شارك هذا الموضوع

خُمَاشَاتُ السَّاقِ أَفْضَلُ مِنْ قَلْبٍ لا يَنْبُض

خُمَاشَاتُ السَّاقِ أَفْضَلُ مِنْ قَلْبٍ لا يَنْبُض


ما بين اشتراط الصداقة والعداوة بالمصالح، تَتَشَمّع علاقات الدول أو تَتَزَيّت. وأيضاً، في السياسة .. تغِيبُ إشراقية أرسطو ومَشَّائيّته، كما غابت ديغولية فرنسا على يد نيكولا ساركوزي، والبرجوازية البرلسكونية في إيطاليا على يد رومانو برودي، وهي فَزَعاتٌ قد تتمدّد أو تتقلّص في بحر الزمن لكنها تحدث . وسواء أكان الحاكم في العلاقات سطوة المصالح القومية وما يليها من خطط مُوجّهة، أم تبدلات الموازين داخل المؤسسات المدنية في الدول فإنّ السياسات تبقى رهينة ذلك مهما يكن منسوب التغيّر. فقد تبقى اليابان حليفة للولايات المتحدة ما دامت الأخيرة مستمرة في تصنيف كوريا الشّماليّة على أنها دولة راعية للإرهاب (نظام مصالح) ومن غير المعقول أنْ تستمر الأثنارية اليمينية في إسبانيا مع وجود دفوع قوية من الثباتيرورية الاشتراكية (تبدلات الموازين) لكن الأكيد أيضاً أنّ العلاقة بين المسارين متلازمة وإن بطرق غير مباشرة .


في منطقة الشرق الأوسط فإن التحالفات تبقى شبه مُزمنة وأحياناً مُتكلّسة، من تحالف الباكستان مع الصين ضد الهند، والجزائر مع البوليساريو ضد المغرب، ومروراً بتكتل دول الخليج (باستثناء بعض الخلافات) وليس آخراً التحالف السوري الإيراني الذي بدا وكأنه رأس حربة في المنطقة في قبالة المشروع الصهيوني الأميركي .


ولأن هذا الموضوع هو محل البحث فإن استحضاره بشكل تفصيلي يبقى مهمّاً لقراءة أجواء المنطقة ومستقبلها المنظور على الأقل، فهذا التحالف الذي بُنِيَ مدماكه الصلب في العام 1980 استمر في التماسك المضطرد طيلة سبع وعشرين سنة، متجاوزاً بذلك بعض النكسات التي أصابته في العام 1987 خلال الحرب الأهلية في لبنان وتخالف الموقفين السوري والإيراني بشأن مسلحي فتح؛ وفي العام 1991 إبّان مؤتمر مدريد للسلام ومشاركة دمشق فيه؛ وفي يوليو/تموز 2003 عندما شُكّل مجلس الحكم في العراق واعتراف طهران به، وأخيراً خلال مؤتمر أنابوليس للسلام الذي حضرته دمشق. وربما تجاوزت القيادتان السورية والإيرانية تلك المُنغّصات لصالح بقاء تحالفهما الاستراتيجي الذي مازالت دواعيه الموضوعية قائمة، فسورية تستقوي بالوهج الديني الإيراني المُعوّض لها في صراعها من أجل استرجاع الجولان المُحتل وضمان ولاء الشيعة في لبنان لها خصوصاً وأنهم يضغطون على الكيان الصهيوني في جبهة الشمال ما يجعلهم ورقة مهمّة لدى المفاوض السوري، والإيرانيون يصلون بنفوذهم إلى العالم العربي وبالتحديد إلى لبنان عبر البوابة السورية لصعوبة جبهة الخليج التي تتحكّم في مفاتيحها الولايات المتحدة الأميركية، هذا فضلاً عن الامتيازات الاقتصادية التي يستفيد منها الطرفان من بعضهما بعضا وخصوصاً سورية عبر استيراد النفط الإيراني بلا حساب .


بالإضافة إلى ذلك فإنّ دمشق وطهران تسيران في ذات الاتجاه المُستهدف من قِبَل الولايات المتحدة، وهو ما زاد من تظهير حالة التحالف بين البلدين إلى مُكوّن رئيسي في الأمن القومي الإيراني والسوري، وديمومته كعنصر توازن بديل عن التسلّح المباشر في الصراع مع الخصوم. في بداية التحالف الاستراتيجي بين البلدين بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران نَجَحَ السوريون في إبداء أقصى مواقف الولاء لهذا التحالف عبر مخالفة الموقف العربي المناصر للعراق في حربه ضد إيران، فوقفت دمشق ومن دون هوادة ضد بغداد لصالح طهران طوال فترة الحرب. والإيرانيون بدورهم عالجوا قضية خلافهم مع السوريين بشأن المخيّمات الفلسطينية وحركة فتح بقيادة ياسر عرفات في لبنان في الفترة من يونيو 1985 وحتى أغسطس/آب 1987 وحلف حزب الله وفتح وحركة التوحيد الإسلامي بمزيد من الهدوء، كما أنها مرّرت لدمشق خلال عقد الثمانينيات تقاربها مع الأردن الذي كان أكبر الداعمين للعراق في حربه ضدها واجتماع الرئيس حافظ الأسد مع صدام حسين بوساطة سعودية. وإفشاء وسائل الإعلام الواقعة تحت النفوذ السوري لقضية إيران كونترا في العام 1986، ولاحقاً مشاركتها في مؤتمر مدريد في العام 1991 .


رغم كل ذلك بقي التحالف الإيراني السوري متماسكاً وفي أحلك الظروف، تُعززه التناقضات الإقليمية والدولية حيناً وتُقلقه حيناً آخر، وما بين بسط إغراءات الأعداء وقبض تحفظات الحلفاء يقف الحليفان على مساحة حسّاسة جداً، وربما تكون دمشق هي الأقرب في هذه المرحلة على تلمّس واقع دولي جديد يهدف فيما يبدو إلى جرّها إلى خارج هذا التحالف في تسوية صعبة تتطلبها الظروف العالمية بحسب وجهة النظر الأميركية. فالحلحلة الرأسية للصراع العربي الصهيوني وللقضية الفلسطينية بشكل أخص هو موضوع كلّ إدارة أميركية تعيش عامها الأخير في السلطة، وربما أرادت الولايات المتحدة أن تُجفّف المشارب الرديفة القادرة على إبقاء ذلك الصراع مفتوحاً، فإذا ما أُخْرِجَت سورية من دائرة تحالفها مع إيران ستبور آلة حزب الله العسكرية وسيُحجّم سياسياً بفعل التوازنات الجديدة، ويضيّق الخناق على المنظمات الفلسطينية المعارضة لعملية التسوية والمستندة في لوجستياتها على البوابة السورية وعلى غضّ الطرف منها، فينكفئ بُعدها في الصراع لصالح قوى أكثر تقبّلاً وتسامحاً لموضوع السلام مع الكيان الصهيوني، وقد تضغط واشنطن على تل أبيب لإقناعها بأن ثمن مرتفعات الجولان سيكون بخساً إذا ما وافقت دمشق على قبول مثل هذا العرض مع إطلاق اتفاق الشراكة بينها وبين الاتحاد الأوروبي ورفع مستوى الحوار السياسي معها وإنهاء القطيعة وسياسة العزل .


بطبيعة الحال فإن سلب الغرب لدواعي التقـارب السـوري مـن إيران سيجعـل من سياسة «الاحتراز» التي تتبعها دمشق أمام مأزق حقيقي، ففي مثل هذه التحالفات الغائرة تتجاوز الدول استحقاقات ومتوجبات ذلك التحالف إلى مراتب أكثر تعقيداً من الشراكة السياسية؛ فتتحكّم بشكل مباشر وغير مباشر في الأمن القومي للدول المتحالفة، فالسوريون والإيرانيون بينهم برامج تسليحية حسّاسة كتطوير صواريخ سكود إلى مستويات 220 و302 ملم ورادارات الاستكشاف، وتقديم طهران عتاداً حربياً لدمشق بقيمة مليار دولار لم يدفع خلالها السوريون دولاراً واحداً، وبالتالي يُصبح التحالف سلاحاً ذا حدّين، ويبقى فكّه بالسرعة التي تتمناها الولايات المتحدة أمراً مستحيلاً، فهو يحتاج إلى إيجاد البدائل الضامنة والمضمونة والقادرة على تعويض دمشق خسارتها من فكّ ذلك الارتباط. وأيضاً إقناع باقي الأطراف المناوئة لها في الإقليم بضرورة تغيير سياساتها من دبلوماسية قاسية إلى علاقات هادئة ومستقرة، وهي أثمان سياسية واقتصادية وعسكرية باهضة الثمن لن تحظى بإجماع يضمن تحقيقها .


وربما كانت الدعوة التي قدّمتها الولايات المتحدة لسورية من أجل حضور الأخيرة مؤتمر أنابوليس أوّل المبادرات في هذا المسعى رغم أن دمشق ترى أن حضورها في المؤتمر كان سُلفة منها لواشنطن وتل أبيب يجب أن يُرد ثمنها مضاعفاً وبأقصى سرعة ممكنة، مع أنها أبقت الخيارات كافة للتعامل مع السياسات الجديدة للغرب والتي لم تتضح معالمها الحقيقية بعد. وإذا ما أدركت أنّ ذلك الثمن لن يُدفع لها بالقدر الذي ترضاه؛ فإنها بالتأكيد ستستثمره في حدّه الأدنى وهو فكّ عزلتها الإقليمية والدولية كما حدث لها في العام 1990 بعد مشاركتها في تحرير الكويت، ولاحقاً بمشاركتها في مؤتمر مدريد في العام 1991 حيث أُطلقت يدها في لبنان، ووسّعت من علاقاتها الدولية مستفيدة في ذلك من عامل الوقت .


وإذا ما قُيّض للسياسة الأميركية أنْ تكون في عهدة الديمقراطيين بعد العام 2008 فإنّ الأحوال قد تتبدّل لصالح هذا التحالف بين سورية وإيران، مع ترويج الديمقراطيين لسياسات أقلّ تشدداً فيما يتعلّق بملفات المنطقة، أو ربما يتمّ الاستقواء من طرفي ذلك التحالف على الترتيبات الروسية الجديدة القائمة على تسيير موسكو لأساطيل حربية في البحار الدولية والمياه الدافئة بشمال شرقي المحيط الأطلسي والبحر المتوسط بالاعتماد على قاعدة طرطوس العسكرية، وعندها قد يتوسّع ذلك التحالف من تحالف إقليمي محدود إلى تحالف أكبر يمتد حتى الشمال الآسيوي .


 


 

التعليقات (1)

  1. avatar
    فاضل عباس

    بسم الله الرحمن الرحيم أصبح قانون الغاب المعاصر يدفع أغلب الأنظمة الحاكمة إلى البحث عن تحالفات إستراتيجية مع الآخر وفق معاير سياسية ترمي لتوفير الحماية الأمنية و الإقتصادية ، فعلى سبيل المثال ، التحالف الثلاثي الإيراني السوري و حزب الله في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي ، حزب الله لا يستغني عن الوصاية السورية التي تلعب دور الجسر المتين الذي يربه بإيران و سوريا التي ترى المعارضة هي ورقتها الرابحة لسترجاع الجولان . و السؤال المستوحى من الموضوع هو لماذا تفتقر معارضتنا من التحافات السياسية ؟ و لعل من أسباب ضعف معارضتنا سياسياً هو تقوقع فضيتنا في أرضنا ، فالمعارضة في لندن ترمي بأوراق القضية في حضن مجلس اللوردات في البريطاني الذي لا يتطيع أن يغير في سياسة بريطنيا الداخلية فكيف بالخارجية !!! ، لماذا لا تتفاعل معارضتنا مع المعطيات السياسية الإقليمية و الدولية فلماذا لا تبني جسور و علاقات دبلماسية مع الحكومة العراقية التي تتمتع بالدعم الأمريكي و التي تصلح بأن تكون حليف سياسي له ئقل يمنحنا الدعم الدولي . أتمنى من معارضتنا أن تلتفت لهذا الموضوع و تخطو خطوات إيجابية .

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع