شارك هذا الموضوع

عاشوراء... التضحية والتحدي والفداء

بسم الله الرحمن الرحيم


قال الله تعالى:-


((.. والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار))


وقال أيضا جل شأنه:-


إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا .. صدق الله العلي العظم


وقال (الحسين ) ع:-


قتل الله قوما قتلوك يا بني ، وعلى الدنيا بعدك العفاء.


وقال (على الأكبر) يرتجز:- أنا على بن الحسين بن على نحن ؤ بيت الله أولى بالنبي والله لا يحكم فينا ابن الدعي أطعن بالرمح حتى ينثني أضرب بالسيف أحمي عن أبي ضرب غلام هاشمي علوي


توطئة


كثر القتل و إستشرى الذبح ،وابتلت ثرى كربلاء بالدماء،وضجت أرجاءها بالدعاء، وزهقت فيها الارواح الزكية ، و تقطعت و انتثرت فيها الجوارح الطاهرة النقية وحومت ملائكة الرحمن في أجوائها باكية تندب الحق و أهله ، يصرعون ويفتك بهم. و (الحسين) عليه السلام في كل هذا ثابت الجنان ، قوي الايمان ، كبده تفري ألما وحزنا، فلا يطاطئ الرأس إلا للملك الديان. يروى أصحابه وإخوانه وأهله عرضة للموت ينتهبهم من جوف قلبه و بين جوانحه فلا يستطيع له دفعا ولا ردا .


ثم يرى اكبر أولاده (عليا) تنتاشه السيوف و الرماح و تمزق جسده الطاهر، وينتفض انتفاضة الطائر المذبوح يجود بالانفاس. يرى ذلك فتصغر الدنيا في عينيه ، وهو الذي لم تكن عنده تساوي شيئا امام طاعة الله ، و الفناء في ذاته تعالى، فيقول:-    قتل الله قوما قتلوك يا بني ، وعلى الدنيا بعدك العفاء .


وداعا أيتها الدنيا الفانية ، ولقاء بين يدي الله تعالى.


نسبه ونشأته


هو علي (الأكبر) بن الحسين بن علي ابن أبي طالب القرشي الهاشمي، وأمه ليلى بنت ابي مرة بن عروة ابن مسعود الثقفي. ويميز بلقب (الأكبر) عن اخيه (زين العابدين) عليهما السلام . ولد وتربى في حجر (الحسين) علية السلام، فرف من الفيض إيمانه ، ونهل من غير علمه، وارتواى من فضله و كرمهز وشب فارسا شجاعا مقداما، فعده المؤرخون من ابطال بني هاشم بحق؛ و اعترف العدو قبل الصدق بجرأته رغم سنه المتواضعة وعمره القصير . ولئن شهدت أرض كربلاء بطولات خارقة وتضحيات باهرة، فجدير بها أن تسجل لولد (الحسين) (علي الأكبر ) عليهما السلام أصدق الثبات ، وأكرم الوفاء ، وأغلى الشهادة.


خرج(ع) مع أبيه وإخوته جنديا في موكب الحق، ونفرا في ركب الإيمان ، يحتمل في الله كل بلاء ، وينصب في سبيله دون تلكو أو تهاون أو تراجع ،وهو يعقل أن يكون (على الأكبر)غير ذلك؟ أنه أبن السبط (الحسين) ، بل يحمل إسم بطل الاسلام وفارسه المقدام(علي ابن أبي طالب) علة السلام ، وجدته (الزهراء) بنت رسول الله عليه وآله وسلم. وحين بغت الحسين (عليه السلام ) أبناء مقتل (مسلم بن عقيل) و (هانئ بن عروة) وتخادل الناس في الكوفة عن نصرة الحق وانصرافهم عن حماية أصحاب(الحسين). أنذر الناس الذين كانوا معه بما وقع و اعلمهم بحقيقة الأمر، فتركه اكثرهم وما بقي معه إلا  القليل القليل منهم.


و كان (علي) الأكبر (علية السلام) يرى ذلك فيتألم، و يسمع قول اولاد ((مسلم بن عقيل )) ورد الحسين عليه السلام فيسري عنه بعض ما كان ينتابه من حزن وأسى. ثم يمضي مع الموكب بعزم ثابت ويقين مكين، حتى بلغوا((ذى حسم)) وهناك التقوا بطليعة جيش (ابن زياد)) على رأسها((الحر بن يزيد)) التميمي، وعايش (على)) الأكبر-عله السلام- فترة الحوار بين والده وبين((الحر)) ، عايشها بكل جوارحه وصدق عاطفته، وكانت نفسه تجيش بحب القتال و لقاء الله عز وجل ، ولو قيض له آن يباز الفرسان من اول الأمر لما توانى ولما تأخر ، ولكنه كان ينتظر القضاء. ((إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى)) صدق الله العلي العظيم


وحين أحاطت بالفئة المؤمنة القليلة العدد الزاخرة بالإيمان جيوش (ابن زياد) كان (عليالأكبر) عليه السلام من الذين لم يرهبوا ولم يتزلزلوا. ولما قتل كل أصحاب (الحسين) عليه السلام إثر البارزات و المصادمات و لم يبق معه إلا أهل بيته (أولاده وأخوته وبنو عمومته) وكانت سورة الغضب دفاعا عن الحق قد بلغت عندهم أوجها، و الشوق إلى لقاء الله قد اشتد ونما، وكان (علي الأكبر) أكثرهم حماسا واندفاعا برز الى الميدان وقد اعتلى صهوة جواد يدعى (الأحق)، مكر مفر، وقد تسر بل بعدة القتال.


وكان (عليه السلام) أكثر إخوته شبها بجده النبي عليه وعلى آله أفضل التحية وأزكى السلام، مقلا ومدبرا . ثم طلت الطعن و المبارزة، وكان والده(الحسين)عليه السلام قد رآه حين توسط الميدان ، فأرخى عينيه بالدموع وقد ايس منه ، فصاح قائلا:- -ويلك يا (ابن سعد) ،قطع الله رحمتك كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله اللهم كن أنت الشهيد على هولاء القوم الظالمين قد برز إليهم غلام أشبه الناس برسولك ونبيك محمد الهم امنعهم بركات الأرض ، وفرقهم تفريقا و مزقهم تمزيقا، و اجعلهم طرائق قددا ، ولا ترخي عنهم الولاة أبدا فإنهم دعونا ليبصرون ثم عدوا علينا يقاتلونا.


وبعد أن طلب (على الأكبر ) من جنود (ابن زياد) المبارزة عليه وأحاطوا به، وراحوا يحاورونه ويداورونه وكان (عليه السلام) يتقن فنون القتال فاستطاع أن ينال منهم دون أن ينالوا منه واصاب بعضهم بالجراح و استمر على وقتا ليس باليسير حتي ابتلت ثيابه بالعرق ، وجف حلقه من الظما ، وكان برتجز مرددا:


أنا على بن الحسين بن على نحن ؤ بيت الله أولى بالنبي والله لا يحكم فينا ابن الدعي أطعن بالرمح حتى ينثني أضرب بالسيف أحمي عن أبي ضرب غلام هاشمي علوي فيرعد صوته في الفضاء كأنه القصف الشديد وبينما هو في حومة الوغى يصول و(الحسين) عليه السلام يرقبه بعينيه  ويحفه بقلبه ، تغير لون وجه (الحسين ) وظهر الجزع في عينيه، فسألته زوجته (ليلى ) أم علي الأكبر عن سبب ذلك وهي تظن أن ابنها قد اصابه مكره.


فقال الحسين :


-لا، ولكن برز إليه الان من يخشى عليه منه ، فادي الله تعالى أن ينصره على عدوه ، ولقد سمعت جدي رسول اللة يقول: (إن دعاء الوالدة بحق  ولدها مستجاب.


-فرفعت الأم لم الحنون يديها نحو السماء ودعت قائلة :-


-يا راد يوسف إلى يعقوب أردد على ولدي سالما..فاستجاب الله دعاءها ، وانتصر (على الأكبر ) على  عدوه( بكر بن مالك) الذي كان رهيبا مخيفا جبارا يخشاه الفرسان و يفرقون من اسمه


فسقط (بكر ) في الساحة صريعا،ـ وعاد (على) إلى معسكر أبيه سالما ظافرا، وطلب إلى (الحسين) عليه السلام أن يسعفه بشربة ماء يبلل بها ريقه وحلقه الذي جف ، فبكى (الحسين ) عليه السلام رفقا بابنه وحسرة عليه وقال له :


-من أين آتي لك بالماء يا بني ... إصبر على قضاء الله وقدره وارجع إلى قتال عدوك فإنك لا تمسي حتى تلقى الحبة : محمد و حزبه. تلقى جدك المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم ، و السابقون الذين ماتوا دفاعا عن الحق ، و استعذابوا طعم الشهادة طمعا بجنة عرضها السماوات و الأرض و أعدت للمتقين.


نزلت كلمات (الحسين) عله السلام من قلب (على الأكبر ) نزول وابل من المطر على الارض العطشى ، فعاد إلى مقارعة و منازلة الاعداء وهو أقوى من قبل و أشد .


فقتل منهم العدد الكبير ،يكر عليهم يجسرون على ويفرون بين يديه. ولقد ذكر بعض المؤرخين أن خوف الفرسان منه وعدم إقدامهم على مواجهته كونه عليه السلام شبيه جده رسول الله (ص) فما بدا له يقترب واحدهم منه حتى ينكفئ عنه وقد بدا له وجه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه . كما أن فيه شجاعة الإمام (علي) عليه السلام ، وإقدام وفروسيته ، و لهذا كله آمل ( الحسين) و أهل بيته معقودة على (علي الأكبر ) في آن يرد عنهم أقصى ما يتعرضون له الاذى ولكن الله غالب على أمره … وحيث أنه (عليه السلام) قد قتل من القوم مقتله عظيمة حملوا علية حملة واحدة ، ثم انحازوا عنه بتجاه مخيم (الحسين) وأهل بيته ، فوقف دونهم يحمى عن أهله ويصدهم عن هدفهم ، ثم غدره(مرة ابن منقذ بن النعمان العبدي) من بني (عبد قيس) وطعنه من الخلف في ظهره فخر على فرسه ولكنه لم يسقط إلى الارض و اعتنق رقبة جواده ، فانهالوا عليه بالسيوف يمزقون بها الجسد الطاهر ، وهنا نادى عليه السلام اباه مودعا وقال :


-عليك مني السلام يا أباه ، هذا جدي رسول الله قد سقاني شربة لا أظما بعدها ابدا .


ثم حمله جواد باتجاه معسكر الأعداء حيث سقط أرضا فأمعنوا فيه طعنا و ضربا حتى قطعوه ربا أربا.


فأسرع (الحسين) عليه السلام فحمل عليهم حتى فرقهم عنه ، ثم احتضن رأسه العفر بالدم و التراب ووضعها في حجره و ذرف أغلى الدموع وقال :


على الدنيا بعدك العفاء يابني . قاتل الله قوما قتلوك ، ما أجراهم على الله وانتهال حرمة نبيه .


وبينما (الحسين)عليه السلام في مناجاته وبكائه ، إذ أقبلت أخته ( زينب) عليها السلام مسرعة تنادي: يا حبيباه …  يا ابن أخاه .


حتى أتت مصرع (على الأكبر ) و انكبت على جسده الطاهر تقبله و تغسل وجهه بدموعها ، كما راحت تجمع ماتناثر من اعضائه .


ثم  اخذ (الحسين) علية السلام بيدها ، كما احتمل ولدة الشهيد إلى مخيمة وضعه عند باب الفسطاط ،وكأني بسيد الشهداء عليه السلام يودع (عليا الأكبر ) فيقول:-


ياكوكبا ما كان اقصر عمره وكذا تكون كواكب الاسحار لقد كانت ايامه (عليه السلام) في الحياة محدودة ، و كان عمرة قصير ، إلا انه ترك في سجل التاريخ صفحة وضاءة تفيض إشراقا وبهاء و قدسية، وذلك بما اشتملت عليه من عظم التضحية وروعة الفداء. رحم الله (عليا الأكبر ) ورضي عنه ، وانزله منزلا مباركا في حنة نعيم ، و الحقنا به في الصالحين من عباده ،وجعلنا جند للحق نقتبس من (حسين) درسا، ومن أصحابه موعظة وعبرة ، ومن بنيه ولى رأسهم (علي الأكبر) قدوة ومثلا ..    

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع