شارك هذا الموضوع

والشَّعْبُ فِيْ حُلمٍ يَسْعَى إلَى حُلمِ

والشَّعْبُ فِيْ حُلمٍ يَسْعَى إلَى حُلمِ


عندما حَارَ قيس (السُنّي) المتزوّج من ليلى (الشيعية) في أن يجد لنفسه مكاناً آمناً في العراق اضطره الحال كغيره من الملايين الثلاثة التي تركت أرض العراق منذ الغزو الأميركي في أبريل/ نيسان 2003 للهجرة إلى إحدى دول الجوار، فلا المناطق الشيعية تقبّلته بسبب (سُنّيته) ولا المناطق السُنّية رضت عنه بسبب مذهب زوجته (الشيعية)، وعلى رغم أن ثلث الزيجات في العراق هي زيجات مختلطة مذهبياً (سُنّي / شيعي) وخصوصاً بين العشائر العراقية (شمّر والزبيد وخشّاب، وآل مصدّك، والصليحات والهصاصرة .. إلخ) فإن الأوضاع بدت بالنسبة إلى قيس وليلى وكأنها جحيم لا يُطاق ومحرقة ستُكّلفهما حياتهما مع زيادة اختيار طريقة القتل الهمجي، هذه الحادثة التي ذكرتها مجلّة (لاجئون) التي تصدرها المفوضية العليا لللاجئين بالأمم المتحدة قد أشاحت عن جزء آخر من مأساة العراق اليومية التي كلما رصد الإعلام من فيضها غيض ظنّ المتابعون بأنها نهاية المأساة ليكتشفوا لاحقاً بأنها فقط واحدة من آلاف المآسي التي يعيشها الشعب العراقي الجريح الذي أنست مآسيه ما حلّ على أرض الجزائر طيلة عقد التسعينات، وبات المشهد عادياً في أية منطقة في العراق في أن تجد إمرأة تشقّ جيبها على ابنها ذي السبعة أعوام وهو مُسجّى على حمّالة القتلى وبجوارها جثث أخرى بعضها بلا ملامح بسبب التعفّن أو التشويه المتعمّد كلها تعود لضحايا هم في مقتبل العمر، أو أن تجد طوابير طويلة من الناس تنتظر دورها أمام مشرحة بغداد للتعرف على ذويهم المفقودين منذ سنة أو شهر أو حتى ساعات، وقد كشفت التقارير الأخيرة عن ارتفاع مهول في عدد الجثث المجهولة في العاصمة بغداد أو في ضواحيها والتي يتم العثور عليها وهي مصابة بطلق ناري في الصدغ وعليها آثار تعذيب بالحرق أو الكي أو فقأ العينين أو بأماكن حسّاسة من الجسم، فقد ارتفعت نسبة العثور على تلك الجثث المجهولة خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي إلى 41 في المئة بحسب تقرير للواشنطن بوست كأحد مظاهر العنف الطائفي المقيت الذي بدأ ينخر في الكيان الاجتماعي العراقي. ومن مظاهر البؤس المماثلة فإنك تجد أطفالاً ونساءً يبحثون عن بقايا طعام في مكان للنفايات والقمامة أو يتسكّعون أمام إشارات المرور للتحايل على السيارات المارة، يحدث هذا في بلد يتربّص به الطامعون لنفطه وخيراته التي لا تحصى، في حين أن الإنفاق العسكري على الجيش العراقي الذي يُراد لأفراده أن يتجاوزوا الربع مليون منتسب قد وصل إلى تسعة عشر مليار دولار لا يعلم أحد كيف صُرفت وأين أنفقت، بل إن مسئولين أميركيين لا يملكون رؤية واضحة عن مصير أفراد هذا الجيش الذين تمّ تدريبهم بهذه الأموال وهل أنهم انتظموا بالعمل داخل الجماعات المسلحة والميليشيات الطائفية أم أنهم امتهنوا حرفة بيع السلاح الرائجة هذه الأيام في العراق، بل إن عضو الكونغرس الأميركي الجمهوري مارتين ميهان قد صرّح علناً بأنه كعضو نيابي لا يعرف أين وكيف صرفت المليارات التسعة عشر !


قبل أقل من شهرين صادفت أحد الأخوة العراقيين الذي أفصح لي بأنه لا يجد أي شيء في محيطه يُذكّره بشيء سوى الموت، فهو يترك عائلته في الصباح ولا يدري هل يُقدّر له أن يعود لها أم لا، وإن قُدّر له ذلك فهو لا يعلم هل سيُقدّر لعائلته تنجو من استباحة الجماعات المسلّحة أو قوات الاحتلال، أو على أقل تقدير ما سيواجهه هو وعائلته من تهجير طائفي قسري هو الآن في تصاعد مخيف في كل عموم العراق، فالفلوجة التي كانت منطقة مختلطة ما بين الشيعة والسُنّة أصبحت منطقة (سُنّية) خالصة، والحلّة التي كانت منطقة مختلطة أصبحت (شيعية) خالصة، وسُنّة النجف يهربون إلى الغرب، وشيعة اللطيفية يُهجّرون إلى كربلاء، ومن هم في الضلوعية والمحمودية من الشيعة أما أنهم قتلوا أو أنهم هُجّروا إلى محافظات الجنوب وبعض مناطق الوسط، ومن هم في السماوة أو الناصرية من السُنّة فكان نصيبهم القتل أو التهجير أيضاً، وقبل أيام فقط تعرضت بعض مناطق العاصمة بغداد التي تسكن فيها أقلية شيعية إلى تهجير للعوائل فيها، وفي المقابل قامت عناصر من ميليشيات إجرامية بتهجير ست عوائل سُنيّة من دار السلام في البياع وغيرها الكثير الكثير في المدن والقرى بل وفي الأحياء والأزقّة .


إن الحقيقة المُرّة التي يجب أن يعلمها الجميع ويُقرّ بها هي أن من يحكم العراق اليوم ومن يتحالف مع المحتل ليس طوائفه أو إحداها أو حتى بالتحاصص الطائفي إن رَغِبَ البعض، وإنما هي أحزاب لها صفة مذهبية، وبالتالي فإن الذنب كل الذنب لا يتحمله السُنة ولا الشيعة ولا الأكراد ولا التركمان وغيرها من الطوائف، وإنما تتحمّله هذه الأحزاب والقوى التي جاءت بادعاء التمثيل لهذا الكيان أو ذاك من دون وجه حق، ومن يراقب الحوادث جيداً يرى أن هذه الأحزاب التي تعتاش داخل المنطقة الخضراء أو في الخارج تدير علاقاتها وشئونها من خلال الوسطاء، بل إن جلّ أعمالها لا تخرج عن هذه المنطقة المحصّنة خوفاً على حياة أفرادها، ويبقى العراقيون البسطاء هم وقود العنف والقتل .

التعليقات (1)

  1. avatar
    حسن

    هذا هو نهج الديمقراطية الذي بشرّنا به بوش الإبن .. اليوم في العراق هناك إقتتال طائفي مركزه الرئيس هو الاحتلال والمتعاونين معه .. الله يحفظ أهل العراق إن شاء الله ..

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع