شارك هذا الموضوع

آليّات الممارسة السياسية في تحقيق مهام التركيب والتفكيك والجذب والطرد

هذا التصوير يتعلق ببحث في الاجتماع السياسي، وسيصادف القاريء جملة من الأبحاث في هذا الكتاب تتعلق بهذا العلم، وما نريد الإشارة إليه في هذا التصوير هو الإفصاح عن العلاقة المتبادلة بين الطاغية والجماهير من جهة، وبين المصلح والجماهير من جهة أخرى، وأهمية هذا البحث أنه يتيح المجال لفهم أفضل لملابسات الاجتماع السياسي في حياتنا، ويعيننا في الوقت نفسه على إمكانية التوصل إلى نتائج أفضل في مجال معالجة الأزمات الاجتماعية والسياسية؛ وما تريد الصورة الإفصاح عنه هو أن الطاغية والمصلح يتجاذبان الجماهير ولكن باتجاهين متعاكسين، فما يعمله الطاغية هو محاولة لاستجرار المجتمع نحو التسافل عبر ما يتوفر عليه من قوة دفع وجذب، فهو يدفع الجماهير باتجاه السير في مسارات التخلف والتأزم السياسي، ومن خلال ما يتوفر عليه من مغريات يستقطب إلى جانبه العديد من مرضى النفوس والنفعيين الذين يعتادون العيش على فضائل موائده .


وفي الجانب المقابل يقف المصلح كقوة دافعة للمجتمع نحو الأعلى ويمارس دوره في النهوض بالأمة وتحريك الجماهير نحو تغيير واقعها إلى واقع أفضل، وهو يبدل في ذلك محاولات مضنية لا يمكن الاستهانة بها، وما ينتجه عمل الطاغية في نهاية الأمر هو تفكيك المجتمع وتشتيت قواه وإهدار إمكانياته وسلب كل مظاهر الحياة والفاعلية منه، كما يعمد شخص إلى صورة حية ويفكك أجزاءها ويلغي ترابطاتها ليحولها إلى خلفية سوداء لا تحمل أيّة دلالة أو معنى، بينما تختزل مهمة المصلح في ما يقابل دور الطاغية فهو يقوم بمهمة في غاية الخطورة والأهمية والتعقيد وتتمثل في لملمة أجزاء المجتمع التي بعثرها الطاغية، وجمع أركان الصورة التي محى الطاغية الكثير من معالمها وشوّه العديد من تجلياتها .


وبين عمل الطاغية ودور المصلح ينبغي أن لا نتغافل دور الجماهير الذي عادة ما ينظر إليه على أنه دور لا يتعدى التلقي عن الإثنين، ولكن حقيقة الأمر ليست كذلك، فالجماهير ليست مجرّد متلقية ومنفعلة، بل هي بالنسبة إلى المصلح والطاغية على السواء تمارس تارة دور القوة الجاذبة، وتارة دور القوة الطاردة، وما يعطي للجماهير القدرة على أن تكون قوة طاردة للطاغية وجاذبة للمصلح هو وعيها بطبيعة الدور التفكيكي الذي يمارسه الطاغية في أوساطها وقدرتها على إعاقة هذا الدور وتجاوز مخاطره، واستجابتها من جهة أخرى لمتطلبات الحركة الإصلاحية التي أخذ المصلح على عاتقه مهمة القيام بها ودفع المجتمع باتجاهها .


كما أن ما يوفر للجماهير القدرة على أن تكون قوة ذات أداء سلبي يعزز دور الطاغية ويضعف فاعلية المصلح هو جهلها وتزييف وعيها واستلابها إمكانية الاستقلال عن أداء الطاغية وتوجيهاته، وتحولها إلى مجرّد تابع أعمى يعجز عن إدراك متطلبات الدور الإصلاحي، وهذه إشكالية نظرية معرفية، أو يدرك ذلك ولكنه يعجز عن تمثلها وتحقيقها على أرض الواقع، وتلك إشكالية عملية، والجماهير معرضة دائمة للوقوع في براثن إحدى الإشكاليتين أو كلتيهما، مما يعزز ضرورة فهم دور الجماهير في مهام التغيير والإصلاح والنهوض، كما أنه من الضروري فهم الآليات التي تدفع الجماهير للتحرك والتي تختفي في كثير من الأحيان تحت مسمّيات يصعب استكشافها والتعرف عليها، إلاّ عبر ما يتوفر عليه المعني بعملية التغيير والتطوير من وعي وحصافة رأي، وقد يكون استحصال مثل هذه الخبرات هو أهم ما ينبغي أن يعني بالتوفر عليه الطامحون لتحقيق متطلبات الإصلاح والتغيير في أيّ مكان وزمان.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع