إلى درجة اضطررت معها إلى التوسل بسيد الشهداء(ع) لإنقاذه من خطر الهلاك في ظل هذا الضغط، وبعد أن خرجنا رأيت الإمام (ره) غارقاً في العرق وقد سقطت عباءته ولم يكن حالي أفضل من حاله. ولكن لم يكن بالإمكان (رغم ذلك) الطلب منه الامتناع عن الزيارة بسبب شدة الازدحام لأنه لم يكن يستجيب لهذا الطلب " . طوال مدة إقامته في النجف الأشرف كان الإمام (ره) يسافر إلى كربلاء عدة مرات في السنة بمناسبة الزيارات المخصوصة للإمام الحسين(ع) وكان يقيم في منزل متواضع، وكان الإمام يذهب (أيام إقامته في كربلاء) مرتين في اليوم صباحاً ومساءً لزيارة حرم جده الإمام الحسين(ع) وحرم أخيه أبي الفضل العباس عليه السلام .


يقول المرحوم آية الله العظمى المحقق الشيخ محمد هادي معرفت " كنت يوماً في حرم الإمام الحسين (ع) في كربلاء عندما دخل الإمام الخميني (قده) للزيارة، وكان ملتزماً بزيارة كربلاء في الزيارات المخصوصة وللإمام الحسين(ع) سبع زيارات مخصوصة، ولأمير المؤمنين (ع) ثلاث زيارات مخصوصة، إضافة إلى التزامه بزيارة كربلاء في ليالي الجمعة، لكنه لم يكن يصل إلى الحرم في هذه الليالي " لقد كان يتعبد في الحرم مثل سائر المتعبدين، يتلو الدعاء ونصوص الزيارات، ويجلس مثل باقي الزوار العاديين ويقرأ الدعاء والزيارة من كتاب مفاتيح الجنان .


بكاء على المصاب الحسيني :
لا يمكن بيان شدة حب الإمام الخميني (قده) وتعلقه بأهل البيت (ع)، انه عاشق لهم، عاشق تنهمر من عينيه دموع الوجد لمجرد ارتفاع صوت "يا حسين" رغم ما عُرف به من جلادة وصبر في مواجهة المصائب، انه لم يبك حتى عند استشهاد ولده الحاج السيد مصطفى، لكن الدموع تنهمر على وجنتيه بمجرد بدء الخطيب الحسيني بعبارة "السلام عليك يا أبا عبد الله" يقول السيد الكوثري (ره) الذي كان يقرأ لسنين عدة في مجالس العزاء التي يقيمها الإمام الخميني (قده) " زرت النجف بُعيد استشهاد المرحوم السيد مصطفى فقال الإخوة : لقد جئت في الوقت المناسب، هلم للتفريج عن الإمام، فلم نستطع جعل الإمام يبكي على مصابه بولده السيد مصطفى رغم كل ما فعلنا، لعلك تستطيع أنت القيام بذلك، ومن أجل ذلك قلت للإمام : هل تأذن لي بقراءة مجلس للعزاء ؟ فأذن لي بذلك، فشرعت بالقراءة واجتهدت في ذكر اسم ولده الشهيد بنبرة حزينة لكي يبكي على مصابه به لكنه لم يتأثر بكل ذلك أصلاً وبقي على سكينته المعهودة إلى إن ذكرت اسم علي الأكبر (عليه السلام) وعندها انفجر بالبكاء وبلوعة لا يمكن وصفها " ولعل بعض الناس شاهدوا عبر جهاز التلفاز، مراسم التأبين التي أقامها الإمام الخميني (قده) في المدرسة الفيضية على روح الشهيد المطهري، ولاحظوا حالة الإمام فيها، فقد شارك فيها لأنه كان مقيماً يومها في قم، لقد كان يجلس في حالة عميقة من السكينة طوال المدة التي كان الخطيب يتحدث فيها (وهو واقف جوار الإمام) عن شخصية تلميذه الجليل وبضعته العزيزة (آية الله المطهري)، وعن استشهاده المفجع، ولكن حالة السكينة هذه تغيرت عندما وصل الخطيب إلى ذكر مصائب أهل البيت (ع) وعندها أخرج الإمام منديله ووضعه على وجهه وأجهش بالبكاء . وتقول السيدة الدكتورة ميهن الأستاذة في علم الفنون الجملية، أنها ذهبت إلى باريس إثر انتقال الإمام إليها، وتطوعت للخدمة في محل إقامته فيها، وهناك لم تلاحظ عليه أي تغير في حاله يشير إلى نفاذ صبره، عندما كانوا ينقلون إليه أخبار مجزرة يوم الجمعة السوداء التي ارتكبها الحكم الملكي في طهران وضخامة عدد القتلى والجرحى فيها، وتنقل هذه السيدة إن حال الإمام لم يتغير، وبعد بضعة أيام قام أحد الأشخاص لقراءة مجلس عزاء حسيني في حضور الإمام، وبمجرد إن بدأ المجلس بعبارة " السلام عليك يا أبا عبد الله " تغير لون وجه الإمام وانهمرت الدموع من عينيه وغطت وجنتيه . كان قدس سره يشارك في مجالس العزاء الحسيني التي كانت تقام في محلات قم بمناسبة ليالي شهر محرم، وكان بذلك يشجع الناس ويرغبهم في حضورها كما كان يزيد هذه المجالس حرارة بحضوره، وكان يقيم ـ ولثلاثة أيام ـ مجلساً للعزاء في "أيام الفاطمية الثانية" أي من اليوم الأول إلى اليوم الثالث من شهر جمادى الثاني، وقد أضاف إليها في النجف ليالي الإحياء الثلاث من شهر رمضان المبارك، وكان يشارك أيضاً في مواكب العزاء الحسيني للاطمين على الصدور في كربلاء، كما كانت مواكب العزاء في النجف تزوره فكان يشكر المشاركين فيها على مشاعرهم الإيمانية . وأثناء مدة إقامته في النجف الأشرف، كان يقيم في منزله مجالس للعزاء في جميع ليالي ذكريات استشهاد المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ وكانت هذه المجالس تستمر لثلاثة أيام بمناسبة ذكرى وفاة الصديقة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ وكان يبكي بلوعة وحرقة في جميع هذه المجالس دون استثناء . يقول السيد الكوثري " قبل عدة سنين تشرفت بزيارة الإمام فسألني عن أحوال أبي، فأخبرته بأنه بخير وأبلغته سلام والدي، وهو السيد علي أكبر الكوثري أسن خطباء المنبر الحسيني في قم، وكنت قد رافقته قبل سنتين من ذلك، وكانت صحته مساعدة لزيارة الإمام الذي قام فور دخول الوالد وعانقه بحفاوة بالغة، وأراد الجلوس على الأرض إجلالاً، وقد قال الشيخ الصانعي لما شاهد ذلك : قلما رأيت الإمام يبدي مثل هذا الاحترام لأحد، فقلت : أنه يفعل مثل هذا مع والدي لأنه خادم في بيت سيد الشهداء عليه السلام " . أجل، انه يتعامل بمثل هذا الاحترام مع جميع المنسوبين لسيد الشهداء عليه السلام، بسبب شدة حبه بل عشقه القدسي للإمام الحسين وأهل البيت ـ صلوات الله عليهم أجمعين، وكان تواضع الإمام في تعامله مع طلبة الحوزة المجدين يثير الإعجاب حقا، وكان يقوم بالكامل للطلبة الذين يقرأون مجالس العزاء الحسيني ومدائح أهل البيت عليهم السلام؛ كما كان يقوم لتوديعهم إذا أرادوا الخروج من عنده ولا يرجع إلاّ استجابة لطلبهم المُلِح .


أقام أعضاء مكتب الإمام يوماً مجلس عزاء بمناسبة ذكرى استشهاد السيدة فاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ ودعوا الإمام لحضوره فحضر وجلس، وبمجرد بدء أحد الأخوة من أعضاء المكتب بقراءة المجلس أخذ الإمام بالبكاء بصوت عال فاضطر القارئ إلى اختصار ذكر المصيبة رعاية لحال الإمام . يقول السيد رحيميان " ذهبنا ـ وكنا عدة أشخاص ـ إلى غرفة الإمام لتلاوة دعاء التوسل بمناسبة ذكرى وفاة أحد الأئمة عليهم السلام، فجلس الجميع باتجاه القبلة وبدأوا تلاوة الدعاء، ثم دخل الإمام وجلس في مصاف الجالسين وشرع بالدعاء معهم، ثم قرأ أحد السادةـ وسط الدعاء، جانباً من مصائب أهل البيت عليهم السلام فأجهش الإمام بالبكاء فور بدء القارئ بذكر المصيبة، ورغم انه لم يكن خطيباً محترفاً، وقد ارتبك هيبة من حضور الإمام، وارتعش صوته أثناء قراءته المصيبة التي لم تكن تشتمل على مقاطع حساسة، رغم كل ذلك أجهش الإمام بالبكاء وبحرقة بحيث أخذت أكتافه ترتعش بشدة، وقد لاحظت ـ وقد اختلست نظرات إلى وجه الإمام ـ إن دموعه تنهمر بغزارة وتجري على لحيته الكريمة وتسقط على حجره . وبعد لحظات أشار أحد الإخوة من حيث لا يراه الإمام إلى القارئ إن يقطع قراءته للمصيبة لأن من المحتمل إن يؤدي البكاء الشديد إلى آثار سيئة على قلب الإمام "


وقد احتشد ـ في محل إقامة الإمام في ضاحية "نوفل لوشاتو" ـ عدد كبير من الزوار القادمين من عدة بلدان من أوروبا وغيرها، كان فيهم الأطباء والمهندسون والطلبة والأساتذة الجامعيون، وكان عددهم حدود "500" شخص، قدموا لزيارة الإمام، وقد احتشد حولهم عدد كبير من الصحفيين ومراسلي محطات الإذاعة والتلفزيون من بلدان شتى، وقد وجهوا عدسات أجزتهم التصويرية لتصوير المراسم المقامة. ثم خرج الإمام من مسكنه بهيبته وسكينته التي يتميز بها، ودخل تلك الخيمة، وجلس فيها بوقار، فالتف حوله الحاضرين، وبعد لحظات قال لي: اقرأ مجلس التعزية"، فقرأت ـ بمناسبة يوم التاسع من شهر محرم ـ قصة استشهاد، أبي الفضل العباس عليه السلام، وقد أخرج الإمام منديله الأبيض وأجهش بالبكاء، فأثر بكاءه بالحاضرين وأثر بعمق عليّ وأيضاً الذي يعبر عن شدة حب الإمام لسيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام .


هل من قارئ يذكر مصيبة سيد الشهداء (ع) ؟


بعد انتهاء صلاة العشاء من ليلة عاشورا التي مرت على الإمام وهو مقيم في ضاحية نوفل لوشاتو، التفت الإمام وقال " هل يوجد من يحسن قراءة التعزية ؟ "، ثم أمر أحد الإخوة بقراءة ذلك، وقد لاحظ جميع الحاضرين إن الإمام أخرج منديله وأجهش بالبكاء بمجرد أن بدأ القارئ مجلسه العزائي . لم يتغير برنامجه في تلاوة زيارة عاشوراء حتى في باريس .
وعندما كان في العراق كان ملتزماً بتلاوة زيارة عاشوراء في أيام العشر الأولى من المحرم، وكانت سيرته منذ اليوم الأول إلى اليوم الثامن من شهر محرم التوجه إلى حرم أمير المؤمنين عليه السلام في الساعة التاسعة صباحاً حيث كان يتلو فيه زيارتي أمين الله وعاشوراء، ثم يواصل القيام بذلك في حرم الإمام الحسين عليه السلام ي كربلاء التي يزروها عصر اليوم الثامن من المحرم . وقد بقي ملتزماً بهذه السيرة طوال أربعة عشر عاماً قضاها في العراق. وفي العشرة الأولى من شهر محرم سنة 1357هـ.ش"1399هـ.ق" كان الإمام مقيماً في باريس حيث كان احد الأخوة مكلفاً بتقديم تقارير الأخبار إلى الإمام في الساعة التاسعة صباحاً، وقد دخلت بيت الإمام في باريس ـ طبق البرنامج اليومي المعتاد ـ صباح اليوم من المحرم فوجدته مقبلاً على تلاوة زيارة عاشوراء، ثم استلم التقارير الخبرية في وقتها المعني لكنه قال: "غيروا بدءاً من يوم غد البرنامج اليومي المعتاد، لا تأتوني بالأخبار في التاسعة بل قبل زيارة عاشوراء أو بعدها .


ولا يلتقي بأحد أثناء وقت تلاوتها


جاء الشهيد القدوسي المدعي العام للثورة صباح أحد الأيام إلى بيت الإمام للقائه في الوقت الذي لا يستقبل فيه أحداً، فقال له الشيخ التوسلي المسؤول عن تنظيم لقاءات الإمام : عليك إن تتمشى لفترة فالإمام منشغل الآن بعمل مهم، فسأل الشيخ القدوسي عن هذا العمل، فقيل له: انه يتلو زيارة عاشوراء، وقد روى أحد الإخوة الحادثة التالية : سمعت قبيل الظهر صوت بكاء، فأخذت أبحث عن مصدره، فعرفت إن الإمام قد صعد على سطح منزله وهو يتلو زيارة عاشوراء ويبكي .

التعليقات (2)

  1. avatar
    شيعة

    الله ارحمنا باولاد الزهراء وارزقنا زيارتهم

  2. avatar
    آمنة السنابسية

    السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين ... وقدس الله نفس روح الله الخميني .. هذا الإمام الكبير والعراف الملهم الذي حقق حلم الأنبياء في عصر الانحطاط .

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع