شارك هذا الموضوع

خَيَارَاتُ الإدَارَة الأمِيْركِيَّة .. بَيْنَ تَأجِيْـلِ المُؤَجَّلِ وَتَعْـلِيْقِ المُعَلَّق

خَيَارَاتُ الإدَارَة الأمِيْركِيَّة .. بَيْنَ تَأجِيْـلِ المُؤَجَّلِ وَتَعْـلِيْقِ المُعَلَّق


لم يكن «تَسْبِيل» العسكرتاريا الأميركية منذ تشكل مقومات الدولة في القرن السابع عشر بخارج عن نظام مصالح متحد يديره رهبان الإقطاع بشكل متلون كالحِرباءة في أعين الناس، فمرة باسم دورة الإنتاج ومرة باسم الاستثمار، ومرة باسم المُجمع الصناعي، لكن النتيجة هي هي وإن تخالفت المُسمّيات . وفي أطراف ذلك المُتحد توارت قيم الثورة البيضاء والثورة الفرنسية لصالح نوع آخر من التفكير والتأسيسات المغلوطة لثقافة السيطرة في صورتها المحسنة من روكفلر وفلاجلر ونوبل وروتشيلد حيث العوائل البرجوازية، وبدأ الاعتماد على استحصال المنفعة والمال كهدف سامٍ مقدماً على سائر القيم التي أفرزتها الحركات الاجتماعية والسياسية، فبات الانتقال من سياسة الردع والاحتواء إلى استراتيجية الهجوم الوقائي، أو من الردع الاستراتيجي إلى الحرب الاستباقية ميزة إضافية طالما أخذت ناصية العلاقات الدولية إلى الحد الأقصى من التوتر والصدام أو في أقل تقدير الاحتكاك غير المباشر .


ولم تعد الإدارات الأميركية المتعاقبة قادرة على تجاوز هذا الموروث السيئ، ولم يكن بينها نظرة مختلفة حيال ذلك سوى التمايز النسبي في استخدام أدوات اللعبة، وربما حقبة دامت مئة وعشرين عاماً كفيلة بأن تُظهر لك حجم الجهد الذي تراكم من أجل التبغ والتوابل ولاحقاً النفط وغيرها من الأصناف التي كانت تتسيّد على تجارة الكون حينها .


في حواضر القرن الأميركي اليوم يتلاقى التاريخ الاستعماري بوضوحه وسماجته مع واقع سياسي فريد من نوعه، يتلخص في طبيعة جديدة لأوجه السيادة العالمية الأحادية بعد انهيار القطب الشرقي، واستنادها إلى بسط مزاج الفرد على المجموع دون مراعاة لتواريخ وحقب وتراكمات الشعوب والأمم، ولا يظن أحد هنا أن ما ينضح به الرئيس بوش بين فينة وأخرى عبر خطاباته المُملة على أنه سوء تقدير منه أو من مستشاره لشئون الإعلام (لدى الرئيس الأميركي مئتا مستشار) بل إن ما يقوله لا يمثل سوى النزر اليسير من طبيعة عقل اليمين المسيحي المسيطر على توجهات الإدارة الجمهورية .


جبهات الرئيس الأميركي اليوم متعددة وواسعة وذات أبعاد مختلفة، من الصين والهند حيث التقطاعات الاقتصادية إلى كوريا الشمالية حيث الرغبة في فرض مزيد من الأمن الاستراتيجي في جنوب القارة القديمة ولحلفاء واشنطن هناك ككوريا الجنوبية واليابان، مروراً بأزمات الشرق الأوسط في العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين وهي بالتأكيد خليط من الهواجس الأمنية والسياسية والاقتصادية والاستراتيجية، وانتهاءً بدول أميركا اللاتينية المتمردة ذات النفس اليساري من كوبا إلى فنزويلا حيث الخواصر المؤدية والمُقلقة لمصادر الطاقة، وربما كان أشدها من حيث التعقيد والتشابك الجبهة الإيرانية التي نعَّمتها وزيرة الخارجية الأميركية قبل أيام عندما سُئِلت عن سبب عدم زيارتها لبلدان مثل إيران وكوريا الشمالية فردت بأن «الولايات المتحدة ليس لديها أعداء دائمون» وهي رسائل متقطعة، لكنها متكررة تُطلق بين فترة وأخرى من واشنطن تجاه إيران .


في حالة مستعصية كإيران تواجه واشنطن خيارات صعبة للتعاطي مع هذا البلد، لكن اللافت أن هذه الخيارات ربما تختزلها الولايات المتحدة الأميركية في السعي إلى الفصل بين الملفات مع النظام الإيراني، فمحادثاتها معهم بشأن العراق تختلف عن مسارات عملها مع الترويكا الأوروبية ضمن مجلس الأمن لاستصدار ما أمكن من القرارات الأممية بشأن الملف النووي الإيراني، أو تلك المتعلقة بمستوى نفوذهم في الشأن اللبناني أو الفلسطيني وطريقة التعاطي معه، وربما أرادت إدارة جورج بوش أن تفعل ذلك رغبة منها في تقليل الخسائر وترميم السياسات المترهلة للإدارة، لكن الظاهر هو أن هذه السياسة غير عملية ولن يجني منها الرئيس بوش مكاسب نوعية لعدة أسباب أهمها أن التعاطي بشأن العراق قد يكون مفصولاً عن الملف النووي وبالتالي إزاحة الرغبة الإيرانية الساعية إلى تثبيته إقليمياً وشرعنته دولياً، لكن ذلك لم يمنع من أن يكسب الإيرانيون أنفسهم ميزات مماثلة في أطراف الملف العراقي، كوضع منظمة «مجاهدي خلق»، بالإضافة إلى أن الحلحلة الجزئية التي أصابت الملف اللبناني كان مدخلها المشاركة السورية في مؤتمر أنابوليس . وبدأ الديمقراطيون يضغطون بقوة لإيقاف كرة الثلج التي دفع بها الرئيس بوش واليمين المسيحي منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وخصوصاً أن حظوظهم في المقعد الرئاسي كبيرة (على الأقل بحسب استطلاعاتهم) وبالتالي فهم لا يريدون أن يكون من نصيبهم المزيد من الملفات العالقة والمعلقة والآجلة والمؤجلة التي قد يرثونها من هذه الإدارة الجمهورية، وربما كان بينها التقرير الذي أصدره مجلس الاستخبارات الأميركي القومي (ستة عشر جهازاً) والذي أبعد التجريم عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسعيها إلى إتمام برنامج نووي عسكري منذ العام 2003 .


عند هذا المسعى تقف المناجزة الأميركية الإيرانية لكنها لن تخرج بالتأكيد عن الصراع المفتوح في أي وقت وبأي منسوب دون الحرب وأعلى من الدبلوماسية القاسية .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع