شارك هذا الموضوع

الرَّئِيسُ فِي آخر حَوْلِيَّاتِه... وَلدَانِ لا يَكفِي

الرَّئِيسُ فِي آخر حَوْلِيَّاتِه... وَلدَانِ لا يَكفِي

[ حادثان رئيسيان حَكَمَا السياسة الداخلية الإيرانية خلال الأسبوعين الماضيين، الحادث الأول هو إعلان الرئيس محمود أحمدي نجاد أن حكومته بدأت في توزيع »أسهم العدالة« على شريحتين اجتماعيتين صُنّفتا على أنهما تندرجان تحت عنوان الفقر، بمبلغ إجمالي تجاوز 2.75 مليار دولار على 4.6 ملايين إيراني، والحادث الثاني هو دعوته الإيرانيين إلى رفع معدلات الإنجاب .

وإذا ما كان الحادث الأول يُشكّل رصيداً نوعياً يُضاف إلى مسيرة الحكومة التاسعة في المجال الاقتصادي وفي ترجمة شعارها بتوزيع »عائدات النفط« على موائد الفقراء، فإن الحادث الثاني وحين يتحول من رغبة مأمولة إلى آلية إجرائية تسعى الحكومة إلى تحقيقه، سيعني خطوة غير مُوفقة يقع فيها التعميريون الساعون إلى تخفيف الضغوط الاقتصادية على المواطن الإيراني، وخصوصاً أن الخطط الخمسية الأربع الموضوعة منذ العام 1989 قد تمّ تكييفها وإنتاجها وفق المعادلات التي أعقبت الحرب في مختلف المجالات ومن بينها السعي إلى ضبط حركة النمو السكاني، الأمر الذي يعني أن الكثير من الأمور التفصيلية سيطالها تشريع جديد .

التصريح وعلى رغم أنه جاء في سياق خطاب الممانعة الذي اعتاد اتباعه الرئيس أحمدي نجاد والمُناكف في معظمه لسياسة الغرب تجاه إيران والمنطقة، فإن مُحدّدات المشروع الأوليّة قد صيغت عندما أعلن الرئيس أن حكومته ستعمل على خفض ساعات العمل للنساء لإتاحة المجال أمامهن لقضاء مزيد من الوقت مع عائلاتهن، معللاً دعوته تلك بأن بلاده لديها إمكانات لاحتضان 120 مليون إيراني.
في السابق وعندما انتصر الإمام الخميني في حركته السياسية في نهاية سبعينات القرن الماضي، كانت أعداد الإيرانيين تُراهق الـ 33 مليون نسمة، ولأن النظام السياسي الجديد كانت مُتأسساً سوسيولوجياً على مفاهيم دينية فقد تسامح مع المسألة السكانية بشكل كبير، فكان ذلك كافياً لأن يتذارر الإيرانيون بشكل غير مُنظّم مع وجود عوامل اقتصادية واجتماعية داعمة أبرزها ظروف الحرب العراقية ـ الإيرانية التي ولّدت مفهوماً خاصاً لدى »الإيراني« يتعلق بضرورة الحفاظ على العنصر الذكوري لإسناد مدماك الصراع المحتدم مع العدو، إضافة إلى ما كان يُعانيه الشعب الإيراني من ظروف ثقافية وتعليمية مُهلكة (16.5 مليونا لا يعرفون القراءة والكتابة عندما انتصرت الثورة). وبما أن الدراسات الحديثة تُشير إلى أن المرأة (الأميّة) تنجب أطفالاً يتراوح عددهم بين ثمانية أطفال وتسعة، في مقابل المرأة (المتعلّمة) التي يتراوح إنجابها بين ثلاثة وأربعة، فلك أن تتخيل الحال الإيرانية ضمن هذه المعادلة قبل انتصار الثورة .

بعد مُضي أقل من سنتين على عمل الحكومة الرابعة التي ترأسها مير حسين الموسوي وتحديدا في العام 1986 تفاجأ الساسة الإيرانيون بأن بلادهم تحقق نمواً سُكّانياً بنسبة 3.7 في المئة في السنة، وهو أعلى معدل لزيادة عدد السكان في العالم، وكان ذلك جديراً بأن تُواجه إيران مشكلات قد تُغرقها في وحل اقتصادي قاتل، فعمل النظام على إقرار برامج تخطيط أسري صارمة، أفضت إلى أن ينخفض عدد الولادات إلى النصف خلال السنوات العشر الماضية، أي من 2.26 إلى 1.19 مليون، من دون أن يُؤدي ذلك إلى حدوث خلل في البنية الأساسية والطبقية للمجتمع، وخصوصاً أن نصف الشعب الإيراني هم ضمن تصنيف الفُتوّة أو تحديدا تحت سن الخامسة عشرة. وفي قبال ذلك بالتوازي، كانت آلة التثقيف والتوعية تعمل على قدم وساق وفُرضت خلالها شروط مختلفة لإتمام صيغ عقد النكاح، فلا يُمكن لأي شاب أو شابة الارتباط من دون حضور ورشة عمل تثقيفية تستمر لست وثلاثين ساعة لتعلّم تقنيات التخطيط الأسرى، الأمر الذي أفضى إلى قناعات فردية وجماعية في الداخل بدأت في تلقّي تلك البرامج والسياسات بشكل مرن. وقد نجحت تلك الإجراءات في أن تقوم ثلاثة أرباع النساء المتزوجات في إيران باستخدام موانع للحمل، بل أصبحت تلك الموانع في الأرياف تُوازي استخداماتها في المدن !

قبل عامين من انتهاء العقد التسعيني انخفض معدل السكّان في الجمهورية الإسلامية إلى 2.7 بعد أن كان 6.7 وأخيراً وتحديدا في العام 2002 إلى 1.5 في المئة، ما يعني أن أقل من 25 في المئة من الشعب الإيراني سيكون عمره ضمن سن الخامسة عشرة بعد عقد تقريباً، وهو تطور نوعي في مجال نتائج إجراءات الدول في التعامل مع القضايا السكانية. بل إن الأمم المتحدة وضعت إيران في مصاف الدول المتقدمة في مجال التعامل مع القضية السكانية والحد من النسل غير المنتظّم، وباتت تتحدث اليوم عن أن النمو السكاني في إيران لا يزيد إلا بفارق طفيف على معدل الزيادة في الولايات المتحدة التي تُعتبر أغنى دولة في العالم والأكثر تقدما ً!

في سياق ذلك، لعبت أمور غير مرئية دورها أيضاً في مسألة الحد من النّسل خلقتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، أهمها الهجرة العفوية لسُكّان الأرياف نحو المدن أو التموضع في أطرافها، الأمر الذي أفضى إلى إيجاد مجتمع صناعي وظهور طبقة وسطى متنامية، ثم ولادة منظومة قيم متمازجة بين الديني والقومي، وبدأ الحديث يدور حول 1801 مطبوعة في إيران، وسبعة ملايين نسخة من الصحف تُوزّع في الداخل يومياً، وأربعين شبكة تلفزيونية، وثلاث مئة دار للسينما، وطباعة أكثر من 153.753 مليون مُجلّد سنوياً وبلوغ نسبة التعليم خمسة وثمانين في المئة.

لقد استطاع الحكم في إيران إدراك أن الخدمات الاجتماعية وتحسين الظروف المعيشية لمواطنيه عن طريق توفير فُرص العمل والتعليم والخدمات الصحية والمسكن واستصلاح الأراضي والتنمية المحلية والتأمين والاهتمام بالقطاعات المختلفة للمجتمع هي من أساسيات التنمية، وبالتالي فهي أمور لا يُمكن تحقيقها في ظل انفجار سكاني، وعدم وجود تخطيط وطني يُعالج مثل هذا الملف الشائك. وبما أن الإيرانيين قطعوا شوطاً مهماً في ذلك المجال فإن الكثير من النتائج قد ظهرت كانعكاس إيجابي على ذلك، فانخفض معدل الوفيات إلى 0.23 في المئة، وازدادت نسبة العمالة النسائية، وارتفع متوسط العمر من 60.12 إلى 66.84 مع انخفاض في المعدل الإجمالي للوفاة (كل مئة ألف نسمة) من 11.36 إلى 5.36، وفي معدل وفيات الأطفال بين 1000 طفل من 91.6 إلى 35.6. وفي الجانب الاقتصادي انخفض مؤشّر الفقر HPI من 31 إلى 18.6.

لذلك فإن الدعوة التي أطلقها الرئيس أحمدي نجاد فيما يتعلق بالمسألة السكانية تفتقر (على الأقل إلى الآن) للأفق العلمي وللمُبررات العملية، وإذا ما كان الأمر فقط اجتراراً لحملة قومية للدفاع عن البلد انطلاقاً من ملفاته الساخنة، فلا يصح عندها المُضي في استحلاب الموضوع إلى الحد الذي يُفهم منه وجود برمجة سُكانية جديدة للجمهورية الإسلامية

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع