شارك هذا الموضوع

ذلك الوتر في الخالدين ... الحسين

الحسين .. أكثر الأسماء عذوبةً في النطق ورنةً في الأسماع، ووقعاً في النفوس، وعنفواناً في الضمائر.


فهو يرمز إلى معاني الإباء والشرف والبطولة والفداء والتضحية والذود دون مبادئ الخير والحق والعدل والحرية.. والحسين تصغير لحسن ويراد به التعظيم والتحبيب والتدليل(1)..


نعم، فهو أحب الأسماء إلى الله ورسوله والمؤمنين.. اشتقه الله من قديم إحسانه، واختاره النبيّ (صلى الله عليه وآله) لسبطه الحبيب الذي قال عنه (حسين مني وأنا من حسين) وكم من المئات بل الآلاف بل الملايين قد تسموّا بهذا الاسم العظيم تيمناً وتبركاً بمسمّاه الأول والجدير الأوحد بحمله الحسين بن علي وفاطمة (صلوات الله الدائمة عليهم أجمعين) وكم ترك هذا الاسم من أثر في عواطف وأحاسيس الناس.. كل الناس وليس المسلمين حسب.


ففي مصر.. الحسين هو رئيس الملة وموقع رأسه الشريف في القاهرة مزار، ما أبهاه وأروعه يجلب النفوس ويخلب الألباب ويثير كوامن الحب والمودة لآل البيت الطاهرين (عليهم السلام)، وفي السودان عبارة يستخدمها الناس في أحاديثهم كثيراً هي (إنني مظلوم مثل الحسن والحسين (عليهما السلام)إيماناً من السودانيين بلا محدودية المظلومية التي لحقت بسيدي شباب أهل الجنة على أيدي الظالمين. وفي الهند يثير اسم الحسين مشاعر المسلمين بما يصل أحياناً إلى حد الجنون، وفي العراق وإيران وبلدان عربية وإسلامية أخرى... وأينما تولّي فثمّ اسم الحسين (عليه السلام)، وحب الحسين ودموع الوفاء للحسين... ريحانة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) الذي ولد بالمدينة المنورة في اليوم الثالث من شهر شعبان سنة ثلاث أو أربع من الهجرة، وروي أنه ولد بعد أخيه الحسن بسنة وعشرة أشهر، ولما جاءت به أمه فاطمة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) استبشر به وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، فلما كان اليوم السابع من ميلاده سمّاه حسيناً وعق عنه بكبشٍ وأمر أن يحلق رأسه ويتصدق بوزن شعره فضة أسوةً بأخيه الحسن (عليه السلام). وقد كنًي بأبي عبد الله ولقب بالرشيد والوفي والسيد الزكي والمبارك والطيب والدليل على ذات الله والتابع لمرضاة الله، غير أن أعلى ألقابه هو ما لقبه به جده محمد (صلى الله عليه وآله) في معرض الحديث عنه وعن أخيه الحسن أنهما سيدا شباب أهل الجنة، وكذا السبط لقوله (صلى الله عليه وآله): حسين سبط من الأسباط، وكانت له عدة خواتيم نقشت بالعبارات التالية: لكل أجل كتاب، إن الله بالغ أمره، حسبي الله.


تربى الحسين (عليه السلام) في حجر جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) ونشأ في رعاية أبيه المرتضى (عليه السلام) وأمه سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وشبّ برفقة أخيه المجتبى (عليه السلام) فهل رأيت له من نظير؟ (ثم أرجع البصر كرّتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير).


يزيد..


فأما يزيد.. فما يزيد؟ وهل نجوز مقارنته بالحسين (عليه السلام) أو نجعله نداً له؟! كلا وحاشا، فهذا ضرب من المستحيل وكيف للنور أن نقارنه مع الظلام والعفة والطهارة مع الخسة والدناءة وهما طرفا تقيض لا يجتمعان بكل المقاييس والأعراف والقيم.


ولد يزيد سنة (25) أو (26) هـ وقد دهمت الأرض شعلة من نار جهنم وزفيرها، تحوط به دائرة السوء وغضب من الله شديد. يؤثر عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه نظر إلى معاوية يتبختر في بردة حبرة وينظر إلى عطفيه فقال (صلى الله عليه وآله): (أي يوم لأمتي منك، وأي يوم سوء لذريتي منك من جرو يخرج من صلبك يتخذ آيات الله هزواً ويستحلّّ ما حرم الله عزّ وجلّ)(2).


أما عن نشأته فتحدثنا المصادر بأنه نشأ عند أخواله في البادية من بني كلاب الذين كانوا يعتنقون المسيحية قبل الإسلام، وكان مرسل العنان مع شبابهم الماجنين فتأثر بسلوكهم إلى حد بعيد فكان يشرب معهم الخمر ويلعب بالكلاب والفهود والقرود والعاً بالصيد لاهياً بالسمر يقضي الليالي الحمراء مع الندماء الخلعاء والماجنين بين الشراب والغناء، هكذا كانت نشأته جاهلية بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة ولا تحتاج إلى دليل قط.


وأما عن صفاته النفسية فقد ورثها من جده أبي سفيان وأبيه معاوية فكان نسخة طبق الأصل منهما في الخساسة والغدر والنفاق والطيش والاستهتار ومن أبرز ذاتياته ميله على إراقة الدماء والإساءة إلى الناس، ففي السنة الأولى من حكمه القصير أباد عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى رأسهم الحسين، وبالسنة الثانية أباح المدينة ثلاثة أيام وقتل سبعمائة رجل من المهاجرين والأنصار وعشرة آلاف من الموالي والعرب والتابعين(3).


فأين الثرى من الثريا؟! وأين يزيد من الحسين (عليه السلام).. أين ابن ذوات الرايات من ابن ربات الخدور.. أين ابن آكلة الأكباد من ابن سيدة النساء الحوراء الإنسية الراضية المرضية أم أبيها رسول الحق إلى الخلائق أجمعين.



* الهوامش *
1 - الحسين والحسينيون: الأستاذ نزار شاهرودي.
2 - المناقب والمثالب للقاضي لقمان المصري.
3 - حياة الإمام الحسين (عليه السلام)، باقر شريف القرشي.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع