شارك هذا الموضوع

مدرسة الحسين شعلة مخلدة لا تنطفئ (3)

بسم الله الرحمن الرحيم


عظّم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بسيدنا الحسين (عليه السلام)، وجعلنا الله من الطالبين بثأره مع ولده الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه.
إن هذه الأيام أعظم أيام في تاريخ أهل البيت عليهم السلام ، وأكبر حدث تاريخيّ في العالم، لقد وقعت في مثل هذا اليوم الفاجعة العظمى والمصيبة الكبرى التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً ولا نظيراً.. واقعةٌ دامية، وكارثة مؤلمة حلّت بالإسلام والمسلمين، فأبكت العيون على مرِّ القرون والدهور، وأحرقت القلوب بنار الأسى والحزن.
فهذا اليوم تتجدّد فيه أحزان أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأحزان كلّ من يحمل لهم الولاء والمودّة.
والعجب كلّ العجب من بعض المسلمين الذين يجعلون هذا اليوم يوم عيد وسرور، وهم في غفلة عمّا حدث في هذا اليوم وما نزل بسيّد شباب أهل الجنة وسبط رسول الله وريحانته الإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) من المصائب والنوائب التي أشفقن منها الجبال وأبين أن يحملنها، وهذه الفجائع نزلت بآل رسول الله الطيّبين على يد بني أميّة وأتباعهم.
أحبتي إخواني وأخواتي أعود اليوم في حلقتي الثالثة لأكمل حديثي حول المنهج الثوري للإمام الحسين و أبعاده ومن ثم ننتقل في مجرى حديثنا إلى ذلك اللئيم يزيد بن معاوية عليه لعنة الله .
لنقف وقفة ونتفكر في اقوال الديواني في منهج التربية الثوري بحيث قال : إذا وضع الإنسان هدفاً عظيماً نصب عينيه ، إذاً لا بدّ أن يضحّي ويكون على أهبّة الإستعداد للتحمُّل في سبيل الوصول إلى ذلك الهدف، ومن هنا كان لا بدّ لسادة التأريخ الذين يتحمّلون تلك المسؤولية العظمى، ويريدون النُّهوض بأثقال الثورة القائمة، لا بدَّ أن يختاروا تلك النّخبة الصالحة من الأصحاب و المجاهدين الذين يبذلون مهجهم لتحقيق تلك القضية، وأعلى درجات القدرة على التحمل والصبر، أي الصبر على حمل ذلك السلاح وملاقاة ذلك الموت .وهذا ما أسسه الإمام الحسين عليه السلام تماماً في قلوب أوْلئك الرجال الذين قدّموا أنفسهم في سبيل نصرة الحق، وكما يظهر من خطبه ووصاياه للرعايا عليه السلام ، أنّه كان يعدّ المجاهدين في سبيل الله، ويهيّئهم على هذه المعاني،قال مولانا أبي عبد الله الحسين :
"أيها الناس، إنّما جمعتكم على أنّ العراق لي، وقد أتاني خبر فظيع عن ابن عمي مسلم يدل على أنَّ شيعتنا قد خذلتنا، فمن أحبّ أن ينصرف فلينصرف ليس عليه منّا ذمام".
هكذا بكل بسالة وشجاعة أخذ إمامنا يخطب في القوم . فلنتفكر أخي وأختي القارئة قليلاً ولنقف قليلاً على هذه النقطة.. انظروا إخواني إلى ذلك القائد العظيم الذي لا تزيده كثرة الناس حوله شجاعة، ولا قلّتهم ضعفاً وتراخياً عن هدفه. بحيث يقف الإمام (ع)، واضعاً حقيقة الموقف، يضع كلّ ذلك أمام الأتباع والأنصار. إنّها تلك المواجهة الحاسمة والمصيرية التي تقطع فيها الرؤوس، وتكون الأجساد طعمة للطعن وهدفاً للسيوف. إنّها تلك المواجهة التي يقبل فيها النّاصر ويكثر فيها المتخاذلون.
إنّنا نستفيد من هذه الموعظة وهذه الكلمة العظيمة، أنّ القائد المجاهد محارب الفساد لا يتردّد في إخبار كل من معه، بمخطّطاته الجهادية أولاً بأول، دون مواربة ولا تضليل ولا خداع، وإنّنا نتحسَّس و بكل وضوح، أنّ الإمام الحسين (ع)، اعتمد مبدأ الحقيقة لا غير ، فهو منذ اللحظة الأولى قد أعلمهم بمصيرهم و بما سيؤول إليه الأمر من قتله وقتل من معه من أهل بيته، وبذلك وضع الموت أمامهم على أنّه الحقيقة التي عليهم مواجهتها والاستعداد الكافي لها، فقد قال :((خُطَّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي، اشتياق يعقوب الى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النّواويس وكربلاء...لامحيص عن يوم خُطَّ بالقلم، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلاءه، ويوفّينا أجور الصابرين)). و لم يكتف بذلك، بل واجه أصحابه ليلة العاشر من المحرم مواجهة باسلة ,فجمعهم وقال :
"ياقوم، أعلم أنّكم خرجتم معي بعلمكم أنّي أقدم على قوم بايعونا بألسنتهم وقلوبهم، وقد انعكس القلم، واستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، والآن لم يكن لهم مقصد إلا قتلي وقتل من يجاهد بين يديّ وسبي حريمي بعد سلبهم، وأخشى أنّكم ما تعلمون وتستحيون، والخداع عندنا أهل البيت محرّم، فمن كره منكم ذلك فلينصرف، فالليل ستير، والسبيل غير خطير، والوقت ليس بهجير، ومن آسانا بنفسه، كان في الجنان نجيّاً من غضب الرحمن...".

إذاً هذا هو الحسين و هذا هو الفكر العظيم الذي طالما تحلّى به في حياته وكذلك في سيرته الممتدة من سيرة رسول الله صلى الله عليه و آله وصحبة وسلم .

أمّا في النّقطة الثانية لنتحدث عن تاريخ ذلك اللئيم بن اللئيم يزيد بن معاوية ومبايعته للحسين عليه السلام، إذ كما روى السيد محمد كاظم القزويني في كتابه (فاجعة الطف) : مات معاوية بن أبي سفيان في النصف من رجب سنة 59 أو 60 من الهجرة، واستولى ابنه يزيد على مسند الخلافة، وادّعى أنه خليفة رسول الله والقائم مقامه؛ مع العلم أنّه لم تكن في (يزيد) مؤهّلات الخلافة، من نسبه المهتوك وحسبه الدنيء، وموبقاته التي كان يرتكبها من الخمور والفجور واللعب بالكلاب والقردة، والاستهتار بجميع معنى الكلمة.
فاستنكف المسلمون أن يدخلوا تحت طاعة رجل لا يؤمن بالله ولا بالرسول، ويحمل عقيدة الإلحاد والزندقة .
كَتب يزيد كتاباً إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان (وإلى المدينة) يُخبره بموت معاوية، ويأمره بأخذ البيعة من أهل المدينة عامّة ومن الحسين بن علي خاصّة.
فأرسل الوليد إلى الإمام الحسين وقرأ عليه كتاب يزيد، فقال الحسين: أيها الوليد: إنّك تعلم أنّا أهلُ بيتٍ بنا فَتَح الله وبنا يَختم، ومِثْلي لا يبايع ليزيد شارب الخمور وراكب الفجور وقاتل النفس المحترمة.
وخرج الإمام الحسين من المدينة خائفاً يترقّب من سفك دمه في بيت الله الحرام لا خوفاً من يزيد وأتباعه، وقصد نحو مكّة؛ فجعل أهل العراق يكاتبونه ويراسلونه ويطلبون منه التوجّه إلى بلادهم ليبايعوه بالخلافة، لأنّه أولى من غيره، فإنّه ابن رسول الله وسبطه، والمنصوص عليه بالإمامة من جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لقوله: (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا).
أي سواء قاما بأعباء الخلافة أو غُصبتْ عنهما.
إلى أن اجتمع عند الحسين اثنا عشر ألف كتاب من أهل العراق وكلّها مضمون واحد، كتبوا إليه: قد أينعتِ الثمار واخضرّ الجناب، وإنما تقدم على جندٍ لك مجنّدة، إنّ لك في الكوفة مائة ألف سيف، إذا لم تقدم إلينا فإنّا نخاصمك غداً بين يدي الله.
فأرسل الحسين ابن عمّه مسلم بن عقيل إلى الكوفة، فلمّا دخل مسلم الكوفة اجتمع الناس حوله وبايعوه لأنّه سفير الحسين وممثّله فبايعه ثمانية عشر ألفاً أو أربعة وعشرون ألفاً.
وكتب مسلم إلى الحسين يخبره ببيعة الناس ويطلب منه التعجيل بالقدوم، فلما علم يزيد ذلك أرسل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة، فدخل ابن زياد الكوفة وأرسل إلى رؤساء العشائر والقبائل يُهدّدهم بجيش الشام ويُطمعهم.
فجعلوا يتفرّقون عن مسلم شيئاً فشيئاً، إلى أن بقي مسلم وحيداً، فأضافته امرأة مؤمنة اسمها طوعة فطوّقوا الدار التي كان فيها بوشاية من ابنها الخبيث، وخرج مسلم، واشتعلت نار الحرب، وقتل مسلم منهم مقتلة عظيمة، وألقي عليه القبض يوم عرفة وضربوا عنقه، وجعلوا يسحبونه في الأسواق والحبل في رجليه، وبعد أن قتلوه هو وهانئ ابن عروة.. حفرت مذحج لهم قبوراً ولكنّ الحسين بأبي وأمي لم يُدفن و ظلّ بالعراء ثلاثة أيّام.
وخرج الحسين من مكة نحو العراق يوم الثامن من ذي الحجة، ومنعه جماعة من التوجّه نحو العراق وأحدهم عبد الله بن عباس (حَبْر الأمّة) فقال له الحسين : يا بن عباس : إنّ رسول الله أمرني بأمرٍ أنا ماضٍ فيه.
فقال : بماذا أمرك جدّك؟
فقال الحسين : أتاني جدّي في المنام وقال: يا حسين اخرج إلى العراق فإنّ الله شاء أن يراك قتيلاً.
فقال ابن عباس : إذاً فما معنى حملُك هؤلاء النساء معك؟
فقال الحسين : هنّ ودائع رسول الله ولا آمنُ عليهنّ أحداً، وهنّ أيضاً لا يُفارقنني.
وخرج الحسين قاصداً الكوفة، وفي أثناء الطريق التقى به سريّة من الجيش تتكوّن من ألف فارس بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي، وأرادوا إلقاء القبض على الحسين وإدخاله الكوفة على ابن زياد، إلا أن الحسين امتنع من الانقياد لهم، فتمّ القرار على أن يسلك الحسين طريقاً لا يدخله الكوفة ولا يردّه إلى المدينة، فوصل إلى أرض كربلاء فنزل فيها.
وقام ابن زياد خطيباً في الكوفة وقال : من يأتيني برأس الحسين فله الجائزة العظمى، وأعطه ولاية ملك الرّي عشر سنوات. فقام عمر بن سعد بن أبي وقاص وقال: أنا.
فعقد له رايةً في أربعة آلاف رجل، وأصبح الصّباح، وأولُ راية سارتْ نحو كربلاء راية عمر بن سعد، ولم تزل الرايات تترى حتى تكاملوا في اليوم التاسع من المحرم ثلاثين ألفاً أو خمسين ألفاً أو أكثر من ذلك.
وحالوا بين الحسين وأهل بيته وبين ماء الفرات من اليوم السابع من المحرّم، ولمّا كان اليوم التاسع اشتدّ بهم العطش، واشتدّ الأمر بالمراضع والأطفال الرضّع.
قالت سكينة بنت الحسين : عزّ ماؤنا ليلة التاسع من المحرّم فجفّت الأواني ويبست الشّفاه حتى صرنا نتوقّع الجرعة من الماء فلا نجدها، فقلتُ في نفسي أمضي إلى عمّتي زينب لعلّها ادّخرت لنا شيئاً من الماء، فمضيتُ إلى خيمتها فرأيتها جالسة وفي حجرها أخي عبد الله الرضيع وهو يلوك بلسانه من شدّة العطش وهي تارة تقوم وتارة تقعد، فخفقتني العبرة فلزمتُ السكوت، فقالت عمتي : ما يُبكيك؟ قالت: حال أخي الرضيع أبكاني، ثم قلت: عمتاه قومي لنمضي إلى خيم عمومتي لعلّهم ادّخروا شيئاً من الماء، فمضينا واخترقنا الخيم بأجمعها فلم نجد عندهم شيئاً من الماء، فرجعت عمّتي إلى خيمتها فتبعتها وتبعنا من نحو عشرين صبيّاً وصبيّة، وهم يطلبون منها الماء وينادون: العطش.. العطش.
إذاً إخواني وأخواتي من هذه الروايات نرى بأن الإمام الحسين عليه السلام أخذ أهل بيته وبالخصوص السيدة زينب عليها السلام لتكون حجّة وتكون شاهدة على هذه الواقعة العظيمة ولتنقل هذه الحقائق المؤلمة إلى العوالم كلها بحيث إن كان لهذه السيدة الجليلة دور كبير في نشر هذه الرسالة العظيمة ودور كبير في استقامة هذه الثورة حتى يومنا هذا أما بالنسبة إلى عطش الإمام الحسين وأصحابه وآل بيت النبوة. إخواني وأخواتي لنبحث في هذا العالم كله من بدأ الخلق إلى يومنا هذا هل هناك عطش يضاحي عطش الامام الحسين عليه السلام ؟؟ من المؤكد أن الجواب لا وألف لا، لا عطش يضاهي عطش الحسين عليه السلام ولا مصيبة ورزيّة تضاهي مثل رزيّة الحسين عليه السلام.



وفي ختام حلقتنا هذه نسأل المولى عز وجل أن يتقبل منّا ومنكم هذه الأسطر المتواضعة حول سيرة الإمام الحسين عليه السلام وأن يوفّقنا وإياكم في خدمة أبي عبد الله الحسين (ع)


قاسم اليعقوب

التعليقات (1)

  1. avatar
    سنابسي حدي

    موفق ياقاسم و جزاك الله الف خير و يجعله في ميزان اعمالك ولا تحرمنا من كتاباتك و سنشتاق لك كثيرا ..... الهي بحق الحسين وفق هدا الشاب في دراسته و ارجعه لأهله سالم ناجح و شكر خاص جدا للقائمين على الموقع و السلام

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع