عتمة كاملة على خشبة المسرح في النادي الأهلي، تبعها صوت صاخب للموسيقى ولعل ذلك الصوت أرعب بعض الحاضرين ولامحالة أنه أرعب الأطفال الصغار وأخافهم، وفي الأثناء تتحرك سيوف في تلك الظلمة تلوح بالقتل وسفك الدم، تتمايل يمينا وشمالا وكأنها مشتاقة للذبح، تمثل تلك السيوف يزيد وجيشه الظالم، ولكن في الجانب الآخر تتحرك أعلام بيضاء وتتمايل في لفتة واضحة للسلام والطمأنينة، تواجه سيوف الظلم، وتلك كانت أعلام جيش الحسين (ع).
تلك كانت المقدمة لمسرحية " الملحمة الخالدة " من تأليف الأستاذ جابر الشعلة، وإخراج الأستاذ حسين الحليبي الذي كان يحلم في يوم من الأيام أن يفعل شيئا لعاشوراء الحسين (ع) وما إن وجد الفرصة سانحة حتى بادر مبادرة طيبة وتفاعل تفاعلا كبيرا مع هذه المسرحية الناجحة، أما الأستاذ جابر الشعلة فقد كان عليه نذر أن يكتب مسرحية حول الحسين (ع) وحول عاشوراء فكانت تلك المسرحية التي أدى بها نذره.
بعد تلك العتمة الشديدة والظلمة الحالكة تفتح الأنوار على المسرح وتسلط الأضواء على واقعة الطف من جديد.
كأن تلك المسرحية تريد أن تقول بأن كربلاء لم تنته، وأن الدماء مازالت تنزف من الحسين وأن سيوف الظلم ماتزال ملوحة للقتل وسفك الدماء، فكانت البداية حيث كان يزيد " عليه اللعنة " مع أهم عناصر بلاطه وهما الشمر وابن سعد يتحدثون حول واقعة كربلاء، وكان يزيد يحمل قارورة خمر ويمشي متبخترا ضاحكا قائلا أبياته الشهيرة " ليت أشياخي ببدر شهدوا .. جزع الخزرج من وقع الأسل ..." أما الشمر فلم يكن يظهر منه إلا الشر بذلك الوجه الأشر، ولكن ابن سعد كان يتساءل بينه وبين نفسه، هل يقتل الحسين (ع) فيلقى النار أم يفوز بجوائز يزيد؟! إلى أن غلبت جيوش الشياطين القابعة في نفسه فانتصر ليزيد بعد أن كان يتحدث إلى نفسه فبادره يزيد والشمر بأنه على صواب!
في الجانب الآخر يقف شاب عليه كفن ملطخ بالدماء مصلوب على خشبة يمثل " كربلاء "، فتتحدى كربلاء جبروت يزيد ابن معاوية ومعاونيه وتقف بكل شموخ لتقول لهم بأنها عائدة وأنها لم تمت وأنها لن تموت فيغضب يزيد ومن معه غضبا شديدا من كلام كربلاء.
ويشاهد كربلاء شخص يقف صامتا فترة من الزمن إلى أن يكسر وقت الصمود بعد حين ليطلب من كربلاء اللحاق بركب الحسين (ع) فتقول له كربلاء بأن الواقعة قد انتهت وقد انقضت ولايمكنك الرجوع إلى واقعة الزمن ذاك ولكنك ستعيش كربلاء أخرى في إشارة واضحة إلى مواصلة كربلاء ومواصلة النهج الحسيني الثابت عبر الأزمان والقرون، يجري الحديث طويلا بين " كربلاء " و " الثائر ".
في مقابل كربلاء والثائر توجد حفر لايرى من خلالها أحد ولكن حين يطلب الحسين (ع) النصرة تخرج الأجساد من قبورها، وكأن كربلاء قد عادت من جديد، فنجد علي الأكبر والقاسم والعباس والأصحاب، والواضح في هذا المشهد حركة بني هاشم ومقتلهم ومصرعهم وكذلك حركة الحر التائب إلى ربه حيث يجري بينه وبين نفسه حديث طويل في اختيار الحق أم الباطل! فيختار الحق ويسحق الباطل في نفسه، لتوضح هذه القصة كيف يمكن للإنسان أن يقضي على الشر في داخله ليغلب الخير، كما أننا نجد المقارنة واضحة جدا في اختيار الحر للجنة، أما ابن سعد فإنه قد اختار النار!!
في نهاية المشهد يدخل شخص يمثل الإمام الحسين (ع). يدخل بهيبة ووقار لابسا ثيابا بيضاء وعليه عمامة خضراء وما أن يدخل حتى يضج المكان بالبكاء والنحيب لأن خيال الجميع يتجه إلى كربلاء وكأنها ساعة رحيل الحسين (ع) .. يخاطب الحسين (ع) أصحابه وأهله ويتساءل بصوت حزين " هل من ناصر ينصرنا ؟ " ولكن لاجواب! " هل من معين يعيننا ؟ " ولكن لاجواب!
تتحدث إليه أخته الحوراء زينب "ع" لتجلب له الجواد، أما ابنته سكينة فإنها كانت تطلب منه بعض الأمور التي لايستطيع أن يحققها أبدا في تلك المرحلة فتخاطبها زينب أن لاتزعج أباها فإنه مقبل على بداية الرحيل، فيتجه الحسين (ع) إلى المعركة والشمر يلوح بسيفه اللعين ويتهدد ويتوعد بقتل الحسين (ع) وتقطيعه إربا إربا، وقطع نحره الشريف...
تحين المرحلة الأخيرة من المشهد الرهيب الذي أدمى القلوب قبل العيون، حيث يقوم الشمر اللعين بنحر الحسين (ع) فيضج المكان بالبكاء والنحيب وبعد مقتله يرتفع تمثال الجسد الشريف إلى الفضاء متحركا على المسرح، ولكن أمامه الرأس الشريف مقطوعا وعليه العمامة، وخلفهما مجموعة من الحمامات الوادعة تطير بهدوء وسكينة من الألم.
التعليقات (0)