شارك هذا الموضوع

هل لدى إيران طرق مرصوفة بالذهب؟

مجموعة متغيرات حكمت الموقف الإيراني الأخير من مقترحات الحفـز التي قدمتـها دول 5 + 1 قبل أسبوعين، الأول هو ما آلت إليه المفاوضات الشاقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والترويكا الأوروبية والوكالة الدولية للطاقة الذرية ولاحقاً الولايات المتحدة الأميركية من استدرار غير طبيعي لملفات نزاعية إقليمية ودولية أفسحت المجال للطرفين لأن يلعبا على تناقضاتها (القوة والمال) وإن بدا أن الإيرانيين كانوا أكثر دهاء في ذلك من غرمائهم.
 
فالفتور الذي أبدته طهران تجاه الطلب الأميركي الملح لإجراء مفاوضات معها بشأن العراق أزعج الأميركيين كثيراً إلى الحد الذي جعلهم في موقع المستجدي أو صاحب الحاجة، وأن الإيرانيين هم من يمتلكون المفاتيح السحرية لأزمات المنطقة، بل إنهم ­ أي الأميركيين ­ اقتنعوا بأن ما جناه الإيرانيون من مكاسب فلكية في أفغانستان بعد سقوط نظام طالبان (وضع خطط التعليم وتعبيد الطرق وتسوية نهر هلمند والاتفاقات الأمنية) لا يعدو كونه ضريبة فرضتها عوامل تاريخية وسياسية وجغرافية لم يجد الأميركان فرصة للإمساك بما يتساقط من فوق أكتافهم من كعك بين أرجل الإيرانيين.


على المستوى الدولي انقسم الغربيون على أنفسهم، ثم انقسمت معهم روسيا والصين، وبين الفتات سمعت مواقف متباينة من الهند واليابان وماليزيا، وصار عالم الكبار يقترب أكثر نحو التباعد، ففي المناقشات التي جرت خلال المنتدى الذي عقد في بروكسل وحضره عدد كبير من أرباب السياسة والاقتصاد من أوروبيين وأميركيين بشأن قضايا العالم الشائكة تبين حجم التمايز في المواقف الأوروبية والأميركية، وتحديداً بشأن أزمة الملف النووي الإيراني. ولم يكن غريباً أن يظهر مشاركون جمهوريون وديمقراطيون من الولايات المتحدة وهم متفقون علـى أن عزل إيران وفرض عقوبات عليها سيكون اختباراً صعباً للعلاقات بين بلدهم وأوروبا.


معارضة دمج الميليشيات
المتغير الثاني الذي احتكم إليه الموقف الإيراني هو الضمانات الأمنية التي وفرتها المقترحات الأوروبية لطهران فيما يتعلق بحدودها الجغرافية وبحلفائها في المنطقة، فإيران امتهنت ومنذ انتصار الثورة الإسلامية فيها في العام 1979 على نسج علاقاتها الخارجية بدول الجوار (خصوصاً) من خلال مسارين متلازمين، الأول هو من خلال علاقاتها الرأسية بالحركات السياسية والدينية المتماهية معها أيديولوجياً والموجودة في تلك الدول (حزب الله في جنوب لبنان، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة الإسلامية والتيار الصدري في العراق، وحزب الوحدة في أفغانستان، وجماعة سجاد نقوي في باكستان) أو وفق حسابات سياساتها الخارجية المؤدلجة (الحركات الفلسطينية المسلحة)، والثاني هو من خلال ما تقيمه من علاقات رسمية مع الأنظمة السياسية وما تقتضيه تلك العلاقات من شريعة مصالح متشابكة.


ولطالما جنى الإيرانيون مكاسب مجزية من خلال تلازم هذين المسارين، فقد بلغ النفوذ الإيراني في العراق حداً دفع بالأميركان إلى أن يعارضوا دمج الميليشيات العراقية المسلحة في الجيش العراقي خشية أن تتحول تلك الميليشيات إلى خصم على الأرض ضد الجيش الأميركي في حال تعرض إيران لهجوم، فهي جماعات تربت طيلة ربع قرن داخل الأراضي الإيرانية وارتوت حتى الثمالة من المال الإيراني. وبعد سقوط بغداد كانت مؤسسة الإمام الرضا ومؤسسة المستضعفين ومؤسسة الشهيد وجهاد البناء قد سخرت أموالها لصالح الأحزاب العراقية الموالية لإيران كالمجلس والدعوة والصدريين، لكي تستطيع هذه الأحزاب بناء شبكة مصالح وولاءات لها بين العراقيين عبر تمويل المستشفيات والمؤسسات الاجتماعية والمساجد وملاجئ الأيتام.


حزب الله وحماس
أما الحديث عن الروابط العقائدية والسياسية والاقتصادية القائمة بين حزب الله وإيران فهي غير خافية على أحد، بل إنها تعد من أرشق العلاقات بين إيران وحلفائها في الخارج. وكذلك الحال بالنسبة إلى المنظمات الفلسطينية وتحديداً حركتي الجهاد الإسلامي وحماس التي تلقت أول تبرعات لها من إيران بقيمة 90 مليون دولار خلال مؤتمر القدس، وبالتالي فإن الحديث عن ضمانات أمنية لمثل هذه الجماعات يبقى أمراً مصيرياً بالنسبة إلى طهران، وخصوصاً أن سياستها الخارجية تجاه الكثير من الملفات الإقليمية تصاغ عبر هذه القوى ومفاعيلها.


المتغير الثالث أن المقترحات أو الحوافز الأخيرة حلحلت إلى حد ما من مسألة قيام إيران بتخصيب اليورانيوم على أراضيها، وهو ما صرح به أحد الدبلوماسيين الغربيين في فينا من أن الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية اتفقتا في ختام اجتماعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية على السماح لإيران بمواصلة نشاطاتها المتعلقة بالحصول على مادة اليورانيوم المخصب في منشأة اصفهان، وأنهما لا تصران على أن تكون هذه العملية جزءاً من التعليق، وإذا كان السقف بين إيران والغرب قد وصل إلى هذا الحد، فإن الأمر قد لا يبدو معقداً أكثر بالنسبة إلى طهران.


توطين النووية أهم من النفط
الإيرانيون وفي الأيام الخمسة الأخيرة قاموا بحملة علاقات عامة نشطة تتعلق بمصير ملفهم النووي، فالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية التقى مسئولي منظمة الطاقة النووية الإيرانية وجمعاً من العلماء والخبراء والباحثين النوويين، واصفاً توطين التكنولوجيا النووية بأنه إجراء صانع للتاريخ والحضارة، وأن هذه المسيرة العلمية يجب أن تمضي قدماً إلى الأمام بقوة وفي مختلف الأبعاد، معتبراً توصل العلماء الإيرانيين للتكنولوجيا النووية المعقدة أهم بكثير من اكتشاف واستخراج النفط في إيران.


الرئيس أحمدي نجاد أيضاً وقبل توجهه إلى قمة شانغهاي زار مجمع نطنز النووي، إذ ألقى كلمة في جمع من علماء الذرة الإيرانيين، واستمع إلى تقرير مفصل عن مسيرة عمل أجهزة الطرد المركزي. ثم ومن الصين أعلن أن الحوافز التي قدمها خافيير سولانا هي «خطوة إلى الأمام».


بعد ذلك صراح منوشهر متقي من مدريد بأن العرض الأوروبي «إيجابي جداً». كذلك صرح رئيس منظمة الطاقة الذرية غلام رضا آغازادة لوكالة الوحدة المركزية بأن عملية تخصيب اليورانيوم في مجمع نطنز تتم على مستوى الأبحاث، وأن تزويد بعض أجهزة الطرد المركزي بغاز (يو. إف ­ 7) لا يعني القيام بالتخصيب، لأن صناعة الوقود النووي بحاجة إلى وقت وإنجاز مراحل دقيقة من الأبحاث، وأنه لا يوجد هناك أي تخطيط لتخصيب اليورانيوم على المستوى الصناعي، مشيراً إلى أن التعاون مستمر بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية على مستوى التفتيش.


كذلك أعلن في طهران أخيراً أن رئيس وكالة الطاقة الذرية الروسية ورئيس اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي بين إيران وروسيا سيرغي كرينكو سيقوم بزيارة إيران(...)، إذ ستتم مناقشة التعاون بين البلدين ولاسيما في المجال النووي، كما سيتفقد المسئول الروسي محطة بوشهر النووية التي يساهم في بنائها الخبراء الروس، ومن المؤمل أن ينتهي العمل منها في العام .2007 أيضاً السفير الإيراني في موسكو غلام رضا أنصاري صرح في مجلس الدوما الروسي بأن الاقتراح الروسي لتخصيب اليورانيوم بصورة مشتركة مع إيران هو اقتراح بناء، وأن إزالة النواقص ومعالجة نقاط الضعف في هذا المشروع بإمكانهما أن تشكلا طريقاً جيداً للقضايا القائمة، ولو تباحث خبراء البلدين بشأن تفاصيل هذا المشروع وإشكالاته فإنهم سيجدون طريقاً للتوصل إلى حلول مناسبة، معرباً عن تفاؤله بنتائج المفاوضات بين الجانبين التي كانت مقررة يوم 21 فبراير/ شباط لمناقشة المشروع الروسي.


هذا النشاط الدبلوماسي الإيراني يهدف، على ما يبدو، إلى أمرين :
الأول : أن طهران تريد أن تبقي على أوراق اللعبة كافة، بدءاً من نفي سعيها نحو نشاط نووي محظور، ثم تأكيد استمرار تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بل إنها مازالت تقوم بتنشيط موقفها من المقترح الروسي لكي لا تخسر منه ما يفيدها عند الضرورة، على رغم أنه كمقترح ضاع بين أفاريز المباحثات والعروض المتكررة.


الثاني : أن طهران تريد أن تعطي رسائل إلى العالم بأنها تولي المقترح الأوروبي الأميركي عناية خاصة، وبالتالي فهي تود أن تقدم نفسها على أنها طرف يرمي إلى الحوار وتهدئة المخاوف، من دون أن تعطي مؤشرات على وجود ليونة أو تراخ على مستوى اهتمامها الداخلي فيما يتعلق بنشاطها العلمي في مجال الطاقة النووية، وهو ما فسارته زيارت المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية لمفاعل نطنز.


الرد الإيراني على حوافز دول 5 + 1 قد يأتي متزامناً مع اجتماعات الدول الصناعية في موسكو بحسب تقديرات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإن صدق تقدير بوتين فإن ذلك يعني أن الإيرانيين قدموا ردهم من البوابة الروسية وفي حضرة زعماء الدول الصناعية الكبرى وفي ذلك دلالة كبيرة على خطوات إيرانية جديدة.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع