شارك هذا الموضوع

لو أصيبت إيران بالبرد لسعلت تركيا

لو أصيبت إيران بالبرد لسعلت تركيا

ربما هي الأقدار وحدها التي توأمت إيران وتركيا في تماثل غير متكرر في الكثير من الأشياء، أهمها وقوعهما على خط الانتقال السياسي للإتصال الجنوبي الأسيوي الأوربي وبالتالي تحقيقهما للإنتقال السُهُبي الذي تحققه روسيا في الشمال على جغرافية أكثر تداخلاً في حزام المناخ المعتدل في الجنوب كما يقول أحمد داوود أوغلو مستشار رجب طيّب أردوغان، بل إن ذلك التماثل انسحب في أحيان أخرى على ملفات ذات طابع خاص أهمها العلاقة المأساوية مع الحزام الزلزالي، الذي تقع المناطق الشمالية التركية تحت رحمته كما هي إيران وإن بصورة أشد وأوسع، ضمن منطقة غير مستقرة جيولوجياً، ثم إن الحدود التركية المتجاورة مع ثماني دول وهي جورجيا وأرمينيا وإيران وأذربيجان وسوريا والعراق واليونان وبلغاريا قد أعطى إيران ميزة أخرى كثاني أكبر شريك حدودي مع تركيا بعد سوريا (499 كم)، وهي بالتالي لاعب أساسي ضمن جيرة لها مُوجباتها ومتطلباتها إقليمياً ودولياً ودينياً إذا ما عُرِف أن نحو عشرين مليوناً من الشعب التركي هم من الشيعة أو كما يُسمون حسب الفرز الداخلي بالعلويين !! وهو ما يعني خُمس السكّان .

إبّان الحرب العراقية الإيرانية لجأت أنقرة إلى سياسة عدم الانحياز في سياستها الخارجية فاستقرت إلى حدّ ما العلاقات التركية الإيرانية رغم أن الأتراك كانوا حينها أطرافاً فاعليين في الحلف الأمريكي الصهيوني في المنطقة منذ العام 1957، وبعد وصول نجم الدين أربكان إلى الحكم وقّعت حكومته عقداً نفطياً ضخماً مع حكومة الرئيس هاشمي رفسنجاني في العام 1996 يقضى بأن تقوم الجمهورية الإسلامية بتصدير أربعة مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى تركيا سنوياً لمدة اثنين وعشرين عاماً، إلاّ أن هذا الاتفاق قد جُمّد بسبب خلافات قيل بأنها " تسعيرية " رغم أن الحديث في الكواليس كان يدور حينها بأن ضغوطاً هائلة كانت تُمارس على حكومة أربكان من قبل الجيش لإلغاء الصفقة، وقد تزامن ذلك مع الاتفاق العسكري الشهير بين أنقرة وتل أبيب في العام 1996 والذي هندسته المؤسسة العسكري العلمانية لإحراج حكومة أربكان وعزلها عن القرارات المصيرية للبلد، تمهيداً للإطاحة بها وهو ما حدث لاحقاً . وبعد وصول حزب العدالة والتنمية التركي ذي الميول الإسلامية في نوفمبر من العام 2002 بدأت العلاقات الثنائية بين البلدين تأخذ منحىً آخر في اتجاه تصحيحي على عدة مسارات متساوقة، فتضاعف ميزان التبادل التجاري بين البلدين في فترة قياسية، وبات الحديث يدور من جديد عن المرات النفطية الآمنة إلى أوربا عبر الأراضي التركية، كما أن ذلك التحسن في العلاقات يُمكن ردّه أيضاً إلى أحداث احتلال العراق الذي كان للأتراك كما الإيرانيين معارضة علنية له لأسباب قد تتعلق بالأمن القومي للدولتين، فطهران رأت فيه خطوة نحو تقريب زمن المواجهة بينها وبين واشنطن والضغط المباشر عليها من حزامين نشطين يمتدان من كابل وحتى بغداد وصولاً إلى بعض دول القوقاز، والأتراك رأوا فيه استنهاضاً خطيراً لعزيمة الأكراد الذين يُنازعونها أمر الاستقلال والانفصال بعد التجربة الكردية في الشمال العراقي، كما بات الأتراك ينظرون إلى التواجد العسكري الأمريكي في العراق أو المنطقة " استعاضة " غير مباشرة عن دورهم في المنطقة رغم أن أنقرة هي عضو في حلف الناتو .

ضمن سلّة الحوافز التي تدفع تركيا إلى الاهتمام بسياسات مستقرة مع إيران هو أن الأخيرة تمتلك حظوظاً أوفر في العمق العراقي بسبب عوامل سياسية ودينية متعددة، وإذا ما عرفنا أن المنطقة الشمالية للشرق الأوسط الهاجعة في خط متبدل لحوض بري غير بعيد من القوقاز وبالتالي استحصالها للخيط الرفيع الرابط بينه وبين الجنوب العراقي وبالتحديد المنفذ البحري لمدينة البصرة ثاني أهم المدن العراقية من الناحية الاقتصادية والتجارية هو من أهم أهداف تركيا؛ يُمكن إدراك مساعي الأخيرة لإبقاء علاقاتها جيدة مع طهران التي تمتلك التأثير المناسب في الأراضي العراقية والجنوب العراقي بالتحديد والذي تقع البصرة ضمن حزامه الجغرافي، هذا من جهة، في الجانب الآخر يُدرك الأتراك جيداً أن الحدود المشتركة لإيران مع القوقاز وصيرورتها ممراً استراتيجياً للشمال الجنوبي لأوراسيا، ثم قرب الأراضي الإيرانية من المفاعيل الاقتصادية والاستراتيجية في آسيا كالهند والصين وأفغانستان وباكستان وعموم الجنوب الآسيوي موصولاً بمنطقة النمور النشطة اقتصادياً يُشكل خياراً نوعياً لتركيا التي تطمح في النفوذ إلى ما وراء بحر قزوين والخليج وجنوب القارة العجوز، وبالتالي فإنه لا يوجد لديها من خيار سوى إقامة علاقة حسنة مع جارتها الند، وهو ما يُفسر تجاوزها للأزمات التي كانت تحصل بينها وبين إيران كأزمة مطار الإمام الخميني الذي كان من المفترض أن تقوم بإنجاز مراحله الفنية عدد من الشركات التركية .

اليوم العلاقات الإيرانية التركية هي أمام تحديين هامين :

الأول : يتعلق بالدور الأمريكي في تأزيم العلاقة بين البلدين عبر تحريك عدة ملفات سياسية وأمنية، ربما يكون آخرها مشاركة أنقرة في قوات اليونيفيل بجنوب لبنان وما أحدثه ذلك من قلق إيراني والذي قد يُرد إلى طبيعة العلاقة القائمة بين أنقرة وتل أبيب .

الثاني : تتعلق بمسألة التسلّح الذي تنشط فيه إيران بشكل لافت منذ ما يقرب من العشر سنوات والذي قد يتوسّع إلى قضايا الطاقة النووية، وهو ما دلّ عليه القرار التركي الأخير بتشييد خمس محطات نووية، فالمؤسسة العسكرية التركية لا تريد أن ترى نفسها أمام انكشاف استراتيجي في المنطقة في قبال قوة عسكرية متعاظمة تأتيها من الشرق ((إيران)) وبالتالي فإنها قد تجد نفسها مُضطرة لأن تجاري ذلك بتمتين علاقاتها العسكرية مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، لكنها في المقابل ستكون في موقف لا يُحسد عليه إذا ما قررت واشنطن القيام بضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، أو حتى إذا ما حدثت تسوية بين الغرب والجمهورية الإسلامية الإيرانية في القبول بإقامة نظام أمني جديد في المنطقة، سيجعلها تقبل كأي طرف غير محوري في التسوية الأمر الذي قد يُؤثر على مكانتها في الشرق الأوسط .


محمد عبد الله محمد – مملكة البحرين

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع