شارك هذا الموضوع

مصارع الرجال تحت بروق المطامع

مصارع الرجال تحت بروق المطامع


أَسالَ الكثيرُ من الكُتّاب والصُحافيين خلال الأيام القليلة الماضية حبراً (عبيطاً على غرار الدم) على خلفية فقرة من مقال فجّ لمسئول صحيفة كيهان الإيرانية حسين شريعتمداري بشأن البحرين لم يتورّع حتى القريبون من الطيف السياسي ومن صُنّاع القرار في إيران بنعت ما ذهب إليه الكاتب " بالجنون " الذي " فَقَدَ قدرته على الدلالة على أهمية حدود النظام الاجتماعي وتوضيح الحقيقة " كما يجادل في ذلك فوكو . وإذا كان الإيرانيون قد تعاملوا مع معالجة المقال بدبلوماسية ناعمة، فإن التعاطي الرسمي البحريني لم يكن خارجاً عن أصول بناء العلاقات الجيدة والمحافظة عليها، بدبلوماسية المعرفة الواسعة للقضايا التي يتعامل معها الإنسان " بحسب تعبير الأخضر الإبراهيمي " إلاّ أن الجزء الخطير الذي أشاحه ذلك المقال وتداعياته هو ما يتعلق ببعض أنماط الثقافة السياسية البحرينية وظهورها متأسّسة إلى حد بعيد على القراءة النصيّة للأحداث ومغادرة الترميز في إسفاف متعمّد للحقائق والمصالح، وتمكين النّفَس الميتا - طائفي في القراءات السياسية من دون اكتراث بالمعادلة الاجتماعية الناجزة . خلال المراحل التي أعقبت ترجمة المقال المُعنون بـ " آواز كوچه باغي ! (يادداشت روز) " من قِبل صحيفة القبس الكويتية؛ بدأ الاصطفاف السياسي لبعض الأطياف يختمر بشكل غريب وسريع ليتحوّل إلى كبوة طائفية/ شوفينية هي في الأصل نسخة غير مُحسّنة لعموم اللعنة القادمة من وهَج العراق الحارق، وهي بالمناسبة سُبّة بات الجميع يُعيّر بها الجميع من دون أن يُدرك ذلك المجموع أنه الحاضن الأوّل لها بجهالة مُركّبة، وفي أحيان أخرى بتأجيل إرادي للعقل والحصافة والمسئولية . مَنْ أتيح له أن يُتابع ما سطّره الكثير من هواة " الكتابة العـرجاء " سيعلم حقيقة ما وصل إليه هؤلاء من مستوى للجنون يُحتّم " قمقمتهم " وإحالتهم إلى " مصحّات «فكرية " . إحدى الصرعات العرجاء التي كُتبت خلال الأيام الماضي هي الدعوة إلى " التعبئة العسكرية " لمواجهة الغزو الإيراني المتوقّع للأراضي الإيرانية ! وصرعة أخرى بدأت تلقي اللوم وبلا حياء على الدبلوماسية البحرينية لتقصيرها في حلحلة هذا الإشكال بالطريقة التي يرونها قمّة الوطنية والدفاع عن حياض الوطن، وهي إن جاز لنا أن ننعتها في الداخل البحريني بالصرعة، فإن نعوتها في الخارج لن تحظى بأقل من لقب الجنون، فهؤلاء يعتقدون بأن إظهار الهوس تجاه الأمن والوطن بهكذا هذيان هو ضرورة سياسية من دون أن يُدركوا بأن ذلك الهذيان هو لعب خطير بالتوازنات التي تحكمها الدبلوماسية العاملة وفق المصالح العليا، وأيضاً بمراعاة مصالح الحلفاء داخل هذا الإقليم، وإن رفع الصوت بالمقدار الذي يمتهنه المعتوهون لن يفيد في إرجاع حق أو تثبيت حقيقة أو تصفية حساب، وبالتالي فمن الخطأ أن ننساق إلى ما ينساق إليه الجهلة، بل ومن الخيانة أن نعيق عمل الحكماء والحريصين على مصالح البلد بالتعبئة والنفخ في الجمر وتخوين الناس وتعييرهم والاستهجان بدبلوماسية البلد . أمر آخر يجب الالتفات إليه، وهو أن حجم التحريض المنظّم ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومساواتها بالكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية لا يخرج عن " طأفنة " فاقعة للمواقف السياسية لبعض الأطراف، وتجيير للتناقضات والتقاطعات بين الدول والتي على أساس تسويتها تنبني المصالح، ثم ما دخل السطور الخمسة لمقال شريعتمداري المُستَنكرة في أن تُرفع شعارات طائفية جهاراً، أو أن يُقتلع لفظ الجلالة من وسط العلم الإيراني ليُدنّس بنجمة داوود وبجانبها شعار النازية المعكوف، في استهجان بيّن لرب الجلالة، ولتضمين الحدث رسائل سياسية فجّة لا يستقيم لها عقل ولا منطق، بل هي استيراد بلا جمارك لأزمات العراق ومآسيه، فمنذ متى اتفق بالتماهي حلفاء حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي مع الحركة الصهيونية، ومنذ متى استقامت أموال الإيرانيين " السّخيّة " لحكومة إسماعيل هنية ولإعمار لبنان مع أهداف الكيان الصهيوني الساعية لتحطيم جبهة الممانعة في العالم العربي وإفساد مشاريعه، وهل يستوي السفّاح والظالم والعدو الذي أباح حرماتنا ومقدّساتنا مع مَنْ يدعم قضايانا ويُساندها في إعلامه ودبلوماسيته وفـي المحافل الدولية ؟! فحدّث العاقل بما يليق، فإن كان الجميع (وبلا استثناء) قد رأوا فيما صرّح به شريعتمداري بأنه إسفاف بالمنطق وخروجٌ عن العقل وتعدٍ على الدولة؛ فإن ما يُصرّح به البعض اليوم لا يختلف كثيراً عن المنطق (الشريعتمداري) بل أكثر منه، حين يتمنّى أحدهم ضربة عسكرية أميركية لإيران، وكما قلت قبل أيام فلو إن العلاقات الثنائية بين الجمهورية الإسلامية والعالم العربي خضعت لقصاصة خبرية هنا أو مقالة رأي هناك لما استقامت علاقة بين الطرفين ولما تطوّرت في ظل التراشق والتنابز الإعلامي المقيت للكثير من الصحف شبه الرسمية في المنطقة والتي ذهب بعض الكتّاب والصحافيين العرب فيها إلى مدى غير مسبوق كنعت إيران بحاملة لواء الغزو الصفوي أو الفارسي أو المجوسي على سبيل المثال، وهي مستويات غير عادية من الهذيان تحتاج إلى ضبط ونُصح أفرادها الذين يمخرون في بحر هم لا يعلمون أين يُفضي بهم، وإذا كانت شعارات الوطنية ستُباع وتُشترى في سوق النّخاسين، وتُنتزع من أصحابها بصكوك الإلغاء فإن هذه مفسدة عظيمة ستُكلّف أصحابها الكثير .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع