شارك هذا الموضوع

محو الآثار الاسلامية - حوار مع الدكتور سعيد الشهابي

بدأ النقاش في المملكة العربية السعودية ومناطق اخرى من العالم الاسلامي حول قضية محو الآثار الاسلامية، يأخذ ابعادا جديدة، وطرحت تساؤلات مثيرة، خصوصا بعد ان بدأت اعمال المحو والتدمير تصل الى مناطق اخرى غير السعودية. فهل ذلك جزء من حرب دينية ام سياسية؟


وما دور السياسيين في تشجيع الظاهرة؟ وهل هي صراع على المصالح ام ناجمة عن جهل وتعصب؟ هذه الاسئلة وغيرها طرحها الموقع على الباحث والكاتب الاسلامي المقيم في لندن الدكتور سعيد الشهابي، في اطار حوار اليكم نصه.


تثير قرارات الحكومة السعودية بشأن هدم الآثار الاسلامية، بالأخص في المدينة المنورة جدلاً في الاوساط الاسلامية.ويعود الموضوع الى شهر مايو الماضي عندما نشرت صحيفة القدس العربي وصحف بريطانية اخرى مقالا للكاتب والباحث الاسلامي في لندن- السيد سعيد الشهابي الذي عكس فيه التعدي المتعمد على التراث الاسلامي في الجزيرة العربية.


• تاج بخش: كيف توضحون اهمية الآثار الاسلامية الموجودة في السعودية؟


• سعيد الشهابي: اقول بدءاً ان الآثار الاسلامية هي تعبير عملي ومصداق لتاريخ الاسلام، هذا هو تاريخ الاسلام وتطوراته على مدى اربعة عشر قرناً، واهمية هذا التراث انه يعكس، ليس فقط قوة الاسلام وخصارته وانما ايضاً الطريقة التي نظر بها المسلمون الى ما حولهم، وعبروا عن تلك النظرة في البناء والعمارة والفن وخصوصاً في مجال المساجد، والعمارة الاسلامية مشهود لها في كل العالم.


واريد اضيف هنا انني لست الوحيد الذي اهتم بهذا الموضوع، فقد رأيت بعد كتابة المقال الذي نشر في صحيفة القدس، حول تدمير الآثار الاسلامية في الجزيرة العربية ان هناك عدد من الجهات الدولية التي اهتمت بهذا الامر وذلك من منطلق ان التراث لا يخص عالم دون غيره، او قوما دون غيرهم وانما هو لكل البشرية، فقد اطلعت على ‌مقالين مهمين، احدهما نشرته صحيفة الاندبيندنت البريطالية بعد اسبوع من مقالي واستشهد فيه بآراء علماء آثار غربيين، طرحوا اهمية ذلك الهدم، لأنه لايؤثر على المسلمين وحدهم او على المملكة السعودية وحدها بل على البشرية، فهو تراث اسلامي يجب ان يخلد، ومقال آخر محقق وموثق بالصور، نشرته مجلة اسلاميكا الناطقة بالانجليزية، اقول ان هذا الاهتمام بالتراث الاسلامي انما هو جزء بالاهتمام البشرى بتاريخ البشرية، وبالتالي فأن ما حدث لهذه الآثار ليس فقط خسارة للمسلمين بل هو خسارة لإبناء البشر جميعاً، لأنه يفقدهم بعض صفحات تاريخهم، التي استطاعوا خلالها توضيح نظراتهم الى ما حولهم، واوضحوا عطائهم لهذه المسيرة البشرية الطويلة.


• تاج بخش: ما هي الجهة التي تقوم بعملية هدم الآثار الاسلامية في السعودية؟


• سعيد الشهابي: يعني ليس خافياً على احد بأن هناك جهة لا تؤمن بالتراث، لا تؤمن بتخليد اي رمز، وتعتبر الرمزية شرك، وبالتالي هذا الشرك يجب ان يزال برأيها ، وكنت اتحدث قبل يومين مع مفكرة سعودية في احد المعاهد البريطانية المعروفة، وكانت تتحدث لي بألم عما يحدث في بلادها، وقالت انه من الضروري ان لا تمر هذه العملية بدون محاسبة وبدون رقابة، وكانت اقترحت عدة اقتراحات لتسليط الضوء على ما يجرى في الحزيرة العربية على ما يجرى من هدم للآثار الاسلامية في الجزيرة العربية، كانت تتحدث بأمتعاض ، وهي جهة لا اريد ان اذكرها ولكنها جهة مطلعة وتعرف ما كان يجري، وانا ذكرت ايضاً في المقال واشرت الى المحاضرة التي القاها قبل حوالي 5-4 سنوات الدكتور احمد زكي اليماني حول بيت الرسول صلى الله عليه وآله وكيف انه جاء بمجموعة من العمال، وعلى مدى 24 ساعة قام اكثر من 400 عامل وخبير بالآثار بعملية تنقيب عن بيت الرسول، وبعد ان كشفوه تماماً، وكان ارتفاعه لم يصل الى متر واحد فوق سطح الارض، بعد ان كشفوه وصوروه واستطاعوا التعرف على الموضع الذي ولدت فيه السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وغرفة صلاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وغرفة نومه، بعد ان كشفوا كل ذلك وصوروه، عمدوا الى ردمه بالتراب وقالوا انهم لا يريدون طمره تماماً، لأنه قد يأتي اليوم الذي يطل على المملكة وتتحرر فيه من عملية ردم آثار المسلمين وآثار الرسول (صلى الله عليه وآله) والصحابة واهل البيت (عليهم السلام).


وبرر الردم لأن هناك عقلية في المملكة العربية السعودية لدى بعض الجهات تعتقد ان الآثار لها رمزية، وان الرمزية شرك، وبالتالي قال يماني انه لا يريد ان يثير زوبعة في بلده، واردت فقط ان اطلع على تراث بلدي.


اقول ان التيار السلفي يعتقد ان كل ما يشير الى تاريخ الاسلام، يحمل قدرا من الرمزية للأشخاص الذين ارتبطوا بذلك التراث، وبالتالي فالإرتباط بالأشخاص هو صد عن الله، وبالتالى من الواجب طمره وهدمه، هذه العقلية موجودة، وهي العقلية التي تستحل الدماء وتستبيح الحرمات، وهي العقلية التي لا ترتدع عن قتل الأبرياء وسفك دماء المسلمين وغير المسلمين، وهي مشكلة كبيرة في عالمنا، وعلى المسلمين ان يواجهوا هذا التحدي بحزم، وقد رأيت امس واليوم تصريحات ايجابية من شيخ الازهر، بأن هذه الجهات المتطرفة يجب مواجهتها، وعدم السماح لها بالقضاء على ما لدى المسلمين من تراث انساني واسلامي يجب ان يخلد، كما هو شأن الامم المتحضرة، التي تحافظ على تراثها وتستوحي منه ما يفيد اجيالها المقبلة، وتبني نفسها من خلال الروح التي تجسده تلك المعطيات التراثية.


• تاج بخش: وما هي الاصول التي تستند لها الفئة التي اشرتم لها والتي تسوغ لها عملية هدم التراث الاسلامي؟


• سعيد الشهابي: انا لست خبيراً في المنطلقات الفكرية والفقهية لدى المجموعات التي تؤمن بالدمار وتدمير الآثار الاسلامية، ولكن لجهة اطلاعي المحدود رأيتهم يستندون الى بعض الاقوال لعالمي دين وهما شيخ الاسلام ابن التيمية والشيخ محمد عبدالوهاب وانهما يشيران الى ان ما يبنى على القبور انما هو ضرب من الشرك، وعلى المسلمين ان يزيلوه، واعتقد هذه المستندات واضحة اذا زرنا المواقع الاليكترونية لبعض هذه الاتجاهات، هي العقلية التكفيرية التي تعتقد ان من لا يؤمن بما يؤمنون به تماماً فهم خارجون عن الدين، هي العقلية التي تمنع بناء المساجد على القبور، وليس فقط لقبور الاولياء والصالحين وانما حتى قبر الرسول، وهناك الآن محاولة لفصل قبر الرسول عن مسجده، ووضع الابواب التي تغلق في بعض الاحيان، لتعويد المسلمين على عدم زيارة قبر الرسول، والاكتفاء بالصلاة في مسجده على ‌امل ان يأتي اليوم الذي تتحقق فيه طموحات بعض الرموز خصوصاً الشيخ محمد عبد الوهاب الذي كان يقول انني لن ارتاح هناك، مادامت هذه القبة قائمة، فقبة الرسول تمثل بالنسبة اليه تحدياً في العقيدة وعليه ان يزيلها، لأنها تمثل برأيه الشرك، طبعاً هذه المستندات والمصطلحات لا جذور لها، نحن نعرف ان الرسول (صلى الله عليه وآله) وقف وبكى عند قبر حمزة (عليه السلام) وان زيارة القبور للعبر ولتذكر الموت والابتعاد عن الدنيا ليست شركاً، فليس هناك من يزور القبر ويعتقد ان الجثمان المدفون داخل القبر هو شريك في الخلق او اله، فكل من يزور القبور يعتقد ان صاحب الجثمان هناك وان الجثمان قد تحلل واصبح تراباً، انما يرمز ذلك الجثمان الى عمل صالح ولقيمة مقدسة في الدين، نسعى الى زيارة ذلك الشخص، من اجل استيحاء ما كان يمثله ذلك الشخص من قيمة دينية ومن رمزية جهادية او مبدئية تعيننا على‌ محاربة الشيطان في نفوسنا، وليس ابداً من منطلق ان ذلك الشخص يملك لنفسه نفعاً او ضراً، فالذى يملك النفع والضر، انما هو الله سبحانه وتعالى وهذا هو موضع اتفاق بين المسلمين وان اكثر من 90% من المسلمين لا يرون ضروراً او حرجاً‌ في زيارة قبور الاولياء، وذلك للتبرك وليس لإشراكهم في اي شيء مما هو من اختصاصات الله سبحانه وتعالى، والمدرسة الوهابية التكفيرية السلفية هي وحيدة في نوعها، وليست موضع اتفاق بين المسلمين وانما حققت قدراً من القوة بسبب اموال النفط الهائلة التي وفرتها الطاقة النفطية لدى الحكومات بمنطقة الخليج الفارسي، خاصة السعودية، وهذه الاموال وجدت طريقها الى المؤسسات الاسلامية في كافة انحاء العالم، فأنتشر المد الوهابي والمد السلفي في اغلب دول العالم، اما من حيث القوة الفكرية والفقهية، فليس هناك ارضية قوية تستطيع هذه المدرسة الاتكاء عليها ومواجهة آراء المسلمين والفقهاء، الذين لا يؤمنون بما تؤمن به.


• تاج بخش: مع انكم تفضلتم وقلتم بأنكم غير مسلمين بالفكر الذي يستند له السلفيين، لكنني اراكم تستطيعون القاء الضوء اكثر على مذهب محمد عبدالوهاب، الذي اعتمد التكفير والتهديد بهدر دم الشيعة؟


• سعيد الشهابي: يعود الامر الى قرابة مئتي سنة، منذ بدء تعاون الشيخ محمد عبدالوهاب مع الملك سعود آنذاك ونجم عن ذلك التعاون والتحالف قوة سياسية انتشرت في الجزيرة العربية، وهذه الدعوة وجدت لها اصداء عند بعض القبائل في الجزيرة العربية، وقامت بالاعتداء على بعض دول الجوار، ووصلت الى عمان وضربت عمان وايضاً البحرين، وايضاً وصلت العراق وقامت بتدمير كربلاء وبعض اجزاء قبر الامام الحسين (عليه السلام) هذا التاريخ ظل متواصلاً حتى مطلع القرن الماضي من العشرينات من القرن الماضي، عندما تحالف الملك سعود بن عبدالعزيز مع المدرسة التي نشأت وفقا لتعليمات الشيخ محمد عبدالوهاب، توافق الطرفان واقاموا الدولة السعودية، اليوم الدولة السعودية لا ندري من هو اسير من، هل هي الدولة السعودية اسيرة التيار السلفي، ام ان التيار السلفي خاضع لهيمنة الحكم السعودي، مهما كان الامر فهناك تحالفاً يهدد، ليس امن الجزيرة العربية فحسب، بل يهدد امن العالم، فالعالم ادرك خطورة هذا النمط من التفكير، الذي لا يؤمن بالانسانية ولا يؤمن بالوحدة الانسانية، وحدة التراث الانساني وقداسة النفس البشرية، وقداسة وكرامة نفس الانسان التي كرمها الله سبحانه وتعالى بقوله (وقد كرمنا بني آدم) يعني هناك افكار خطيرة جداً، تدميريه، تبيح وتجيز القتل والتدمير، كما نراه الآن في العراق وكما رأيناه في الاردن في العام الماضي، وكما حدث في المملكة العربية السعودية نفسها، ولا استبعد ان هذا التيار سوف يعمل عمله، داخل الجزيرة العربية نفسها، وسوف تجد الحكومة السعودية نفسها آسفة على الدعم الذي قدمته لهذا التيار الذي اصبح يعادي بقية المسلمين، ويعتبر كل من سواه من المسلمين انما هو في اطار الشرك، وبالتالى فهو يستحل دماؤهم ولا يتعفف عن ضربهم والحاق الاذى بهم بأي شكل من الاشكال، والتراث ليس جانباً من الحرب التي تشن ضد التراث الانساني والاسلامي مع الاسف، اننا ما زلنا لم نسمع اصواتاً قوية ضد هذا التوجه، للحد من انتشاره، لأن انتشاره يهدد ليس غير المسلمين فحسب، بل يهدد المسلمين انفسهم،‌وليس الشيعة فقط من بين المسلمين، ولكن بقية المسلمين في شرق الارض وغربها.


• تاج بخش: وهل ظاهرة هدم القبور برأيكم هي ظاهرة جديدة، ما هي امثلتها التاريخية ان وجدت؟


• سعيد الشهابي: حسب اطلاعي ليس هناك ظاهرة، في التاريخ البشري تستهدف القبور، هناك طبعاً سراق آثار ينبشون القبور لبيع قطع من الجثث المدفونة وهذا لا يأتي من منطلق عقيدة او دين وانما من منطلق اجرامي بحت، فعادتاً جثث الموتي لها قداسة في كل الاديان وفي شرق الارض وغربها، وليس هناك في علمي ظاهرة في التاريخ البشري، قامت على‌اساس نبش القبور والتمثيل بالجثث، ولو اننا نقرأ احياناً بعض المجرمين (كما يحدث احياناً في العراق) تسرق الجثث ويمثل بها، وهذه القصص التي رويت مع عدم التأكد من صحتها، تعكس نمطاً جديداً في التفكير، وهو نمط خطير جداً، وعلى كرامة‌ المسلمين، وعلى القيم السماوية التي جاء بها رسولنا العظيم محمد (عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام) هذا الدين الذي لم يستطيع احد النيل منه.


• تاج بخش: وما هي تداعيات الاعتداءات على المساجد والقبور والآثار الاسلامية في العلاقات بين اتباع المذاهب الاسلامية؟


• سعيد الشهابي: من حسن الحظ ان المسلمين لم يتأثروا كثيراً، والعلاقات بينهم لم تتأثر بهذه الاجراءات، لأنهم يعلمون ان الايدي التي تمتد الى آثار رسول الله، لن تمتنع عن الامتداد الى من يخالف اصحاب تلك الايدي في المعتقد، او في النظرة الفقهية او في الممتلك الفكري، وبالتالي مازال المسلمون عموماً يزورون قبر رسول الله، واذا كانوا يزورون قبر الرسول الشريف، هم لن يجدوا غضاضة من زيارة ابناء رسول الله، وذلك من اجل الاتعاض والسلام والتبرؤ، وليس من اجل التقديس او الشرك، فالمسلمون نحمد الله ان آثارهم لما لديهم من العقل والحكمة والفطنة وعدم انخراطهم في الطريق الخطأ الذي يؤدي بأهله الى تدمير انفسهم، بقيت آثارهم محفوظة، فعلاقات المسلمين ماتزال قويه، وبرغم الاثارات التي تثار هنا وهناك، والتي تستغل من اجل تكريس انظمة حكم مستبدة في عالمنا الاسلامي، مازال المسلمون متقاربون في الافكار والمواقف والسياسات.


وها هم جميعاً يقفون لحماية المسجد الاقصى، ولماذا يقف المسلمين في مغارب الارض ومشارقها متضامنين تجاه اي مساس في المسجد الاقصى؟ اليس في مسجد الاقصى رمزية؟
اقول ان المسلمين لم يتأثروا كثيراً والحمدلله بهذه الدعوات، لأنها دعوات شاذة ولا تستند الى القرآن او سنة رسول الله، او سنة اهل بيته او صحابته الاخيار، وبالتالي فإن دعواتهم مرفوضة ولن تجد لها صدى واسعاً في اوساط المسلمين، وهذا من فضل الله على هذه الأمة.


• تاج بخش: وهل تستطيعون تقدير حجم الآثار الاسلامية التي تم تمديرها في السعودية نسبياً؟


• سعيد الشهابي: حجم الآثار الاسلامية التي دمرت، حسبما كتبه السعوديون بأقلامهم في صحافتهم، لا يقل عن 90% مما هو موجود، على ان الملاحظ ان الآثار التي تتعلق باليهود في خيبر،‌ما تزال موجودة ومحفوظة، وهناك رحلات في الآونة الاخيرة، كما قرأت قبل بضعة ايام، قرأت ان الجهات السياسية تهتم بترويج السياحة في المملكة وانها تأخذ بعثات وتشجع الناس على زيارة منطقة العلى القريبة من تبوك في شمال المدينة المنورة، وفي منطقة اخرى بأسم المبيات –كما قرأتها باللغة الانجليزية- لجهة وجود بعض الآثار في تلك المنطقة والتي حوفظ عليها، خصوصاً آثار اليهود، وهذا شيء مثير للتساؤل، كيف ان آثار المسلمين تنتهي في الجزيرة العربية ويقضى عليها، بينما يتم الحفاظ على كل ما احتوته منطقة خيبر وتبوك من آثار، لأن لها علاقة باليهود، وكذلك ايضاً هناك آثار مرتبطة بالملك عبد العزيز، سور الرياض، وكلما هو متعلق بتاريخ الدولة السعودية، هذه يتم المحافظة عليها، بينما الآثار التي تعود لرسول الله وآل بيته يتم القضاء عليها، انا لا اعرف ما هو المنطق الذي يحكم هؤلاء ويرشدهم ويدلهم الى الطريق الخطأ، هذه الازدواجية في المواقف لجهة تحريم كل ما له علاقه برسول الله وآل بيته، وهناك تقديس واحترام واحتفاظ بشكل كامل بآثار اليهود والملك عبد العزيز وربما غيرهم.


التدمير في السعودية خطير ولذلك الآن بدأت الاصوات التي ترتفع في المملكة العربية السعودية بقوة ضد استمرار المسلمين، يعني ما قيمة دولة ليس لها تاريخ؟


• تاج بخش: برأيكم ما هي الاضرار المترتبة على محو الآثار الاسلامية؟


• سعيد الشهابي: كما ذكرت فأن الآثار هي انعكاس لتاريخ الامة، ونمط حياة اجيال متعاقبة، تبلغ آلاف السنين ، نحن نرى في مصر الآن الاهرامات ولا نعرف ما سبقها اي قبل اربعة آلاف سنه لذلك في الوقت الذي قد يدعو البعض الى القضاء على آثار ما قبل الاسلام، فأنا شخصيا لا ارى لذلك سبباً، بل اراه ضرراً، واعتقد ان من الضروري ان تتواصل الانسانية، وان تتواصل في التعرف على اجيالها، وعلى عطاءات اجيالها، ومنها الاجيال التي سبقت الاسلام، فعندما يذهب السياح الى مصر ويشاهدون الآثار الفرعونية، يدركون نمط الحياة آنذاك ويتعظون ويقولون هذه آثارهم تدل عليهم، فأين هم؟ فأنا اعتقد انني عندما ارى آثار الفراعنة في مصر، فأنني ازداد ايماناً بالخالق وليس العكس، واقول: اين فرعون؟ واين من بنى هذه الاهرامات؟ اين هؤلاء الذين جائوا بأكثر من مليون صخرة لبناء كل واحدة من هذه الاهرامات؟ اليس ذلك دلالة على عظمة، الله الواحد، الذي لا ينتهي ولا يفنى، فهذا فيه رسالة سياسية، يعني الآثار ايضاً فيها رسالة سياسية، هذا بالاضافة الى الرسالة الدينية والعقائدية، يعني ان العظماء مهما كانت قوتهم، وان كانوا حكاماً، فهم ينتهون، حتى لو كانوا علماء وفقهاء ايضاً ينتهون، لكن يبقى فعلهم وعلمهم ينتفع به الناس، وحتى الفكر ايضا له دلالة ورمزية، عندما اقرأ فكر ابو حنيفة وبقية الفقهاء، اقرأ من ذلك عقلهم وفكرهم ونظرتهم الى الدين وعلاقتهم فيما بينهم، انا عندما ارى اليوم ان العلاقات يسعى البعض لتوتيرها بين الشيعة والسنة مثلاً، انظر الى تاريخ الاسلام الاول وارى كيف ان رواد المذاهب الاسلامية، ابوحنيفة والامام احمد، كانا يجلسان مع الامام الصادق (عليه السلام) وكلهم كانوا زملاء في الدراسة.


وان الامام كان يحضر في درسه عدد كبير من هؤلاء الفقهاء، وكانت علاقاتهم جيدة، ولم يكونوا على عداء، بل كانوا يتحدون ويتفقون حتى في الموقف السياسي، نعرف ان الامام زيد بن علي (عليه السلام) كان قريباً جداً من ابى حنيفة وتعاون معه في مواجهة الدولة الأموية، وحتى استشهد زيد بن علي (عليه السلام)، اقول عندما اقرأ آثار السابقين استفيد من تجاربهم كثيرا، وهذه التجارب تنعكس حتى على حياتي، وبالتالي ان هذا العطاء والتراث هو مصدر استمد منه ما يعينني على شق حياتي شكل يزيدني شخصية ويفيد الأمة من حولي، ويزيد البشرية، فالاسلام جاء لخدمة الناس والبشرية، وليس قوم دون قوم فالحضارة الانسانية استفادة من المسلم وغير المسلم، وانصهر في منطقتها علماء المسلمين وغير المسلمين، فعبد الله بن ميمون كان يهودياً، وقد اجبره احد الخلفاء على الاسلام، ثم اشتكى فقيل له لك ان تعود عن الاسلام ان شئت وتعود الى يهوديتك، فبقي يهودياً، ولكنه يصنف ضمن علماء الحضارة الاسلامية، اقول ان حضارتنا الاسلامية كانت تضم وتجذب، اما الآن فما هو مطروح من ثقافة انما يهدف الى تنفير الناس من بعضهم البعض وتشكيك الآراء داخل الكيان الاسلامي وغيرهم، وهذه من الخطورة بمكان، بحيث انها تنذر بحروب تأتي على الاخضر والياس، فأنا اعتقد ان هذه الآثار وهذا التراث من الضروري ان يبقى خالداً لكل الامم، لأن فيه تواصلاً انسانياً ضرورياً لتقدم الانسانية وضرورياً للتصرف على مواقع الضعف والخطأ في ذلك التاريخ الطويل من اجل اصلاحه والمضي قدماً في بناء حضارة تفيد الناس والبشر، وهذه الحضارة مهما كانت لن تستطيع ان تبتعد عن الله، الله سبحانه وتعالى الذي ارسل الرسل هو كفيل بهداية الناس ونحن نعتقد ان دين الاسلام قادر بحضارته وثقافته بأن يهدي الناس، وكثير من الناس تأثروا بالاسلام من خلال فنه وحضارته وتأثروا حتى بالخط الاسلامي، فبعض الناس اعلنوا اسلامهم، لأنهم رأوا في انسياب الخط العربي- الاسلامي، دليلاً على قدر من الطمأنينة والامن الداخلي، لدى الانسان المسلم، فأستجابوا لدعوة الاسلام ودخلوه من خلال الآثار والفنون، اما نحن فنسعى لضرب انفسنا بأنفسنا احياناً ونسعى لضرب ديننا شئنا ام ابينا، وانا لا استبعد وجود ايدي خفية، تحرك هذه التيارات وهذه الاتجاهات للقيام بما تقوم به.


• تاج بخش: وكيف يمكن قراءة موقف المؤرخين والمفكرين والمهتمين بالآثار السعودية؟


• سعيد الشهابي: المشكلة اننا في الخمسين سنة الاخيرة عشنا مرحلة المال النفطي الهائل الذي يغلق الافواه، اننا الآن لا نعيش عالم القيم والثقافة والفكر، انما نعيش عالم المال والجاه والسلطة والسلطان، وبالتالي فأن هذا العالم لا نرى فيه صعوداً ونبوغاً لعلماء ومخترعين ومفكرين وعباقرة وفلاسفة، هذه الفترة انما تأتي عندما يزدهر العلم ويصبح للعالم دوره، يصبح للعالم قيمته، عندما يقال ان مداد العلماء افضل من دماء الشهداء، مع التحفظ على ما قد يفهم من هذا الحديث، الشهيد خالد عند الله يرزق ولكن العالم ايضاً مداده وقلمه له دور كبير في صناعة‌ الانسان في بناء البشر، وبناء القيم والاخلاق وصناعة الامم والحضارات، فأقول اننا نعيش في القرن الاخير حالة مادية مفرطة، اتت على قيم العلم وقيم الثقافة، واصبحنا نعيش ثقافة سطحية، تسطيح الثقافة هو ليس من صالح اهل الفكر، واهل العلم، بل هو من صالح الحكومات المستبدة التي ترى ان الفكر عدو لها، لا يمكن ان يكون هناك عالم ومفكر، وهو يوالي مستبد وظالم لا يمكن ان يكون هناك فقيه كأبي حفيفة، فأبي حنيفة استشهد في السجن وتحت السياط والتعذيب، لأن العالم الكبير لا يمكن ان يتعايش مع الظالمين ، ولذلك هم لا يريدون العلماء مستقلين بعلمهم، اقوياء، عمالقة في التفكير واصوليين فقهياً، انما هم يريدون اتباعاً ويريدون وعاظ يسيرون في فلك السلاطين،‌ كما حدث في الفكر المسيحي، الملك هنري الثاني، الذي قسم الكنيسة الى قسمين، لأنه كان يريد ان يتزوج اكثر من امرأة، كان يريد امرأة تنجب له ولدأ، ولكن تعليمات الكنيسة كانت تمنعه من الزواج، فأمر بتغيير قانون الكنيسة حتى تزوج ثماني نساء، ولم يكن ذلك الا بعد ان اقنع عدد من الرهبان بتغيير حكم الكنيسة، وانشقت الكنيسة بين مؤيد ومعارض لإجتهاد الملك.


اقول ان هناك من الحكام، من يستطيع التلاعب بالعلماء، وكسب المواقف، وكسب الاقلام، وشراء الذمم، وشراء الفقهاء ، ولذلك ظهر مصطلح وعاظ السلاطين، الذين يقرون كلما يفعله السلطان ويقول، اسمعوا واطيعوا ولو جلدوا ظهوركم بالسياط، ولو سلبوا اموالكم او هتكوا اعراضكم، هذه المقولة موجودة عند البعض، والحمد لله ان المسلمين الآن لم يعودوا يؤمنون بهذه المقولات، ولكن اقول ان الصمت الذي يتم حالياً، على هذه الجرائم الكبيرة، انماهو بسبب الثقافة التي تعرضها الاموال النفطية الهائلة، القادرة على شراء الكثيرين، مع ذلك اقول ان هناك وعياً اسلامياً صاعداً، وان الاموال النفطية لها حدود، يعني حدود بقدراتها، وبالتالي لن تستطيع ان تشتري الشرفاء واصحاب الضمائر واصحاب الاقلام الحرة، عندنا مشكلة الجانب الاعلامي، فما زال الاعلام خاضعاً لهيمنة اصحاب الاموال الهائلة، وهذا يؤثر الى حد ما، ولكن الحمدلله ان فطرة الله، التي فطر الناس عليها، تجعل الناس اقرب الى الدين الألهي منها الى دين السلاطين وثقافتهم وما يسعون لنشره من قيم لا تستقيم وثقافة الاسلام وتعاليمه، فهذا الصمت الذي نراه انما هو نتيجة هذه السياسة، السياسية التي يصرف من اجلها مليارات الدولارات، لمنع قيام الاسلام الاصيل، الاسلام الصافي الذي يكرم الناس يجذبهم بدلاً من ان يبعدهم ويخلق العقبات في وجه دعاة الله.


• تاج بخش: هل تتوقعون ان يكون هناك المزيد من عمليات الهدم، ماذا عن الكعبة الشريفة؟


• سعيد الشهابي: قلت قبل قليل كنت اتحدث مع احد علماء الآثار واتفقنا على انه من غير المستبعد ان تمتد الايدى الآثمه التي تطال آثار المسلمين، ان تمتد الى مساحات اكبر، وما شاهدناه من استهداف قبة العسكريين (عليه السلام) وهو صرح اسلامي يعود تاريخه الى القرن الثالث الهجري (يعني عمره اكثر من الف سنة) نراه قد سقط ركاماً بسبب نزوة لدى مجموعة من الاشخاص للقضاء على هذا الصرح العظيم. نراه قد تراكم في ثوان واذا به كأن لم يكن شيئاً مذكوراً.


اقول ان الفن الاسلامي فن جميل، يؤمه ويعجب به غير المسلمين، ربما اكثر من المسلمين، ومن يزور الآثار الاسلامية في الاندلس يعود وهو فخور بحضارة الاسلام وما استطاع المسلمون انجازه عبر العصور، وكذلك من يزور العراق والشام يجد آثار المسلمين واضحة، هذا نوع من التبليغ للدعوة الى الاسلام، اذا وجدت هذه الآثار، اتضح للآخرين:


اولاً: ان الاسلام قديم قدم الحضارات الثانية.


ثانياً: انه دين يؤمن بالفن والثقافة بشكل ربما يفوق الحضارات الاخرى.


ثالثاً: انه نظام توحيدي، فكل آثاره تشير الى الله، وتتجه الى الأعلى، وتتميز بمناراتها وافقها الذي يعتمد النجمة، والنجمة هي جزء من الكون، فهو دين يربط الانسان بالكون وبالطبيعة، وليس ديناً محصوراً بالخلاعة، وليس مهتماً بالفن الهابط الذي نراه هنا وهناك.


رابعاً: ان بأمكانك ان متديناً وان تتذوق الفن، وروح الفن العميقة التي لا تتوفر الا لمن لديهم حس مرهف وشعور عميق، واستمتاع بالطبيعة وما حولها، وبكافة المناظر الجمالية، الثقافة الاسلامية والتراث الاسلامي كثيراً ما نجد فيه الماء وهو ينساب، النافورات {وجعلنا من الماء كل شي حي} فآثار الاسلام من شأنها ان تكون وسيلة واداة للتدليل بالدين الاسلامي، وبدون هذا التراث، يصبح الاسلام ديناً كتابياً، وبعيداً عن الحياة والحس المرهف، وبعيداً عن الذوق الجمالي، وبعيدا عن المشاعر الانسانية، التي تتفاعل مع الذوق والحس الجمالي، اقول ان التراث الاسلامي هو احدى وسائل التبرير الى الله، وتوضيح ان الاسلام دين شامل كامل، فيه العقيدة وفيه الشريعة، وفيه الفن، وفيه المشاعر، وفيه رهافة الحس، وفيه كل تلك القيم الجمالية والروعة الاسلامية، التي تتجلى في آثار المسلمين وبدون هذه الآثار، سيـظل الاسلام ديناً جامداً صحراوياً، مرتبطاً بصحراء الجزيرة العربية فقط.


واذ اننا نعرف ان الاسلام قد تجاوز الحقبة الصغيرة، القصيرة الاولى، وامتد الى كافة اطراف الدنيا، وشيد حضارة بقيت آثارها حتى اليوم، وحتى في الجزيرة استطاع تحويل تلك الارض القاحلة وذلك الشعب القاسي والعنيف الى شعب مطيع لله، يتذوق معنى العبادة، ويخشع امام عظمة السماء، فتستقر في نفسه قوى الاسلام والايمان، ويستطيع ان يصدر تلك القيم الى الآخرين لينقلهم من الظلال وليهديهم الى طريق الاسلام.


• تاج بخش: يقال ان الحجازيين هم الخاسر الأكبر دينياً وسياسياً من عمليات الهدم التي نفذت على يد السلفيين، فكيف اتيح للحركة السلفية- الوهابية، فرصة هذا الانقضاض على ما تبقى من الآثار الاسلامية في الجزيرة العربية؟


• سعيد الشهابي: هذا سؤال يعود بنا الى التاريخ والى الوراء كثيراً، يعني الى الصراعات التي شهدتها الجزيرة العربية، في القرنين الماضيين، منذ دخول الحركة الوهابية، وبالتالي ايضاً يضطرنا الى فتح ملفات تود الحكومة السعودية ان تظل مغلقة، النظام القائم الحالي في المملكة العربية السعودية، قام بعد ان تمكن الملك بن عبدالعزيز في التغلب على بقية القبائل في الجزيرة العربية وذلك بعد ان تمكن بمساعدة لورانس العرب.


ودخل الجزيرة وضرب الافغانيين عبر ما سمي آنذاك بالثورة العربية في 1917-1916، وتزامنت تلك الحركة مع صدور وعد بلفور الذي ادى الى قيام الكيان الصهيوني لاحقاً، في تلك الفترة، كانت فترة مخاض بين التخطيط لاسقاط الحكم العثماني، الذي سقط لاحقاً بعد بضع سنوات وفي 1924 وبين التدخل البريطاني، الذي دخل الجزيرة العربية عن طريق لورنس العرب، واصبح عاملاً مهماً في مواجهة الحكم العثماني، حتى انتهى بطردهم من جزيرة العرب، في تلك الفترة استطاع الملك عبدالعزيز ان يمتد بنفوذه فقضى على حكم ابن بشيت، وقضى على اي مناويء له في الجزيرة العربية وفي الحجاز، واستطاع في الثلاثينات من القرن الماضي بأقامة حكمه واصبح النجديون هم المسيطيرين على الجزيرة العربية، هذا التاريخ ما يزال حاضراً في اذهان الكثيرين، الذين هم اليوم يشعرون بأنهم مهمشون وان القضاء على هذه الآثار انما هو قضاء على هويتهم، فأغلب الآثار الاسلامية هي في الحجاز، مكة والمدينة والطائف وجدة، وكلها موجودة بالحجاز، وبالتالي القضاء على هذه الآثار هو قضاء على ثقافة اقليم وشعب موجود منذ بداية الاسلام، بفضل الوريث الطبيعي لذلك التراث ورثه عن آبائه واجداده، هؤلاء النجديون يشعرون انهم مهمشون ثقافياً وسياسياً، وليس لهم وجود حقيقي في انظمة الحكم، وليس لهم دور كبير في السلطة المركزية في نجد، هذا الصراع ينظر اليه الباحثون على انه احد الاسباب التي يحتمل ان تلعب دوراً في اي صراع داخل المملكة العربية السعوديه، لذلك الآن هناك خشية على النظام في داخل المملكة من التفكك، لإسباب كثيرة، وان كان الامريكيون ما يزالون يدعمون هذا النظام لإسباب خاصة، ولحرصهم على الاستمرار في الحصول على النفط بأسعار زهيدة ومعدلات ضخ كافية، مع ذلك ان هؤلاء الامريكيون يشعرون ان هذا النظام اذا بقي على ما هو عليه قد يصاب بالتصدع وينهار، لأن هناك صراعات عرقية- مناطقية- اقليمية، داخل هذا الكيان، لم يستطيع الحكم على مدى ثمانين عاما من التغلب عليها وصهرها في بودقتة، وبالتالي فالحجازيون يشعرون كما يشعر ابناء المنطقة الشرقية، كما يدعو ابناء نجران كما يدعو الاسماعيليون، بأنهم مهمشون جداً في الادارة المدنية، فالخوف لدى الاسرة الحاكمة في السعودية من ان يجتاحهم الطوفان وينتهوا، كما انتهت غيرهم من الحضارات والحكومات القبلية او العشائرية التي قامت بمناطق عديدة من العالم العربي.


• تاج بخش: في نفس السياق كيف تنظرون الى تدمير ضريح العسكريين؟


• سعيد الشهابي: يعني هذه مأساة لا تقل خطراً، واراها امتدادا للمأساة التي تعيشها الجزيرة العربية، انا لا ارى اي مبرر منطقي في ان تستهدف اماكن العبادة، القرآن الكريم يقول ان صراع المصالح بين الناس هو الذي يحافظ على دور العبادة {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} لولا التوازن فيما بينهم، لهدمت الصوامع والصلواة ‌والمساجد وبيوت الله كثيرا، يعني الامر الطبيعي هو الحفاظ على دور العبادة، والمعروف كما يخبرنا التاريخ ان الخليفة عمر بن خطاب عندما ذهب الى الشام وفلسطين، طلب منه بعد فتح مدينة القدس على ايدي المسلمين طلب منه بطريارك القدس ان يصلي في كينسة القيامة، ولكن الخليفه عمر رفض وقال اذا انا صليت في هذه الكنيسة سوف يطالب بها المسلمون لاحقاً ويعتبرونها ارضاً اسلامية وتؤخذ منكم، فأستأذنه وصلى في ساحة اخرى، وثم بني في تلك الساحة مسجد عمر لاحقاً، وبالتالي الخلفاء بالأساس لم يريدوا ان يشعلوا الصراعات مع غيرهم، وتاريخ الاسلام يؤكد ان المسلمين لم يهدموا الكنائس ولم يعتدوا على دور العبادة في اي مكان، هذا تاريخ الاسلام، يذكرنا ويقول لنا ان قيم الاسلام ترفض الاعتداء على دور العبادة، والاسلام ينهانا عن التعرض لمعتقدات الآخرين، والا لفقد التوازن، والا لكانت الحضارة الاقوى تهدم كل الحضارات الباقية وكل دور العبادة التابعة للآخرين، وبالتالي تحدث حالة توتر لا تنتهي، الاسلام ينهانا عن ذلك، وانا استغرب ممن يستهدفوا دور العبادة، قبر العسكريين لا اعرف ماذا يمثل من تحد سياسي لأحد، وماذا يمثله من هدف استراتيجي او عسكري، فهو واقع في منطقة اصلاً تعارف فيها العراقيون وتعايشوا شيعة وسنة على مدى العصور، ان يحترموا هذه الاماكن، وقبر العسكريين يقع في منطقة سنية وخاضعة الآن للوقف السني في العراق، وذلك بسبب عدم وجود خلاف بين الشيعة والسنة على مدى التاريخ بينهما، واستطاعوا هؤلاء على مدى العصور التعايش فيما بينهم، مع ذلك نرى هذا الاستهداف، الى ماذا يهدف الاستهداف يهدف لإثارة الفتنة ، اثارة الشيعة ضد السنة، لا ادري، فهو يستهدف كل هذه الامور واعلم ان من وراءه لا يوجد هدف عسكري.


ولا يمثل اي قيمة عسكرية، فالأعتداء على قبر العسكريين بداية لإستهداف بقية دور العبادة، وايضاً عاملا من عوامل الفتنة ، لأن اكثر شيء يثير الفتنة هو التعرض لمعتقدات الآخرين.
نسمع في الهند ان الفين من المسلمين قتلوا، وعندما دمر مسجد جامع آيوديا- الجامع الكبير، قبل سنة 1992، قتل الآلاف من المسلمين، لأن الهندوس والمتطرفين كانوا آنذاك في موقع الحكم، وقد حماهم الحكم، فقاموا بتدمير ذلك المسجد الذي كان عمره اكثر من الف عام، وادى ذلك الى مذبحة بشرية هائلة، الاقتتال العقيدي خطير جداً، التلاعب بعواطف الناس ، واستهداف اديانهم ومعتقداتهم، هذه فتنة كبيرة جداً، يجب على العلماء والذين يعنيهم الامر ان يبذلوا جهودهم لمنع قيامها، لأنها اذا اتت فلن يسلم من نارها شخص او بلد او دولة او مسجد، فهي ستقضي على الاخضر واليابس، فلولا حكمة المرجعية ، لكان ما حدث في جامع العسكريين يؤدي الى فتنة، فالمرجعية الدينية بالنجف دعت الى عدم استهداف اي مسجد آخر، لأن مسجد السنة هو مسجد المسلمين ومسجد الشيعة كذلك، علماً بأن هذه المساجد لا يدعو منها الا عبادة الله وحده. والذين لا يشركون به ابداً، فليس هناك مسلم ( شيعي او سني) يهدف من الصلاة في اي مسجد الا التعبد لله سبحانه وتعالى، واثارة هذه القضايا انما هم من اعداء الامة الذين لا يريدون مصلحة لها ويخططون للقضاء عليها من خلال اثارة الفتن التي لا مبرر لها لو ترك للعقل خياراً.


• تاج بخش: يعني انتم تريدون ان تقولون ان مسألة محو الآثار الاسلامية في السعودية هي شأن المسلمين كافة وليس شأناً سعودياً فقط؟


• سعيد الشهابي: الاسلام ملك للجميع، القرآن هو للجميع رسول الله هو لجميع المسلمين، آثار رسول الله للجميع، هذا ليس ملكاً شخصياً، هذا ليس بئر نفط يعود للعربية السعودية، يملكه اهلها، فالنخلة التي تنمو في المدينة المنورة او في الطائف هي ملك لأهلها مباشرة لكن هناك امور اخرى تخص المسلمين جميعاً ولا يملكها احد، لا يمكلها الحكم السعودي، رغم ان لها ابعاداً سياسية، اشير الى لفتة جيدة ان الملك فهد سمى نفسه خادم الحرمين الشريفين، انا اعتقد ان هذه لفتة ايجابية مهماً كانت دوافعها، هي لفتة ايجابية، الملك الحالي (الملك عبدالله) مازال يسمي نفسه خادم الحرمين الشريفين، اعتقد انها ايضاً لفتة ايجابية، هو خادماً لها وليس مالكاً لها، وليس ملكاً للحرمين الشريفين، فهذا امر جيد تأخذه ونأخذ من تلك التسمية، ان الحرمين الشريفين ليست ملكاً للحكم السعودي، ولا لأهل الجزيرة العربية، ولا لأهل الحجاز وحدهم، بل هي لكل من يشهد الشهادتين ويقول اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهذه الآثار ملك للأمة، ولو قررت الحكومة السعودية، الاستغناء عن الكعبة، هل يسمح لها احد؟ ولو قرر احد في ايران الآن ان ضريح الامام الرضا (عليه السلام) يجب القضاء عليه هل سيسكت على ذلك بقية المسلمين الشيعة، ويعتبرونه شأن ايراني خاص، نفس الشيء يسرى على الحكومة العراقية وغيرها.


فلا يحق لأحد ان يقضي او ان يملك ما هو ملك للجميع، ما يمثل قداسة للجيمع، هذا ينطبق على كل شيء يعني، على كل اصحاب الاديان الاخرى، عندما دمر معبد بوذا في باميان بأفغانستان سنة 2001 على ايدى طالبان، ثارت ضجة البوذيين في كل مكان والعالم واليونسكو لأن هذا ليس ملكاً لأهل باميان فقط، صحيح ان طالبان كان يحكم باميان ولكن كان عليهم ان يراعوا ان لهذه الآثار اتباعا في كافة انحاء المعمورة، وان من الخطأ الكبير استفزاز المشاعر عبر التعرض لمقدساتهم، والامر نفسه ينطبق على الآثار الاسلامية في الجزيرة العربية، فمكان ولادة الرسول (صلى الله عليه وآله) كيف يزال ويقام مكانه حمامات او بيوت للأمراء وذلك استهتاراً بقيم المسلمين ومشاعرهم، كيف يمكن ان يقبل المسلمون بذلك، تدمير البقيع، والقبة التي تعلو قبور آل بيت الرسول هل كان هذا من حق احد في السعودية؟


تدمير المساجد السبعة في المدينة هل كان يحق لأحد ذلك؟
يعني هذه الامور غير معقولة، ولا ادري ما الذي يحدث وكيف ستكون ردة فعل المسلمين لو عرفوا حقيقة ما يجري الآن؟ لا اعتقد ان مسلماً سوف يسكت على تدمير ما يعتقده امراً مقدساً لديه، فهو مقدساً ليس في ذاته، مقدساً لأنه ينتمي الى تاريخ الدين الذي يعتنقه، لا احد يقدس الاحجار او يعبد الاحجار في الاسلام، فالمسلمون السنة والشيعة لديهم عقول، وانهم لا يعبدون الاصنام، انما هم يعبدون الله جل جلاله، ويروا في عباد الله الصالحين، وعلى رأسهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآل بيته والصحابة الطيبين ، هؤلاء هم الذين وضعوا اسس هذا الدين، والذين عبدوا الطريق لنا لنهتدى الى الله، الغاية القصوى، فنشكرهم لأنهم هدونا الى ذلك الطريق، على اقل تقدير اذا كنت ضالاً وهداني احد الاشخاص وقال لي اذهب يميناً او يساراً حتى تصل لغايتك، اقول شكراً لك على هذه النصيحة، فما بال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي جاءنا بكل شيء، فنحن ندين له بكل ديننا، كيف نعامله ونعامل اهل الدين بهذه الطريقة؟


انا اعتقد ان هناك مهمةً ‌كبيرة تقع على عاتق الجميع، لأن نحمي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى الأقل نشكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ما قدم لنا من هداية، لكي نصل الى الله سبحانه وتعالى، الرسول هو طريقنا الى الله، ويجب علينا ان نشكره، ونحن نقدسه لا لشخصه فقط، انما لله، لأنه هو عبد الله وهو الرسول، نشكر الرسول لأنه جاء لنا برسالة جميلة- مفيدة- طيبة، فنحن نكن الاحترام والتقديس لرسول الله وآل بيته لأنهم وقفوا من اجل عقيدة التوحيد الخالص ولله سبحانه تعالى، للقرآن ، لتعاليم السماء، ولذلك نحن نقدس هؤلاء، ولا نقبل بأن يعتدى عليهم بأي شكل من الاشكال.


• تاج بخش: بماذا تردون على الادعاء‌ السلفي- الوهابي بأن الحفاظ على التاريخ وآثار السابقين هو شرك؟


• سعيد الشهابي: سبقت الاشارة في الحديث الى ان آثار الأسبقين نحن مطالبون بالنظر اليها {افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت} عندما ننظر الى الابل نقول سبحان الله {والى السماء كيف رفعت} نحن لا ننظر للسماء ونسجد للسماء، لا ننظر للشمس ونعبد الشمس، نحن لا نسجد للشمس وللقمر، بل نحن نسجد لله سبحانه وتعالى، ننظر في هذه المخلوقات ، آثار عظمة الله، ننظر في آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) دليلاً على وجود ذلك الرجل والذى هدانا الى الله، ننظر في قبر العسكريين انه مسجد يضم رفات عبدين صالحين دعيا الى الله، واخلصا في دعوتهما الى الله ، وسعيا لتفهيم المسلمين جزءاً من رسالة الله، فنحن ننظر الى مرقد العسكريين، ليس لأنه جميل او مطلي بالذهب والفضة، لأننا نقدس الامامين على الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام) وانما لأنهما كانا عبدين صالحين من عباد الله، وكانا من آل بيت رسول الله ، وننظر لغار حراء انه المكان الذي صلى فيه رسول الله وتعبد، ورسول الله هو ذلك الشخص الذى هدانا الى الله، ننظر الى الموضع الذي ولد فيه على انه منطلق الهداية الى الله، وننظر الى منزله المطمور، على انه المنزل الذي نزل به الوحي من الله على يد جبرئيل الى‌ رسول الله ليهدينا الى الله، ننظر في تلك الآثار كلها على انها طريق الى الله، وليست مقدسة بذاتها،‌فلا مكان للشرك، فنحن لا نصلي الا لله، ليس هناك مسلم يصلي لغير الله، نحن المسلمون جميعاً متفقون في اوقات الصلاة والصيام وفي الحج وفي العمرة وفي الزكاة ، وفي كل دقائق الدين، فنحن متفقون على ان ذلك كله من اجل نيل رضا الله سبحانه وتعالى، فنحن لا نسعى لإرضاء شخص، بل نحترم عالم الدين وحتى هؤلاء السلفيين، فهم يحترمون علمائهم، يعني عندما يخرج عالم سلفي يفتي، يتناقل اتباعه الفتوى، ويحترمونها، ولو اردنا التعرض لذلك العالم، لمنعنا من ذلك، لأنه يرون فيه قداسة التبليغ من وجهة نظرهم ، نحن نرى في اولئك العظماء الصالحين قداسة تبليغ رسالة الله، فكيف لهم ان يحترموا علمائهم ورموزهم، ولا يسمح لبقية المسلمين ان يحترموا علمائهم وائمتهم وهداتهم؟


الشرك كلمة حق يراد بها باطل، لن يثبت ان احد من المسلمين اشرك بالله، نحن لا نستمد العون الا من الله، ولا نؤمن الا بالله، ولا نصلي الا لله، ولا نؤمن الا بكتاب الله، ولا نقدس ولا نتبع الا سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعندما نؤمن سنة اهل بيته (عليهم السلام)‌فإنما كل منهم يقول: سمعت جدى رسول الله يقول، فنحن عندما نستمع الى حديث عن اهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) انما نستمع احاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) فليس هناك احد منهم الا يقول: قال جدى رسول الله (صلى الله عليه وآله): بل حدثني ابي عن ابيه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنحن لا نقدس احداً بذاته او لعينه، انما لأنهم كلهم دعاة وهداة الى الله سبحانه وتعالى، فليس للشرك في قاموسنا مكان، وليس لعبادة غير الله في تاريخنا اساس، وليس لنا من معين وهادي ومعبود الا الله سبحانه وتعالى.


اقول ذلك وهذه هي عقيدتي، لكنني ارى ايضاً انني اتبرك واتشرف بالمكان الذي ولد فيه رسول الله، لأنه عبد صالح، ليس لأنه اله، لأنه عبد صالح وكل ابنياء الله موصوفون بالقرآن بأنه كان عبدأ من عباد الله ، فأذكر عبدنا ايوب واذكر عبدنا داوود، كلهم عباد الله ، فنحن نقدس اولئك العباد لأنهم عبدوا الله حق عبادته وندله لأنه كما نحن الآن، نحن اذا رأينا شخصاً‌ محترماً، نحترمه، واذا رأينا مصلياً عابداً، نحترمه ليس له شخصياً، وانما لأنه عبد مطيع لله ولا نحترم الشخص الذي يبتعد عن خط الله، لا نحترم من يشتم الله، لا نحترم المنحرفين، نحترم المستقيمين والعادلين والصائمين ومن هم على خط الله، فإذا جاءنا شخص وقال انه صائم، لأن اليوم يستحب الصوم فيه، نحترمه، نحترمه لأنه صام تعبداً الى الله،‌ اذاً ليست هناك قداسة لأحد، والقداسة وحدها لله سبحانه وتعالى والاحترام والتقدير والتجليل لكل من اخذ بأيدينا،‌وبذل حياته من اجل هدايتنا، لنصل الى طريق الله القويم، فطرة الله التي فطر الناس عليها ، ذلك الدين القيم.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع