شارك هذا الموضوع

يوم عاشوراء طلائعه، تطوره، أهدافه

(الحسين، إنسان المقلة وبيت القصيدة)


من الطبيعي أن يرسل أهل الكوفة للحسين كتباً، تذكره بواجبه تجاههم، لأنهم مكبوتون منذ قال لهم معاوية: (والله ما قاتلتكم إلا لأتأمر عليكم). ومن الطبيعي أن يستجيب الحسين ندائهم، اعتماداً على مناصرتهم وفراراً من المؤامرة التي يحكيها مروان للفتك به عملاً بأمر يزيد وتوجيهه مستشاره سرجون الرومي البيزنطي! نعم، لقد أشار مروان على والي المدينة بقتل الحسين وما أن غادر المدينة حتى تعقبوه لمكة فخرج مترقباً قائلاً: (والله لو كنت في حجر هامة من هذه الهوائم لاستخرجوني).


ثم توجه للعراق غير عالم أن القلوب معه والسيوف عليه، وما أن تحقق خذلان مكاتبيه حتى ابتهل قائلاً: (اللهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا يقاتلوننا). وهنا تراه يواجه المر الواقع، فإما النزول على حكم ابن يزيد والإستسلام ليزيد حرصاً على حياة لا يقاس بها الموت، أو الموت كريماً مستبشراً بإحدى الحسنيين:(النصر أو الشهادة). أجل، دعوه لينصروه، ولكن اكتفوا من النصر- خشية سيف ابن زياد- بمراقبة المعركة بعين دامعة ودعاء (اللهم أنزل نصرك.


(التوابون)


ثم أحاطت بمن كاتبوه لينصروه خطيئاتهم، وامتلك الندم قلوبهم: ونهشتهم أفعى وازع الإيمان، ولدغهم ثعبان الضمير، ورأوا دعاء الحسين جمراً يتساقط على رؤوسهم وتحققوا- ولو بعد خراب البصرة- إن القعود عن نصرة الحسين، جرم لايكفره توبة تغسل العيون بمائها بل الأجسام بدمائها. إعترفوا بالجرم فشرعوا يهربون منه، وطلبوا الموت لتوهب لهم الحياة الكريمة، وصمموا على انتزاع الزمام من الذين اتخذوا الخلافة ملكاً عضوضاً وسلعة يورثها الشخص بنيه وذويه. ها هم بضع ألوف يمرون بالأرض التي ضمت جسد الحسين مبتهلين: (اللهم ارحم حسيناً، الشهيد بن الشهيد المهدي الصديق بن الصديق، اللهم إنا نشهدك أنا على دينهم وسبيلهم). ثم يهبطون ساحة الموت عام 65ه فتكل سواعدهم وتثلم سيوفهم وتسريح أجسادهم وتشرق أرواحهموتعيش عزائمهم وتخلد بطولاتهم، وتضم أرض (عين وردة) رفاتهم ويحفظ التاريخ بشعارهم: (الرواح إلى الجنة).


كأنهم يردون الموت من ظمأ               أو ينشقون من الخطي ريحا


لقد وضعوا- وهم التربون بحق- حجر الزواية الذي أجج في النفوس معرفة ماتنطوي عليه نفسيات مؤسسي الملكيات المطلقة وموجدي ولايات العهود، واتخدوا من جماجمهم حافزا يرمي الجائرين والمنحرفين بشرر من نقمة الرأي العام، فاستنكروا المأساة استنكارا عمليا وشاطرهم جميع مسلمي وعقلاء العالم استنكارها.  ووضعوا باجتماعهم حول جسد الحسين أول مجلس من مجالس المحرم أو أول يوم من أيام ( أعياد ـو حزن عاشوراء).


(( التوابون الأحياء ))


لقد مات التوابون بأجسادهم واقتفى المعارضون سيرتهم فعقدوا مجالس احتجاج حول قبر الحسين وشرعوا يمرون بذاك اليوم بخشوع ورهبة ويعتقدون به وبما سبقه مجالس تشحذ النفوس وتدفع للموت, ظاهرها عبادة يدعمها روايات وحقيقتها احتجاج وتصميم على التضحية. ولا ريب أن خطباء تلك المجالس كانوا يذكرون مناقب أهل البيت ويتغنون بدفاعهم عن الاسلام وتضحياتهم في سبيل المصلحة العامة، وينفذون من ذلك ولو تعريضا لما يكشف نفسيات معاصريهم من الملوك وولاة العهود وبطانتهم من ولاة الجور. لقد أقضت تلك المجالس مضجع الدولة فشرعت تحاول الحد من قوتها وتدس من بطنتها من يقيم احتفالا بيوم الغار الواقع في 28 ذي الحجة واحتفالا بذكرى قتل عبد الله بن الزبير الواقع في 18 المحرم. ولم تكشف الدولة بهذا الرد، بل شرعت بلسان تلك البطانة تحض الناس على اتخاذ العاشر من المحرم عيدا يظهرون به جديد الثياب وكامل الزينة ويتبادلون الهدايا وفاخر الأطعمة. وما أن دالت أمية حتى انزوت احتفالات يوم الغار ويوم الله عبد الله بن الزبير، وجاء المتوكل العباسي يهدم الضريح القائم على جسد الحسين خشية انعقاد تلك المجلس والمتقي العباسي يأمر بهدم جامع (براثا) الذي أصبح مركزا لها ليضعا على جذوة المعارضة في تلك المجالس سائلا جديدا!! ثم استقبلنا عصور الجهل والإنحطاط فاقتصرنا في مجالس المحرم على سرد الروايات بأصوات شجيعة واكتفينا بتوجيه لا يحس الزمن الذي نعيش فيه ولايذكر السامعين بقول الشاعر:


كل عصر فرعون فيه وموسى                      وأبو جهل في الورى ومحمد


وابن حرب وحيد ويزيد                                   كل عصر مصائب تتجدد!


ناسين إن الذين لأسسوا المجالس أرادوا منها المحافظة على مناهج الحسين والموت افتداءا به.  حرصا على جمع الكلمة بانتزاع الزمام من الذين دفعوا السفينة العامة لهاوية الغرق. وهكذا، مرت قرون أولها العصر العباسي الثاني، وآخرها القرن الحاضر،وجل خطباء مجالس الحسين، يجهلون استنهاج الفائدة التي أسست لها تلك المجالس، فلا يوجهون للتضحية في سبيل المصلحة العامة ولايتعرضون لمرض سياسي يفتك بعصرهم.


موقف الملوك من هذه المجالس


نعم لم يكن الخطباء يعرضون بملوك زمانهم، ورغم هذا رأينا الدولة العربية والإسلامية على طرفي نقيض فمنها من يشجع المجالس ويرغم عليها ويضع مايمه الذوق ويغضب التشريع الذي نحترم أهل البيت الذي أنزله الله فيه، كبني بويه الذي ألزموا الناس عام 351ه بغلق الاسواق وأخرجوا النساء منشورات الشعور، وسنوا سنة التمثيل المخجل الذي يرينا أهل البيت  بثوب الإهانة والإزدراء، ومنها من يحول دون تلك المجالس ويعاقب فاعليها كالترك العثمانين!


موجة وعينا الحديث


وما أن أنلخت في رحابنا موجة الوعي الحديث حتى شرعنا نعود للأصل الذي قصده التوابون، فنوقط الهمم ونناهض الظالمين وننعي على دول الإستعمار نكثها ومؤامراتها ونكشف أسرار الذين يسيرون بركابها كطلائع لتخليد أستعمارنا مستترين بالوطنية والإخلاص، سواء زعموا التسنن أو التشيع، ونتخذ من تلك المجالس وسيلة لجمع الكلمة وتصفية النفوس مما اعتراها من رواسب السياسة التي ارتدت ثوب الدين، وندعو للإلتفاف حول أركان الإسلام الخالدة وقبول المعذرة في الفرعيات والظنيات وننادي بأن تبعة ظلمات التاريخ موضوعة على عاتق حاملي أوزار التاريخ وحدهم وهم ليسوا سنيين ولاشيعة لأنهم لسوا مسلمين


خير الأمور أوسطها


العامة في كل زمان لايعرفون فضيلة التوسط، واذا ترى بعضهم يرى إقامة مجالس المحرم شعيرة من شعائر دينه وبعضهم يراها من البدع التي يجب مناهضتها. أما الفئة الناضجة المؤمنة الجريئة فتغتنم فرصة عقد هذه المجالس لتقوم بواجب التوجيه السليم الذي نذرت نفسها له ولاتنكر إلا الندب والتمثيل الذي ربما ذهب ضحيتها أنفس طاهرة بريئة إذ صرح أهل العلم بحرمة ضرب الأجساد بل أفتوا بأن من ذهب ضحيتها ربما ذهب ضحية مسلوبة الإيمان؟

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع