شارك هذا الموضوع

في المعركة لا تستطِيع أن تعِير سيفك

في المعركةِ لا تَستطِيع أن تُعِيرَ سَيفك

من يقبل لنفسه التحدي في مجاراة الحدث الإيراني وملاحقته فإن ذلك يعني أنه سيُضيع احترامه للحوادث الأخرى من دون أن يُدرك، وإذا ما قرّر أن ذلك قد ينسحب على أشياء ستُصبح في خواتيمها مشهداً نهائياً لصورة أوّلية لعبت في جيناتها إرهاصات (إيرانية) بامتياز فإن ذلك يعني أيضاً أن اللاعب في الحوادث هو نفسه المُشكّل لها، وهو نفسه الذي يستطيع (إلى جانب خصمه) أن يضع المقدار الذي يحفظ له موازين الحدث والمساحة التي يشغلها وفقـاً لمصالحه، وإذا ما علمنا أن الإيرانيين قد فتّتوا الفرق القسري بين الموت الذي يحظى بكاميرا تمنحه قيمة مساوية للحياة والآخر الذي لا يُحرَّك من أجله جفناً لموت مليون رواندي فإن ذلك يعني ببساطة الانتقال من مرتكزات (طَرَفِيّة) إلى مرتكزات (مركزية) في الصراع الذي أضحي مُتحرراً من مفاهيم السيادة السياسية والعسكرية القديمة، وبات محكوماً بأدوات أخرى تتعاضد جميعها في تكوين النصر أو الهزيمة أو حتى مفاهيم اللاسلم واللاحرب .

في السابق كان ماو تسي تونغ يقول : عندما ترى أن هناك نقاط تقاطعات مركزية في محاور المفروض بينك وبين العدو آن لك أن تنظر في المرآة وتراجع نفسك، أما الإيرانيون فلربما حوّروا تلك النظرة بشكل أليق وأقرب إلى السائد لديهم عندما قال الإمام الخميني مرة : (إذا رضِيَت عنك أميركا فاتّهم نفسك) وهم وعلى رغم ذلك لم يجعلوا أمرهم رهناً لقوالب لا تحكمها الزمكانية السياسية ((المماثلة للزمكانية الفقهية التي شرّعها الإمام في أسفاره الدينية)) كما الصينيين الذين لم يلتزموا حرفياً بوصف ماو للإمبريالية بأنها »نمر من ورق« ولم يتحرّجوا لاحقاً في تهجين الرأسمالية ومَقيَسَتِها، فلا يهم لون القطّة ما دامت تأكل الفئران.

الحدث الإيراني ليس كأي حدث آخر في المنطقة، بل وأتجرأ لأقول ليس كأي حدث في العالم إذا ما أُخِذَ من جنبة التضامنيات القائمة في صلبه ما بين السماء والأرض والمُشكّلة لبنائه السياسي، بل إن ما يُمايزه عن غيره هو إسرافه في التغيّر اللحظي وتزييت المواقف، الأمر الذي يعني إعادة تشكيل الصورة مرة أخرى وربطها بمُحدّداتها وإطارها وفق المعطيات الجديدة، ولربما يكون الأفيد للتدليل على ما قلت هو الحوادث المتسارعة والمتبدّلة للملف النووي الإيراني الذي أصبح مُملاً للبعض وطلسماً للبعض الآخر، فالموضوع ومنذ استعار الأزمة فيه مطلع العام 2002 وكأنه لا يُراد له أن ينتهي بأي صورة من الصور، فمرة تصل الأمور إلى نهايتها حتي يقال هلك في أي واد سلك، ومرة تهيج الحوادث بغير استقرار وكأن ساعة الحسم قد أتت، ثم تعود مسطرة حوادثه إلى المُربّع الأول وكأن شيئاً لم يكن، ليبقى السؤال القديم الجديد: كيف ستكون الخاتمة ؟!

قبل أيام وفي مدينة سنندج مركز محافظة كردستان تحدّث الرئيس محمود أحمدي نجاد بلغة كُردية مُتقنة أمام عشرات الآلاف من الإيرانيين وقال: إن بلاده لم يبق أمامها إلاّ خطوة واحدة للوصول إلى القمّة النووية وهو تصريح ربما يُعادل في قيمته السياسية ما أعلنه نجاد في شهر أبريل/ نيسان الماضي من أن إيران نجحت في تخصيب اليورانيوم إلى المستوى الذي يُؤهلها لإنتاج الوقود النووي، وبالتالي دخولها هذا النادي كثامن دولة في العالم. التصريح الأخير جاء متزامناً مع ما قدّمه البرادعي مساء الثلثاء إلى مجلس الأمن الدولي ومجلس حكام الوكالة الدولية من تقرير عن أحدث المستجدات الخاصة بالملف النووي الإيراني، وعلى رغم أن المسئولين الإيرانيين قالوا إن هذا التقرير لا يختلف عن التقارير السابقة من حيث أنه يتّبع سياسات الوكالة الدولية بشأن رفع التقارير إلى مجلس الحكام وهي بمثابة حصة الأميركان منه، إلاّ أنهم أيضاً أبدو ارتياحهم من وصفه بأن جميع النشاطات النووية التي أعلنتها إيران تم اختبارها وفحصها من قِبَل الوكالة .

باختصار شديد، فإن الموضوع في مُجمله يُفيد بأن الفرقاء لم يتوصّلوا بعد إلى نظام مصالح مُتوافق عليه، فلا الموقف الأوروبي مقبول لدى الأميركان ولا الأوروبيون أنفسهم متوافقون على صيغة استراتيجية فيما بينهم، فضلاً عن الموقفين الروسي والصيني كطرف مقابل، بل وحتى العقوبات التي من المُفترض أن تُطبّق على إيران والمتأسسة أصلاً على القرار رقم 1696 لم تعد لها صيغة مُحددة، فهي ما بين عقوبات اقتصادية وتجارية في المجالات المتصلة بالتكنولوجيا النووية والصواريخ الباليستية، وأخرى فردية كمنع السفر وتجميد أرصدة في الخارج للإيرانيين المشتركين في الأنشطة النووية المدنية، وما بين اعتبار روسيا والصين ذلك التوصيف بالمتشدد جداً، ثم إعلان المنسق الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا قبل أقل من أسبوع عن رغبة الاتحاد في مواصلة الحوار مع طهران بشأن ملفها النووي، الأمر الذي يعني فرملة الحوادث والمواقف من جديد مرة أخرى .

موضوع العقوبات باعتقادي قد يُفرض في الوقت الذي تتهيأ فيه الظروف المناسبة بالنسبة إلى أوروبا واليابان، أو أنه سيبور بعد حسم نقل الغاز الإيراني إلى النمسا عبر تركيا أو بقاء اعتماد شمال وغرب أوروبا بنسبة 75 في المئة على النفط الإيراني أيضاً، لكن الحديث الأهم والذي يبقى على مدار الخطر هو التفكير في ضربة عسكرية تُشَن على الجمهورية الإسلامية لاستهداف 1500 هدف كما حدّدها البنتاغون، وهي الخطوة التي لن يستقيم لها أمر إلاّ بتوافر ظروف إقليمية ودولية تُساعد على ذلك، وبحسب ما هو منظور اليوم فإن الأوضاع مازالت تتحسّن إلى الأسوأ بالنسبة إلى الأميركيين والبريطانيين وحتى للصهاينة، فالحربان اللتان تشنّهما الولايات المتحدة على الحدود الشرقية والغربية لإيران (أفغانستان والعراق) لم تصل بعد إلى مرحلة الحسم، كما أن فوز الديمقراطيين في الولايات المتحدة قد أجهض أية محاولة لبرمجة عسكرية أميركية جديدة تستهدف طهران التي أعلنت غير مرّة أنها ستقوم بإجراءات ستُصيب اقتصادات الغرب في مقتل، في إشارة واضحة إلى احتلالها لمضيق هرمز الذي من خلاله يمر أكثر من 40 في المئة من احتياجات العالم من النفط، لكن الأكيد أن السؤال الذي لا يزال حاضراً وبقوة هو : أي الثّمَنَيْن يُمكن ترجيحهما بالنسبة إلى الغرب؟ هل المواجهة مع إيران أم التعايش معها كدولة نووية ؟ وهو عنوان كبير وخطير يُمكن أن يُفرد له مقال خـاص .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع