شارك هذا الموضوع

الحركة الوطنية الأولى: 1938


كانت البحرين قبل إزاحة عيسى بن علي في العام 1923، تحكم بصورة اقطاعية مباشرة، إذ يسيطر كل شيخ من آل خليفة على منطقة يتصرف بها كيفما شاء. وكان لكل شيخ مجموعة من البدو يطلق عليهم "الفداوية" وكانوا يستخدمون لفرض ما يريده الشيخ. غير أن تغيير عيسى بن علي في العام 1923، وتنصيب ابنه حمد بن عيسى فتح الباب لتحديث الإدارة. وهكذا عينت بريطانيا تشارلز بليجريف في 1926، لتأسيس إدارة حديثة في البحرين. قبل ذلك كانت البحرين قد شهدت تطورات متواضعة باتجاه التحديث أهمها بدء الدراسة الحديثة وتأسيس بلدية المنامة في العام 1919. إلا أن التحديث الإداري لم يبدأ بصورة جدية إلا بعد مجيء تشارلز بليجريف في 1926. في ذلك العام تم الشروع في تشكيل عدة مجالس ودوائر، مثل مجلس التجارة ومجلس شؤون الغوص، ومجلس الزراعة ومجلس الأوقاف السنية والشيعية والشرطة والجمارك والهجرة والطابع والمحاكم (انظر إبراهيم خلف العبيدي 1976).


الكلمة الفصل في كل هذه الدوائر كانت للمستشار البريطاني تشارلز بليجريف، أما البحرينيون فلم يسمح سوى تسيير الأعمال الروتينية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإدارة لم تكن تخضع لمحاسبة شعبية. والأسوأ من ذلك أنه لم يكن هناك قانون مكتوب تسير عليه الأمور.


ربما كانت أفضل الإدارات (في هذه الفترة) هي المجلس البلدي، الذي أصبح في العام 1926، يتكون من عشرين شخصا، عشرة منهم يعينهم الحاكم والعشرة الآخرون تم انتخابهم من قبل أهالي المنامة.


في العام 1932، اكتشف النفط في البحرين، وبدأ الاقتصاد يتغير مع تكون الطبقة العاملة. وفي العام 1935، نقلت بريطانيا قاعدتها العسكرية من إيران (بوشهر) إلى قاعدة الجفير بالبحرين. وبعد ذلك بفترة أنشأت قاعدة المحرق الجوية. وإذا لاحظنا انتشار التعليم الحديث مع دخول الإدارة الحديثة في البلاد وظهور الطبقة العاملة واستحواذ المستشار البريطاني بالقرار السياسي وسيطرة البريطانيين على شؤون البحرين، والظلم الداخلي الذي استمر على أيد العديد من أفراد العائلة الحاكمة، نستطيع فهم العوامل التي دفعت لظهور حركة وطنية جديدة في البحرين. هذه الحركة كانت ذات دوافع وطنية واشترك فيها أبناء البحرين من الشيعة والسنة.


في النصف الثاني من الثلاثينات، بدأت النوادي في الظهور وأصبحت مركزا للنشاطات الثقافية والاجتماعية. وكان لدخول البحرين عهد النفط وانتشار اللؤلو الصناعي الياباني أثرا كبيرا، إذ أدى ذلك لاهتزاز موقع تجارة اللؤلؤ وظهور صناعة النفط كبديل رئيسي للثروة الوطنية. وكانت الطبقة المتعلمة والتجار يرون أن الثروة النفطية أصبحت بيد العائلة الحاكمة التي استحوذت، وبصورة رسمية، على ثلث مدخول النفط للحاكم. ولم تكن هناك وسيلة دستورية لمناقشة السياسات المختلفة التي بدأت بالتأثير على المجتمع البحريني. إضافة لذلك، فإن الصحافة العربية (خارج البحرين)، بدأت تتحدث عن الدور العسكري البريطاني المنطلق من البحرين.


وفي هذه الفترة (سبتمبر 1938)، سافر الشيخ حمد بن عيسى إلى كشمير للعلاج وخلف ابنه سلمان وليا للعهد. وكان السيد يوسف فخرو يجوب المناطق لتحبيب الشيخ سلمان (في مقابل عمه عبدالله بن عيسى الذي كان لازال يطمح في الوصول للحكم) للمواطنين. وقد سعى الشيخ سلمان للتقرب من الشيعة، مما حدا بعدد من شخصيات البحارنة (سيد سعيد السيد خلف، والسيد أحمد العلوي، ومحمد علي التاجر، ومحسن التاجر والحاج أحمد بن خميس)، للتعاضد مع اخوانهم السنة والتقدم بمطالب اصلاحية وهي تكون مجلس تشريعي منتخب، وإصلاح الشرطة والمحاكم وغيرها، بالإضافة لمطالبتهم بتعيين الشيخ سلمان وليا للعهد بصورة رسمية.


وهكذا ظهرت أول حركة وطنية في 1938، تطالب بإصلاحات سياسية لإصلاح الخلل الذي اكتنف الإصلاحات الإدارية. فقد رأى المواطنون بأن الإصلاحات الإدارية دون مواكبتها بإصلاحات سياسية لا يحقق التحديث الحقيقي للبلاد. وقد تصدرت شخصيات وطنية سنية (علي بن خليفة الفاضل ومحمد الفاضل وخليل المؤيد، يوسف كانو وعبد الرحمن الزياني، وسعد الشملان، وأحمد الشيراوي) وشخصيات وطنية شيعية (محسن التاجر، محمد علي التاجر، السيد سعيد بن السيد خلف، عبد علي العليوات، منصور العريض، السيد أحمد العلوي، والشيخ عبد الله بن محمد صالح، حاجي احمد بن خميس)، وطالب هؤلاء بتكوين هيئة تشريعية منتخبة (برلمان) واصلاح جهاز الشرطة والمحاكم، وإعطاء المواطنين الأولوية في التوظيف وتحسين الرواتب، وإنشاء نقابة عمالية.


في 5 نوفمبر 1938، علمت الحكومة (برئاسة المستشار البريطاني)، بعزم عمال شركة النفط (بابكو) على الإضراب، وسارعت لاعتقال كل من سعد الشملان وأحمد الشيراوي وعلي بن خليفة الفاضل (بعد اسبوع من اعتقال الشملان والشيراوي). وما أن تأكد خبر الاعتقال حتى تجمع حشد كبير من العمال بالاشتراك مع الطلبة في مساجد المنامة وخرجوا في مظاهرات عارمة أدت إلى تعطيل السوق وإغلاق المحلات التجارية. أمر تشارلز بليجريف الشرطة بقمع المظاهرات وأصدرت شركة بابكو إنذارا للعمال بأن يرجعوا إلى العمل في موعد أقصاه 9 نوفمبر، بعدها يعتبر مفصولا من لا يحضر في اليوم المحدد. أدى هذا القرار الظالم إلى تسريح أعدادا كبيرة من العمال واعتقال ثمانية عشر مواطنا بتهمة التحريض على الإضراب. كما أقدمت الحكومة وشركة بابكو على خطوة عقابية باستيراد عمال هنود لاستبدال الذين تم تسريحهم. وقد أدى هذا القمع لإنهاء الإضراب في 10 نوفمبر 1938.


في 21 نوفمبر تشكلت لجنة من خمسة اشخاص (اثنان من السنة وثلاثة من الشيعة) وطرحت نفسها لحل الأزمة بين الحكومة والشعب وقدمت مشروعا للحكومة طالب بما يلي:


1) تعيين لجنة ثمانية لطرح مشروع متكامل لاصلاح التعليم.
2) استبدال القضاة بثلاثة اشخاص اكفاء وتكوين محكمة جنائية كفوءة.
3) تكوين لجنة عمالية لرعاية مصالح وشئون العمال.
4) استبدال العمال الأجانب في البلدية وتوظيف مواطنين مكانهم.
5) تكوين لجنة سداسية مقبولة شعبيا لتمثيل وجهة نظر الشعب لدى الحكومة.


غير ان الحكومة (والأحرى تسميتها بإدارة بليجريف)، حرضت مجموعة من شخصيات "الحد" لكتابة رسالة يتبرأون فيها من الشخصيات السنية التي تحركت مع إخوانهم من الشخصيات الوطنية الشيعية. (انظر مهدي عبدالله التاجر 1987)


بعد ذلك قدم كل من سعد الشملان وأحمد الشيراوي وعلي بن خليفة الفاضل، إلى المحاكمة وصدرت ضدهم أحكام جائرة تتراوح بين شهر واربع سنوات، وبعد فترة تم نفيهم إلى الهند. ويلاحظ هنا أن المستشار البريطاني والحاكم ركزا فقط على السنة اتباعا لسياسة "فرق تسد"، فالحكومة كانت دائما تستفرد بفئة دون أخرى حتى لو كانت الفئتان متفقتان على الأهداف والوسائل.


مايو ‏1999م
د.منصور الجمري

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع