شارك هذا الموضوع

العدوان الصهيوني على لبنان .. رؤية إيرانية

من خِضمّ الأحداث والمواقف المتأسسة عليها بدأ الحديث عن مساعٍ أمريكية حثيثة عبر استشارة حلفائها في المنطقة وتحديداً السعودية ومصر والأردن، لإخراج سورية من المحور الإيراني، تمهيداً لوقف دعمها لحزب الله، في مقابل وعود أو ضمانات خطيّة بعدد من النقاط بينها إطلاق جهود دولية للمفاوضات السورية الصهيونية بشأن الجولان، ووقف مساعي عزل سوريا بما في ذلك توقيع اتفاق الشراكة السورية – الاوروبية، خصوصاً أن الادارة الاميركية تقرأ ما يحدث في لبنان من زاوية أزمتها مع إيران لأن أحد أهداف المعركة المحتدمة في لبنان هو " تحجيم الدور الإيراني هناك "، هذا ما صرّح به أحد مُرافقي كونداليزا رايس في زيارتها للمنطقة قبل أسبوع، وإذا ما نجحت واشنطن في هذا المسعى فإن وضعاً صعباً سيواجهه حزب الله وستواجهه المنظمات الفلسطينية التي سترى نفسها مضطرة لمغادرة دمشق كـجبهة متقدمة لها والتوجه للإقامة في طهران التي تحتضن الآن مكاتب تمثيلية لهذه المنظمات . الإيرانيون بدورهم ربما أدركوا هذا الأمر منذ بداية الأزمة فسارعوا للإعلان عن أنهم سيدعمون سوريا بقوة عند تعرضها لهجوم صهيوني، الأمر الذي دفع بتل أبيب لأن تبعث برسالة تطمينية لدمشق (عبر وسطاء) بأن الهجوم لن يطول الأراضي السورية .


طهران ومنذ بداية الأزمة حاولت أن تضع نفسها موضع الدولاب الإقليمي لما يجري، فقامت بعدة خطوات دبلوماسية وإعلامية متلاحقة، حاولت أن تُبدي بعضها من العاصمة السورية وذلك لتأكيد وحدة الموقف أولاً بينها وبين سوريا، وثانياً لإظهار نفسها كبلد قريب من خطوط التماس يجب أن يُحسب له حساب، فتصريحات متقي ولاريجاني كلها تعكس ذلك بجلاء . في الأيام القليلة الماضية سعت القيادة الإيرانية للظهور كطرف محوري رداً على عدم دعوة الغرب لها لحضور مؤتمر روما الأخير، بعدما كانت في السابق طرفاً مهماً في إتمام اتفاق الطائف الخاص بلبنان ومؤتمر بون الخاص بأفغانستان ومن ثم مؤتمر طوكيو لدعم حكومة كرزاي وقبله مؤتمر صلاح الدين للمعارضة العراقية، لذا فإن تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد عند لقائه بالرئيس الطاجيكستاني رحمانوف في دوشنبة واتصاله بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورسالة هاشمي رفسنجاني للعاهل السعودي، ومحادثات رئيس البرلمان حداد عادل مع نظيريه اللبناني والجزائري نبيه بري وعمار السعداني، وكذلك الزيارة التي قام بها أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي لمكتب حزب الله لبنان في طهران، كلها تُشكّل رسائل إقليمية ودولية عن مدى الحضور الإيراني في الأزمة اللبنانية . باعتقادي فإن المساعي الإيرانية تجاه ما يجري تسير لتحقيق عدة أمور آنية واستراتيجية يُمكن التعرض لها بالآتي :


(1) يُشكل حزب الله كحركة سياسية وعسكرية أهم حليف عقائدي وثوري لطهران في المنطقة، وهي بالتالي ليست في وارد التنازل عن وضعيته كجزء (قوي) ضمن موزاييك التوليفة السياسية في لبنان أولاً، ثم كطرف إقليمي مُزعج للكيان الصهيوني وطليعي للحركات الإسلامية في المنطقة، لذا فإنها ستسعى ما أمكن لأن لا يخرج الحزب من المعركة الحالية بخسائر عسكرية وسياسية مُوجعة، كما أنها ستتمنع تجاه مقترح مستشار الأمن القومي الأمريكي اليوت ابرامز والقاضي بأن تكون القوات الدولية التي ستُرسل إلى الجنوب اللبناني مؤهلة لأي مواجهة عسكرية مع حزب الله، أو إبعاده عن أماكن نفوذه في الجنوب إلى ما بعد الليطاني أو غيرها من المشاريع . بالإضافة إلى مساعيها لدى تركيا ودمشق للحؤول دون تطعيم تلك القوات التي تريد الأمم المتحدة إرسالها بضغط أمريكي بقوات مصرية وتركية بعمق 20 كيلومتراً من الحدود . إن الحفاظ على قوة حزب الله تعني أمراً مصيرياً بالنسبة لطهران في المنطقة، مع التأكيد هنا أن الإيرانيين استطاعوا ومنذ تأسيس الحزب على الحفاظ على قوته الأمنية والعسكرية والسياسية، إلى الحد الذي دفع بالخبير في الشؤون الاستراتيجية رون برغمان من صحيفة يديعوت احرونوت الصهيونية إلى القول " أنه يجب الإقرار أنه منذ عام 1986 وحتى اليوم، أخفقت الاستخبارات الإسرائيلية في اختراق حزب الله، على رغم أن الحديث هو عن تنظيم صغير ينشط في مساحة صغيرة، وأن ثمة قائمة طويلة من الاخفاقات الاستخبارية في اختراق حزب الله حظرت الرقابة العسكرية نشرها كاملة " كما كتب المعلق في يديعوت أحرونوت اليكس فيشمان أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية فشلت في جمع أبسط المعلومات عن حزب الله ومواقعه التي تقع تحت أنفنا، وأن مستوى المعلومات التي في حوزة الاستخبارات العسكرية عن الحزب، فقير بل بائس، وأن هذه الاستخبارات لا تملك معلومات حتى عن الوسائل القتالية ومنظومات الاتصال وتحصينات ومخابئ الحزب، من كان يصدق أن منظمة عصابات من مئات معدودة من المقاتلين النظاميين، يمكنها أن تشل دولة صاحبة الجيش الذي نجح في ستة أيام بالقضاء على ثلاث دول عربية، إنه جيش كبير لكنه غبي !! .


(2) ستُكثّف طهران من العمل اللوجستي من قِبلها تجاه حزب الله في هذه المرحلة، وهو ما بدأ عملياً بعد اتضاح قيام المقاومة الإسلامية باستخدام صواريخ خيبر واحد التي هي الأصل أسلحة صينية طُوّرت في إيران وأُعيد تسميتها بزلزال (1، 2، 3، 4، 5) وأيضاً تزويده بالقذائف ذات الحشوة المزدوجة التي باتت قادرة على تدمير دبابات الميركابا الصهيونية، وإذا ما أرادت تل أبيب أن تُقيم خط متغير يتوقف على المحددات على الأرض كما صرّح بذلك عمير بيريتس فإن ذلك يعني أن طهران وحزب الله سيتقاسمان لعبة جديدة، وهي تكتيك تجنب الحسم العسكري المباشر (كسب أو احتفاظ بأراضي) في المعركة الدائرة الآن عبر جر القوات الصهيونية إلى حرب استنزاف مُرهقة، وفي نفس الوقت تدفع طهران بالتساوق مع ذلك التكتيك لإيجاد حسم سياسي عبر أطراف أوربية شرق أوسطية لا يُخرج حزب الله خاسراً، مع ملاحظة أن السقف الموضوع من قبل تل أبيب سيضعف شيئاً فشيئاً إذا ما استطاعت خطة عدم الحسم العسكري في الوصول إلى نقطة العودة الصهيونية عن العدوان المتوقفة أصلاً على أمرين رئيسيين، وهما عدد الجنود القتلى في الجبهات، ومدى قدرة الجبهة الداخلية الصهيونية على الصمود في وجه القصف المتواصل من قبل حزب الله للعمق الصهيوني واستفحال الأوضاع الاقتصادية للسكان التي تُشكّل الشرائح الفقيرة ثلثهم، بعدما بدأ الحديث عن أضرار بلغت ملياري دولار عدا نفقات الحرب المباشرة والخسائر التي تكبدتها آلة الحرب الاسرائيلية، بل إن خبيراً اقتصادياً توقّع أن الاقتصاد الاسرائيلي خسر حتى نهاية الأسبوع الماضي واحد في المئة من الإنتاج وأن يتوقف النمو الاقتصادي هذا العام عند 4.5 في المئة وليس 5.5 في المئة، كما كان متوقعاً . وإذا كان السؤال الذي لا يزال مطروحاً : ماذا بالنسبة الى الموقف من دمشق وطهران باعتبارهما مؤثرتين في الساحة وفي حزب الله، فإن الإجابة ربما تأتي من بانوروما اللقاء بين نبيه بري ووزيرة الخاريجة الأمريكية في بيروت عندما سأل بري الوزيرة عن الموقف منهما وهل يمكن لواشنطن تجاهلهما، فجاء ردها " بأننا لا نتحدث معهما وأنتم كحلفاء لهما في وسعكم التحدث إليهما " وفُهِمَ أن خلاصة الموقف الأميركي، هو أن واشنطن لا تتحدث معهما مباشرة لكن هذا لا يمنع من خلال الإشارات التي التقطها بعض من قابل رايس موافقة الادارة الأميركية ضمناً على ترك الأمر لجهات عربية وأوروبية وروسية تتولى التواصل حالياً مع السورييين والايرانيين، وهو أيضاً متوقف على أوضاع الجبهة .


االأوضاع تبدوا خطيرة جداً، خصوصاً وأن اثنين وعشرين دولة عربية لم يعد دورها أكثر من منظمات خيرية تبعث بمساعدات هنا وهناك، تاركة مقاتلي حزب الله يخوضون معركة شرسة مع أقوى آلة عسكرية في في المنطقة، بل إن المسعى إلى إبعاد إيران عن لبنان لن يتحقق مع وجود فراغ عسكري عربي فاضح في الأزمة الحالية .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع