شارك هذا الموضوع

إيران بين حرب الملح الأخضر والدبلوماسية القاسية

إيران بين حرب الملح الأخضر والدبلوماسية القاسية

منذ صدور القرار 1737 في الثالث والعشرين من شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي وتضمينه مهلة سياسية لإيران حُدِّدَت بستين يوماً انتهت في العشرين من الشهر الجاري تكون جولة التقابل بكسر العظم بين طهران والمجموعة 5 + 1 قد انتهت فعلياً لتبدأ مرحلة جديدة لكنها حاسمة قد تكون أقل من عقوبات تحت الفصل السابع وأعلى من دبلوماسية قاسية .

هذه المرحلة قد تتدشّن باجتماع اليوم (الاثنين) لمندوبي الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) بالإضافة إلى روسيا والصين والولايات المتحدة في العاصمة البريطانية (لندن) على مستوى مديري الشئون السياسية في وزارات الخارجية لمناقشة الملف النووي الإيراني وتداعيات تقرير مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي والذي خَلُصَ فيه إلى عدم تعليق طهران لعمليات تخصيب اليورانيوم، على رغم أنه أشار أيضاً إلى عدم وجود أي انحراف (آخر) في نشاطات إيران النووية .

الفترة التي ستلي اجتماع اليوم ولغاية صدور قرار جديد ستكون حبلى بأمور كثيرة قد تكون وليدة ظروف شرق أوسطية طارئة تأتي من العراق أو لبنان أو فلسطين، وخصوصاً أن المنطقة باتت أكثر تهيؤاً من أي وقت آخر لانفتاق أزماتها المتوارثة والممتدة أفقياً، بل إن دراسة «التأثير العراقي» لبول كروكشانك وبيتر بيرغن أشارت إلى أن الهجمات «الإرهابية» في العالم زادت بنسبة 607 في المئة بعد احتلال العراق، في حين ارتفعت نسبة ضحايا هذه العمليات بنسبة 265 في المئة، وأن العمليات في العراق مسئولة عن نصف هذه الزيادات، وإذا ما عُرف حجم الصراع ما بين واشنطن وطهران داخل الملف العراقي ستظهر بجلاء طبيعة تلك الأزمات والقدرة على توظيفها والإمساك بها. بعد تقرير البرادعي الأخير بدأت مواقف الدول الكبرى في التشكّل الأوّلي على هيئة فسيفساء غير منتظمة كما كان حالها قُبيل صدور القرار 1737، فقد قال ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي إن على الولايات المتحدة مواصلة بذل كل ما يمكن للحؤول دون بلوغ إيران أهدافها النووية، أما ألمانيا فأكّدت أنه من الضروري متابعة المشاورات، في حين امتنع البلد «شبه» الحليف لإيران وهو الصين عن الإدلاء بأي تعليق، أما فيتالي تشوركين سفير موسكو لدى الأمم المتحدة فقد قال إن الهدف ليس صدور قرار أو فرض عقوبات ولكن الهدف هو تحقيق نتيجة سياسية لهذه المشكلة، في حين قال الناطق المساعد باسم الخارجية الفرنسية دوني سيمونو إن باريس ترى أن لا بد من تعميق العقوبات المطبّقة على إيران، أما الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون فقد قال إن الوقت حان للعودة إلى طاولة المفاوضات واستئناف الحوار، في حين قال محمد البرادعي إنه لا يزال يأمل بمخرج تفاوضي للأزمة.

إيران بدورها تدرك بأن خيارها السابق في التعويل على الانقسام الدولي وشراء الوقت لن يكون ذا جدوى إلاّ من خلال تسخين وتحيين حضورها الدولي والإقليمي، ولكي لا تُباع في بازار المصالح الكبرى كما باعت فرنسا سورية إلى الولايات المتحدة الأميركية في الملف اللبناني فيجب عليها العض بالنواجذ على ما لديها من ملفات هي في الأساس في حال تقابل حاد ومباشر مع مصالح أميركية وفرنسية في المنطقة . في الجانب الآخر فإن إيران ومن أجل الإجابة على الإشكالات التي أثارها تقرير البرادعي الأخير بشأن عمليات مصنع تخصيب الوقود التجريبي وتجهيزه بشلالات صغيرة وعمل مصنع إنتاج المياه الثقيلة وبحوث تحويل يورانيوم دايوكسايد إلى مادة الملح الأخضر UF4 فقد تلجأ إلى قانون الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتسوية تلك الملفات في غضون ثلاثة أسابيع، وفي ذلك قد تشتري مزيداً من الوقت يُتيح لها إبراز مساعيها الحثيثة «بإيجابية» لتسوية مرضية بين الفرقاء اللبنانيين مع السعودية، وإن استطاعت بشكل دراماتيكي في تحقيق تقدم حقيقي فقد يكون مدخلاً لتجميد الكثير من الخطوات التي تسعى الولايات المتحدة اتخاذها وأهمها انتزاع قرار جديد مُطوّر يفوق تأثيره القرار 1737 يتضمن منع القروض والائتمانات المدعومة من الحكومات وتوسيع القائمة التي تشمل المواد التي يحظر على إيران التعامل فيها بالبيع أو الشراء، وقد يكون هذا الحديث متّسقاً مع ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في برلين يوم الخميس الماضي لمحطة «سي إن إن» من أن الولايات المتحدة لا ترغب في مواجهة مع إيران مقترحة بدء مفاوضات معها في أي مكان وزمان، وأن واشنطن نسّقت في السابق مع طهران خلال الحرب مع أفغانستان في العام 2001.

في المقابل يمكن لطهران القبول بتسوية عاجلة ومباشرة بشأن بعض الإشكالات التي أثارها تقرير البرادعي قد لا تُشكّل خطراً مباشراً على برامجها النووية وسريتها كالسماح بمقابلة الرئيس السابق لمركز الأبحاث الفيزيائية والموافقة على المفتشين العشرة الجدد والمفتشين الثمانية والثلاثين الذين عُيّنوا لمراقبة الملف النووي الإيراني بعد توقيع طهران على البرتوكول الإضافي في يناير/ كانون الثاني من العام 2004 وبرامج المراقبة عن بعد. المعلومات الواردة تفيد بأن الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني سيكون في فيينا خلال هذا الأسبوع، وإذا ما تقرر لهذه الزيارة أن تأتي بجديد فإنها ستتضمن أحد أمرين: الأول هو أن تقوم طهران بتقديم تنازلات بالحد الأدنى كما ذكرنا بهدف إزالة الحرج عن بعض الحلفاء لها في مجلس الأمن، أو أنها ستواصل تقديم عروض علاقات عامة واستمهالية لتمييع أي إجراءات راديكالية قد تُتخذ ضدها .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع