شارك هذا الموضوع

بعد الرد الإيراني على رزمة الحوافز الأوربية

بعد الرد الإيراني على رزمة الحوافز الأوربية
الـحـمـقـى وحـدهــم يـحـتـقـرون تـجـارب الآخـريـن


كسبت طهران تحيين الموعد المضروب لتقديم ردها على مشروع الحوافز الأوربي التي تقدمت به الدول 5 + 1 في السادس من يونيو الماضي كي تُوقف عمليات تخصيب اليوارنيوم، ورغم أن فحوى الرد الإيراني لا يزال غير معلوم بشكل مُفصّل إلاّ أن ما رَشَحَ عنه لحد الآن هو أنه ردٌ مَرِن لكنه لا يمتثل للقرار 1696 الذي يدعو طهران لوقف عمليات التخصيب، فالرد الذي جاء في اثنتين وعشرين صفحة تضمّن استعراضاً شاملا لمراحل التعاون الإيراني مع الوكالة الدولية للطاقة النووية والترويكا الأوروبية منذ العام 2003 ولغاية الآن، وإشارة مُركّزة إلى النقاط الايجابية التي أوردتها رزمة المقترحات مثل حق إيران في استخدام التقنية النووية المُقرّرة بالماء الخفيف، واعتبار ذلك محوراً هاما للتفاوض، كما أن الرد الإيراني احتوى على مجموعة تساؤلات حول النقاط الغامضة التي جاء بها العرض الأوروبي، داعياً إلى ضرورة الإجابة عليها، مع التأكيد على استعداد طهران التام للتفاوض من أجل إزالة نقاط الغموض واستئناف المفاوضات، واستعدادها أيضاً لإتاحة مزيد من الفرص لدخول خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المنشآت النووية الإيرانية، وتوقيع اتفاقات مناسبة في هذا الشأن حسب تعبير ما سُرّب لغاية الآن عن الجانب الروسي، بالإضافة إلى موضوع الترتيبات الأمنية في المنطقة .


وفي قراءة أولية لما تعنيه تلك الإشارات يُمكن القول أن الإيرانيين وكما كان متوقعاً قبل الثاني والعشرين من أغسطس الجاري فإنهم لم يرفضوا العرض، لكنهم لم يقبلوه كما هو، كما فعلوا سابقاً مع المقترح الروسي، كما أن منسوب الرد جاء بالحد الذي يخلط الأوراق من جديد ويترك الباب مفتوحاً أمام تباينات حقيقية بين الدول المعنية مع احتفاظ طهران بمسألة مواصلة تخصيب اليورانيوم وإن بنسبة خمسة بالمائة وهي النسبة التي تُؤمّن لها استفادة سلمية للطاقة لأغراض التشغيل الكهربائي، الولايات المتحدة الأمريكية هددت باكراً بفرض عقوبات على إيران ما لم تستجب لمطالب الدول الكبرى، والممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، قال بأن الرد الذي قدمته إيران على العرض الغربي، طويل ويتطلب تحليلاً مفصلاً وحذراً، وأن هناك حاجة لإجراء مزيد من المحادثات بهدف تحسين بعض التعبيرات والمعاني التي تتطرق إليها هذه الوثيقة، وأنه سيبقى على اتصال مفتوح مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، أما الألمان فقد وصفوه بأن غير مُرضي ولا يثير ارتياحاً، في حين قال الروس بأنهم سيواصلون العمل لبحث سبل التعاون السياسي مع إيران حول برنامجها النووي، وأنه من المهم أن ندرك المغزى ونبحث عن العوامل البناءة، أما الصينيين فقد قالوا بأنهم يدرسون الرد الإيراني وفق ما يمليه عليها الضمير ومباديء الأخلاق، وأنهم يُعارضون فرض عقوبات على إيران من منطلق إيمانها بعدم جدوى هذا الخيار لحل المشكلة بشكل تام، إلاّ أن اللافت أكثر هي تصريحات وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي الذي دعا إلى ضرورة تفادي التصعيد الذي قد يؤدي إلى صراع حضارات مع إيران والعالم الإسلامي !! .


على أية حال فإن الرد الإيراني يُعطي مؤشرات عدة أهمها هو أن طهران تُريد المُضي أكثر في اتباع سياسة البقاء على الطاولة إلى أقصى مُدة ممكنة بينها وبين الغرب، وبالتالي تمييع الإجراءات الاقتصادية والسياسية التي يُلوّح بها الساسة الأمريكيون عبر مجلس الأمن ضد إيران، رغبة منهم (أي الإيرانيين) في ربط هذا الملف المُعقّد بملفات إقليمية شاقّة تكون مفاتيحها لدى طهران، ثم أيضاً محاولة التلاعب بسقف المطالبات والعُروض المُقدّمة، مع حرصهم على تحيين مفاوضاتهم بأزمنة مدروسة سلفاً للوقوف على المجسّات الإقليمية والدولية، وهو ما يظهر من الموعد الأخير الذي أصرّت عليه طهران لكسب موعدي اجتماع مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال شهر سبتمبر المقبل، والمتعلق بتدوين سياسات الأجهزة التابعة للوكالة وموعد تقديم تقرير البرادعي حول الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، والثاني لمجلس الحكام الذي سيعقد في الخامس والعشرين من سبتمبر المقبل وذلك بعد انتخاب الأعضاء الجدد في الاجتماع السنوي . ورغم أن الإيرانيين قد سمعوا تحذيرات ستيوارت ليفي، وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، للمصارف التي تدير حسابات مالية لكوريا الشمالية أو إيران من أنها ستواجه مصير البنوك السويسرية التي ارتبط اسمها بألمانيا النازية، إلاّ أنهم يسمعون أيضاً تصريحات بوش ورايس بشأن العراق وعن حجم التورّط الأمريكي هناك، والذي بلغ منتهاه في الأشهر الستة الماضية، وبالتالي فإن الحاجة الأمريكية لإيران لتسوية ما في هذا البلد الملتهب لا زالت مفتوحة والإشارات في ذلك قائمة وبقوة، وهو ما يُترجمه حضور السفيرين الأمريكي (زلماي خليل زاد) والإيراني (حسن كاظمي قمي) اجتماع للأحزاب العراقية في كركوك قبل أسبوعين.


الولايات المتحدة تشعر جيداً بأن الوقت لم يحن بعد لفتح ملف المواجهة الحقيقية مع طهران، رغم الإلحاح الصهيوني على ضرورة إنهاء الخطر النووي الإيراني الذي يُهددها، لكن الحقيقة الأكيدة التي يفهمها الأمريكيون جيداً هي فداحة الخسائر التي قد يتكبدونها نتيجة تلك المواجهة، والتي توقّع لها بريجينيسكي أن تطول لأكثر من ثلاثين سنة، إضافة إلى ذلك فإن العجز المعلوماتي والاستخباراتي في مسيرة المواجهة مع إيران لا يزال يفرض نفسه وبقوة، وهو ما بيّنه التقرير الذي قدمته لجنة الاستخبارات في الكونغرس البيت الأبيض والتي دعت فيه إلى تعزيز القدرات الاستخباراتية بشأن إيران وملء الفراغات في المعلومات حول إمكاناتها العسكرية وطموحاتها النووية لمواجهة التهديد الاستراتيجي الذي تمثله، وسط نفوذ إيراني متنامي في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية حسب ما جاء في التقرير، خصوصاً بعد أحداث العدوان الصهيوني على لبنان، إلى الحد الذي يتصل فيه وزير الخارجية الفرنسي دوست بلازي إلى وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي للاطمئنان على مدى التزام حزب الله بوقف إطلاق النار !!، مع الإشارة هنا إلى أن خيار الضرة العسكرية لا يزال قائماً، وقد يزداد بتزايد حضور المحافظين الجدد في النظام السياسي الأمريكي وفي إدارات الشركات الكبرى والذين يرون في برامج إيران النووية بأن لا تقل فداحة عما أحدثته اعتداءات 11 إيلول على حد جون بولتون، بل إن وثيقة الأمن القومي الأمريكي قد أشارت إلى ما يُفهم أن واشنطن مستعدة لشن حرب أخرى إذا لزم الأمر رغم تورطها في العراق، وبالتالي فإن الأمر قد لا يبدوا سهلاً إلى الحد الذي تتصرف فيه طهران بعيداً عن مسار الأحداث، خصوصاً إذا تبيّن أن ميزان المصالح بين روسيا والغرب قد دخل مرحلة جديدة، فالروس ورغم أنهم يُحاولون ما أمكن إيجاد توازن استراتيجي بينهم وبين الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة القوقاز والشرق الأوسط بدعمهم دولاً كإيران وسوريا وفي الشرق الأدنى كوريا الشمالية، إلاّ أنهم أيضاً قد يُقدّمون تنازلات للغرب إذا ما قُدّمت لهم عطاءات أمنية واقتصادية مهمّة كانوا قد وُعِدوا بها منذ حكومة بوريس يلتسين، وبالتالي فإن الإيرانيين قد يقبلون لاحقاً بوقف عمليات تخصيب اليوارنيوم وإن بشكل محدود إذا ما أدركوا أن الروس قد ينقلبون عليهم في مجلس الأمن لصالح فرض عقوبات اقتصادية في مجال النفط والغاز اللذين يُعتبران أبرز الصادرات الإيرانية بالإضافة إلى منتجات حزامها المنجمي بنسبة 86 بالمائة من إجمالي صادرات إيران.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع