شارك هذا الموضوع

الغمْدُ رَاضٍ بِلَوْنِهِ مَا دَامَ يَصُوْنُ حَدّ السَّيْف

الغمْدُ رَاضٍ بِلَوْنِهِ مَا دَامَ يَصُوْنُ حَدّ السَّيْف


لم يكن انتخاب الشيخ هاشمي رفسنجاني رئيساً لمجلس خبراء القيادة في الرابع من سبتمبر/ أيلول الجاري بواحد وأربعين صوتاً من أصل ستة وسبعين (مجتهداً) في مقابل منافسه الشيخ أحمد جنتي الذي حصل على واحد وثلاثين صوتاً، بحدث مفاجئ للمراقبين للشأن الإيراني، فالنتائج المُريحة التي حصلت عليها جمعية علماء الدين المجاهدين وعموم اليمين التقليدي الذي ينتمي إليه رفسنجاني تاريخياً وتنظيمياً في انتخابات الخبراء الرابعة في شهر ديسمبر/ كانون الاول الماضي أمام تيار آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي، هي التي وضعت رفسنجاني في عربة الرئاسة الفعلية للخبراء، فوجود إمامي كاشاني ومحمد اليزدي (الذي أصبح نائباً أول للرئيس) ودري نجف آبادي ورضا أستادي وشوشتري ومحمدي كيلاني (النائب الثاني للرئيس) كتيار داعم للشيخ قد بيّن قدرة اليمين المحافظ على لعب دور حاسم في المجلس، كما أن الأضواء قد بدأت تتجّه صوب الشيخ الرفسنجاني منذ اعتلال صحة الرئيس السابق لمجلس الخبراء آية الله علي فيض المشكيني قبل سنتين من وفاته .


ومن أُتيح له أن يُتابع إرهاصات تبوؤ الشيخ لمنصب رئيس مجلس خبراء القيادة سيُدرك أن الأمور كانت مُعدّة له سلفاً منذ سنة تقريباً، وأن يُحصي حجم الدعم الذي لقيه على يد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي منذ أغسطس/ آب من العام 2005 وتحديداً بعد انتخاب أحمدي نجاد رئيساً للجمهورية، عبر تفويضه بحق الإشراف على السلطات الثلاث طبقاً للمادة 110 من الدستور، وهي من الصلاحيات الأصيلة للولي الفقيه، إذ كانت تلك الخطوة مُنعطفاً مهماً لإعادة الاعتبار للشيخ ولتوزيع الأدوار وتدوير مراكز القوى بتشتيت الأنوية المتحدة في أي سلطة قائمة سواء الرقابية أو الإجرائية أو حتى الاستشارية .


آية الله علي خامنئي وفي تعقيبه على انتخاب هاشمي رفسنجاني وصف ذلك الانتخاب بأنه خطوة رصينة، وأنه جاء «برائد من روّاد الثورة الإسلامية، لأن وظيفة المجلس هي انتخاب وحفظ واستمرار قيادة النظام» وفي ردّه على ذلك الدعم قال هاشمي رفسنجاني إن «وجود قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمي السيد الخامنئي وتوجيهاته كانت دوماً فصل الخطاب، وإن ولاية الفقيه هي المحور لتماسك الوحدة الوطنية». بطبيعة الحال وصول الشيخ هاشمي رفسنجاني لمنصب رئاسة الخبراء هو يحمل دلالتين مهمتين، الأولى تتعلق بقدرة الحكم في إيران على احتراف لعبة «تشتيت القوة» في النظام السياسي وتمظهراته المختلفة، لذلك فإن الراصد لتاريخ الثورة يعلم ذلك جيداً، ولفترة ليست ببعيدة كان مجلس صيانة الدستور الذي يُهيمن عليه المحافظون التقليديون أبدى عدم موافقته على مشروع إجراء الانتخابات البرلمانية للدورة الثامنة مع الدورة العاشرة لرئاسة الجمهورية بصورة متزامنة، عبر إضافة سبعة أشهر إلى الدورة البرلمانية الحالية إلى جانب تقليل الدورة التاسعة لرئاسة الجمهورية أربعة أشهر، واقتصار موافقته على تزمين إجراء الانتخابات البلدية مع انتخابات مجلس خبراء القيادة والتي أجريت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وذلك لضبط الحراك المحتدم داخل المنظومة المحافظة وإيجاد التوازن اللازم ما بين التقليدين والتعميريين من المحافظين، ولفتح مساحة ما للرهانات الإصلاحية المعتدلة، وإبقاء الكفّة ما بين محافظين جُدد (روّاد إعمار إيران الإسلامية) ومحافظين تقليديين (مجاميع القوى اليمينية كافة) شبه متوازية لا غالب فيها ولا مغلوب، وهنا تكمن مفردة مفصلية أخرى تتعلق بمحورية المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي داخل النظام والذي يدعي الجميع وصلاً به، فعندما تولّى مرشدية الثورة قبل ثمانية عشر عاماً كانت إيران تعيش هاجس الإعمار، وهاجس نجاح التجربة التي غيّبت حُكمها الحرب العراقية الإيرانية والزخم الذي صاحبها، واستطاع المرشد «الخلف» القادم من بحر الدم الذي أساله أعداء الثورة أن يستحصل مكانته ضمن فضاء السلطة من خلال متغيرات مهمة بعضها قد ثُبّت قبل وفاة الإمام الخميني في يونيو/ حزيران 1989 والبعض الآخر عبر مسطرة ممتدة من الإحالات والاستقدامات والكفّ وضبط الإيقاع داخل منظومة السلطة وخصوصاً تلك المتعلقة بالقوى غير المرئية وصاحبة النفوذ الأقوى، ومن يعرف الشكل الحقيقي للفرقاء والسياسيين الإيرانيين على الخريطة السياسية الممتدة سيُدرك أن جمعهم ضمن خيمة واحدة هي مسألة غاية في الصعوبة، واستثمار الجيوب الدينية الهاجعة في رحم التجربة وارتباطها بتاريخ إسلامي مذهبي هو أيضاً غاية لا تُدرك من دون جهد جهيد، فإعادة تنظيم الوعاء الديني للنظام في مدينة قم من دون استثارة الحساسيات المرجعية هو أمر معقّد لكن المرشد نجح في ذلك، أو إعادة صوغ جيل ثوري نشط وتمكينه في مفاصل الدولة دون من إزاحة راديكالية لشخصيات راسخة هو أمر مستعصٍ لكنه أيضاً نجح في ذلك، أو أن يُسمح لغلاة الإصلاحيين لأن يمارسوا حق الإشراف والمراقبة على مؤسسات الولي الفقيه عندما كانوا في السلطة التشريعية وفي الوقت نفسه يُفوّض مجلس صيانة الدستور لإجراء عملية جراحية لتقليل غلوائهم في السلطة من خلال موضوع الأهليّة هو أيضاً تشريب معقّد .


الدلالة الأخرى هي إعادة الاعتبار لرفسنجاني الذي هُزِمَ في عمليتين انتخابيتين (تشريعية ورئاسية). اليوم وعلى رغم أن المناكفين للشيخ الرفسنجاني في مجلس الخبراء يرفعون شعار أن المجلس لا يُعيّن الولي الفقيه ولكنه فقط يُعرّفه ويقدمه للناس، لأن ذلك الولي هو مُنتخب من قِبَل إمام الزمان وعُيّن بتنصيب عام من أجل الحكومة، فإن ذلك لم يمنع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي من أن يدفع بالشيخ الرفسنجاني وبتياره لمنصب رئاسة الخبراء ! .


ومن يعرِف الشيخ سيعلم أن جميع منعطفات الثورة المصيرية كان الرجل حاضراً فيها بقوة منذ الخامس عشر من خرداد 1963 بداية انطلاق الحركة السياسية للإمام الخميني، ومروراً بعضويته في مجلس قيادة الثورة ورئاسة البرلمان وقيادة الحرب وتسوية ملف الرهائن الغربيين في لبنان ومسائل الإعمار والحوار النقدي مع أوروبا وتحسين العلاقة مع الخليج وضبط الحركة الإصلاحية في نهاية التسعينات، لذلك فإن وصول الرجل إلى موقع رئاسة الخبراء بدعم من القيادة العليا ربما يأتي في هذا السياق أيضاً .


 

التعليقات (1)

  1. avatar
    المعارض ، عضو في الصرح الحسيني

    بسم الله الرحمن الرحيم لقد كرست قلمك في الكتابة عن الشئن الإيراني ، و كأنك تربط تطلعات مجتمعنا بالمصير الإيراني ، فهلا طرحت لنا موضوعاً تطرح فيه لماذا لم تتدخل الحكومة الإيرانية لإنقاذ الشيعة في البحرين و لماذا حينما قدم الرئيس السابق رفسنجاني من المملكة العربية السعودية إلى البحرين براً عن طريق جسر الملك فهد و لم يطالب بالإفراج عن سماحة الشيخ الجمري رحمة الله عليه و لا حتى أصغر معتقل ؟ ، لماذا يتجاهل ولي أمر المسلمين آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قضية الشيعة في البحرين ؟ أتمنى من كاتبنا المحترم محمد عبدالله أن يكتب بقلم منصف الإنجازات التي تكلفت بها إيران لمساعدتنا كشيعة في حلّ أزمتنا السياسية الداخلية مع السلطة في البحرين . و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع