شارك هذا الموضوع

على طريق الإصلاح الديني

يُحتفل اليوم بإحياء ذكرى وفاة رسول الهدى (ص)، في ختام موسم متميّز بأجواء احتفالية وثقافية وتاريخية تصبغ الحياة والجو العام في البحرين على مدى شهرين.


في بداية موسم هذا العام، نظّمت جمعية «التوعية» مؤتمراً عن قضايا «عاشوراء»، وأعدت توصيات لكنها لم تنشر للجمهور، مع أن طرح هذه القضايا للنقاش العام من شأنه أن يهيئ الأرضية للإصلاح «الديني» على مستوى الشارع، وهو أمرٌ ربما تأخّر طرحه كثيراً.


قبل يومين، أشرت إلى عددٍ من «المصارحات» التي قد تُعتبر جزئيةً، (المجسّمات المسيئة لأهل البيت، إعادة إقحام الموسيقى في الشعائر الدينية، الشعارات التي لا تخدم قضية الإحياء، ونزعة استدرار الدموع حتى في الأعمال الفنية)، وهي قضايا تحتاج إلى نقاشٍ مفتوح، يشارك فيه كل المعنيين (علماء، خطباء، مثقفين، ناشطين...)، على أن يهتم الجميع بالبحث عن كل ما يخدم «قضية الحسين»، بما تمثّله من نقطة استقطاب في وجدان الفرد المسلم.


وأعتقد بأن الكثير من هذه الأمور يمكن تداركها، بل حتى مناقشة القضايا الأكثر تعقيداً مثل «التطبير» الذي أثار الكثير من الخلاف في السنوات الأخيرة، بشرط الابتعاد عن الروح الحزبية وترجيح المصلحة العليا. فالواقع اختلف اليوم عمّا كان قبل أربعين عاماً. المأتم لم يعد تكيةً صغيرةً مغلقةً لا يدخلها إلاّ المعزّون، وإنّما أصبحت هناك فضائياتٌ متخصّصةٌ تبثّ المجالس الحسينية، فأي خطأ أو شططٍ شخصيٍّ من أيّ معمّم، ستعمّ تبعاته على الملايين.


قبل ثلاثين عاماً، عندما نشرت صحيفةٌ كويتيةٌ مقالاً مليئاً بالشتائم ضد طائفةٍ من المسلمين، لم يجد الخطيب ما يردّ به على سفاهتها إلاّ أن رفع نسخةً من الصحيفة وقرأ فــقراتٍ من المقال، ثم مزّقها ورمى بها من فوق المنبر، وصاح: «ليس لدينا إعلامٌ إلاّ هذا المنبر». أما اليوم فأصبح لديه هو نفسه قناةٌ فضائيةٌ.


الظروف تغيّرت، والعالم كله تغيّر بفعل الفضائيات وشبكة الانترنت. هذا العالم المدهش بإمكاناته التقنية الكبرى، يطرح إشكالاتٍ لا يمكن التهرّب من الإجابة عليها، ولم يعد بالإمكان أن نغمض أعيننا بدعوى أن كل ما يجري من ممارساتٍ هي مقدّسةٌ لا يمكن مراجعتها أو تصحيحها أو انتقادها لأننا ورثناها من آبائنا وأجدادنا. العصر يطرح أسئلةً كبرى، والهرب إلى الأمام لن يفيد في حماية الجيل الجديد الذي يتعرّض لموجات التغريب الكاسحة بما يهدّد هويته الدينية والوطنية.


في قضية «التطبير» تحديداً، لا يمكنك أن تقنع العالَمَ بنشر كتابٍ يستعرض أقوالاً فقهيةً مؤيّدة، فأنت أمام رسالةٍ إعلاميةٍ كاسحة: ايميل واحد يصل إليك يضم صوراً متسلسلة، زرافة وغزالة وناقة... كلٌ منها ترضع فصيلها في حنان وشفقة، ثم صورةٌ لشخصٍ يضرب رأس طفله بالسيف، مع تعليقٍ بسيط: «كل الحيوانات تحنّ على أطفالها إلاّ هذه الطائفة»، وحتماً لن يسأل عقل المتلقي عن دين هؤلاء، وإنما سيسأل: «هؤلاء بشرٌ أم وحوشٌ»؟


لا أشكّ في أن كثيراً من المتحمّسين لهذه الممارسة يملأ قلوبهم حبّ الحسين، فيختارون الدم للتعبير عن هذا العشق العظيم، وواضحٌ أن المسألة مختلفٌ عليها فقهياً، ولا نريد الدخول في نقاشاتٍ لا تنتهي، فالقضية أكبر من أقوالٍ فقهيةٍ منتفاةٍ من كتبٍ هنا أو هناك، إنما هي تعكس أزمةً وجوديةً كبرى: «المعرفة بالعصر»، فالـ «العارف بزمانه لا تهجم عليه النوائب».


الظروف تغيّرت، والعالم كله تغيّر، ويجب أن تغادر هذه الطائفة عقدة المظلومية والاضطهاد التي عاشت فيها قروناً على أيدي الجبابرة والظالمين، في عصرٍ كثرت فيه الالتباسات والإشكالات والهموم، و ما أحوجنا إلى أن نعيش في هذا العصر بأرواحنا وعقولنا، فـ«المؤمن العارف بأهل زمانه لا تهجم عليه اللوابس» كما قال الإمام الرضا (ع)... ومأجورين.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع