شارك هذا الموضوع

كان في السجن يا ما كان (29) - الضارة النافعة

نجلس القرفصاء نتبادل خبرات المعاناة بيننا يحكي بعضهم عن ظروف زنزانتهم أنهم رأوا بعض الحشرات الخطيرة كالعقارب ...... صارت تزحف إليها من جراء الرطوبة .....


تنزلق الرأس فوق الوسادة ولاتنزلق التخيلات منها ..... وفي عمق الليل الساكن بجراح المعتقلين يعم الصمت المكان ..... ومع إغفاءة الأجفان وسفرها في رحلة النوم الحبيس أستيقظ في أحشاء الليل على صرخات مرعبة تقتلع الجبال من رسوخها ...... صرخة خلتها من لديغ أصابته العقرب .....مادمنا تكلمنا عن العقرب ، لايبارح العقرب مخيلتنا .


سألنا الزنازين المجاورة لمصدر الصرخة : ما الخطب لديكم ؟ .... الأمر يختلف تماماً عن لدغة العقرب .... أحد المحجوزين خلف جدران ا لسجن تصاحبه نوبات صرع متكررة ... هذه إحدى النوبات الصيفية ..... داهمته النوبة .... كاد يخنق صاحبه في الزنزانة لولا تداركه ...أن تكون أمام أسد يحاول افتراسك وتتمكن من الفرار أهون من أن تكون أمام شر يحيق بك وأنت محاط بجدران أربعة.


لازالت القيود وأقفال العينين تصاحبنا لدى الخروج من العنبر للقلعة .... أحد أصحابنا بعد انتهاء مقابلته مع الأهل ، كان جالساً في الباص ..... عيناه يلفهما الظلام وكفاه محاصرتان ( بالهفكري ) .... لا يجد إلا فمه ليعطيه سعة من الحرية ....


أطلق لسانه في الكلام مع مجاوره في المقعد ... شرطي أنجبته عاصمة الأمويين لم ترق له محادثتهما الهادئة .... كانت يده بين الفترة والأخرى تمتد لتضرب أحدهما على الرأس .... لم يدعه أصحابنا دون الدفاع عن نفسيهما باللسان ..... تشعب النزاع بينهم وعلت الضوضاء ..... ختاما أنزلوهما من الباص ..... شرع الشرطة بأحطابهم السوداء الصلبة يضربونهما .... أينما تقع العصا تقع ..... إنفجرت الدماء من رأس أحدهما قانية حارة .


الحظ الحسن كان لصالحهما .... أطل ضابط من حجرة التحقيق .... استفسر عما يجري ؟ أمر بأخذ المصاب للعيادة ثم يأتى به إليه لينظر في الأمر .... وتناهى الموضوع إلى مدير السجن .... أمر بإحضار الجميع لديه في السبت القادم ....


في السبت سأل مدير السجن صاحبينا عن ملابسات الموضوع وسمع منهما .... بحق كان مدير السجن منصفا آنذاك ، سأل الشرطي لماذا ضربتموهما .... قال الشرطي: لقد هددني أحدهما بتهشيم أسناني وأعانه صاحبه سيدي .... قال له مدير السجن مستنكرا ! كيف يستطيع تهشيم أسنانك ويداه مقيدتان وعيناه مقفلتان؟ .... وكيف يتسنى له ذلك وأنت جندي مدرب ؟... سكت الشرطي كأن على رأسه الطير ، أمر مدير السجن بإنصراف الجميع ، ووعد صاحبينا بأخذ الحق لهما .....


بالطبع لن يكون أخذ الحق أمام العين , بعد تلك الواقعة ، استغنى الشرطة عن إغماض العينين واتسعت مساحة الحرية نوعا ما .... وكانت الضربات ا لتي تلقاها صاحبنا هي الضارة النافعة .


ولايزال عنبرنا يحتفظ بالكثير من العجائب ..... ومن طريف عجائبه أننا سكنا بين جدران سكنها من إدعى علاقته بالإمام المنتظر(عج) .... أجل هي نفس الحجر التي سكنوها ومرروا فيها أكذوبتهم وضللوا فيها أفكار من إتبعهم ..... وفي نفس الزنازين هذه عذبوا بأنفسهم من لم يتبعهم .....


ومن الطريف أيضا أن يجمع عنبرنا أحد الذين كان برفقة أولئك المضللين .... يحكي عن حيلهم في التغرير بالضعاف وكيف توصلوا للتحكم في النفوس بوسيلة الأحلام ... وكيف تمكنوا من تجنيد كل فرد للتجسس على صاحبه وإيصال كل ما يدور في نفسه من شكوك ورغبات بمجرد البوح بها لصاحبه ..


كان أحد طلبة العلم نصيبه الزنزانة التي سكنها زعيم المضللين ...لهذا لما علم بأنه يسكن في الزنزانة التي سكنها زعيم مدعي السفارة أيام اعتقاله .... قال الشيخ : نعم أراني لا أرى الدعاء يستجاب في هذه الحجرة لكونها مملوءة بالشياطين ..... عن طريق الأحلام تحكم في النفوس التي بات السجن ضاغطاً عليها وعلى قناعاتها وصار يحرف العقائد .


وهي محطة اختبار ومحك تتميز في منعطفاتها النفوس المتمكنة من قهر الشيطان ..... الشيطان يدخل للنفوس من طرق شتى , منها الأحلام كالتي داخلت صاحبي يوسف , و لولا يوسف ووجوده بينهما لكانت سببا في أمور لاتحمد عقباها... البقية تأتي .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع