شارك هذا الموضوع

انتخابات «مجلس الخبراء» و«هوية الثورة»

من «قصر» بهشتي إلى «فستق» رفسنجاني :
انتخابات «مجلس الخبراء» و«هوية الثورة»


لا أظنُّ أن أحداً ماثَلَ وضعاً لآية الله محمد حسيني بهشتي رئيس المجلس الأعلى للقضاء (سابقاً) في منهجية التشويه التي تعرّض لها كالشيخ هاشمي رفسنجاني، فقد كانت الإشاعات ضد بهشتي أشبه ما تكون بالجائحة التي فتّت بمقص منهجي الثقة والمصداقية والاحترام لدى قطاعات كبيرة من الإيرانيين والكادر الثوري تجاهه، حين ثُبِّتَ عنه بأنه رجل رأسمالي لديه قصر فاره في شمال العاصمة طهران، وبناية شاهقة استملكها منذ عهد الشاه محمد رضا بهلوي، وبستان مُترع بالآجام، وبعد استشهاده في حادثة تفجير مقر الحزب الجمهوري في 28 يونيو من العام 1981 تبيّن أنه لا يملك أياً مما كان يُقال، وعندما أُحضرت وصيته للمحكمة لتوزيع الميراث وُجِدَت فيها العبارة التالية " أوصي بعد رحلتي إلى الله بأن يعود ثلث بيتي السكني في طهران (قلهلك) شارع تورج - زقاق منطقي 9،8 وأثاث البيت لزوجتي السيدة عزّت الشريعة، وأطلب من الله تعالى لها ولأبنائي العيش بسعادة في سبيل الله " وكانت تلك صدمة كبيرة جعلت المُعزين في حسينية جمران ينتحبون بانفعال سماوي حتى حفرت الدموع وجناتهم .


واليوم ما يتعرض له الشيخ رفسنجاني أو "هوية الثورة" كما يُقال، لا يقلّ شراسة عن ذلك إن لم يكن أكثر، ببساطة .. الرجل يتحكّم في جزيرة كيش وله أبراج تجارية وبساتين لا تنتهي من الفستق في رفسنجان، وبدأت هذه الأقاويل تسري كالنار في الهشيم، بل أضحت ككرة الثلج تسمن كل حين، وعندما سُئِل الشيخ الرئيس عن حياته "المُرفّهة" المزعومة من قِبل الإعلامي قدرت الله رحماني الصحفي بجريدة كيهان المحافظة قال الشيخ " إنني أرى معيشتي معيشة الكفاف والعفاف، وهي لا تخلو من رفاهية لكنها في حدود كفاية حياة متوسطة " ويُضيف الشيخ " عندما مُنعت من ارتقاء المنبر في عهد الشاه، اتجهت للعمل كاسباً في مجال الأراضي والبناء، فازداد دخلي وتحسّن وضعي، وقد اشتريت حينها أرضاً خارج مدينة قم، وبعد شقّ الطرق ارتفع سعرها، فقمت ببيع قسم منها وإعمار القسم الآخر، وعندما دخلت السجن لعدة سنوات جرى إنفاق مقدار منها، ولما أُطلق سراحي وهبتُ قسماً منها إلى الطلبة المعوزين، وأهديت خمس قطع منها لأولادي الذين أخذوا ببيعها شيئاً فشيئاً وجعلوها نفقة لمعيشتهم أو لبناء بيوت لهم، ويوم انتصرت الثورة كنت أعيش في دار تقع في دزاشيب، والآن أعيش في دار مستأجرة أصغر بكثير من سابقتها، واستناداً إلى الدستور يتعين على رئيس الجمهورية عندما تنتهي ولايته أن يُقدم للسلطة القضائية قائمة بممتلكاته وممتلكات أبنائه وزوجته، وأنا قدمتها لآية الله الشيخ محمد اليزدي فوجد أنها قلّت وقد صرّح بذلك " .


 لقد توالى على تسويق ذلك بدعة الثراء المزعوم اليسار الديني الراديكالي بعد مجيئ حكومة الإعمار الأولى في 1989، ثم استفحلت تلك الحملة بعد تشكّل النيئيين من الإصلاحيين المتطرفين في النصف الثاني من عقد التسعينات، فهُشّم اسم الرجل لدى الشارع، لأنهم لم يكونوا يهتمون كثيراً لموضوع إبراز مشروعهم الانتخابي بقدر ما كانوا مُنهمكين في حرق الخصم وإسقاطه، حتى خسر الشيخ الرئيس جولة مُؤلمة في انتخابات المجلس السادس . وبعد احتساء أطراف من أقصى اليمين إبّان الانتخابات الرئاسية الأخيرة لشربة طاردة للوعي الحزبي والسياسي الذي ولغ فيه تيار الثاني من خرداد باكراً؛ بدأت تتشكّل لوبيات مناهضة داخل هذا التيار ضد الشيخ، إلى الحد الذي لم يتورّع فيه البعض لأن يأخذ راية الحرب ضده من خصمه القديم، وأن يُمارس ضده ذات الأساليب الرخيصة، فماذا حدا مما بدا إلاّ أن يكون الأمر مرتبط بمتغيرين اثنين، الأول هو عدم توحّد التيار المحافظ إبّان الانتخابات الرئاسية الأخيرة كما قلنا، وما آلت إليه الأمور لدى ذلك التيار ليُصبح شأنه شأن الثاني من خرداد، والثاني هو استعدادات الشيخ رفسنجاني لخوض انتخابات مجلس خبراء القيادة التي ستُجرى في شهر نوفمبر القادم . المتباكين على أحوال انقسام مجلس تنسيق قوى الثورة اليوم روّجوا على أن رفسنجاني كان أحد أسباب ذلك ونسوا أن قاليبف ونجاد هم أيضاً كانوا خارجين ذلك الإجماع، بل إن أحد أساطين اليمين وهو آية الله محمد تقي مصباح يزدي كان قد أعلن دعمه لأحمدي نجاد في الانتخابات الأخيرة جهاراً دون تنسيق مع المجلس أو حتى مع روحانيت، وبما أن مصباح يزدي هو أحد أهم المُؤثرين في التيار المحافظ، ولديه قواعد دينية وسياسية مهمّة في الدولة وفي المحافظات الإيرانية ومن بينها مدينة قم المقدسة، فإن ترشّح رفسنجاني في مقابل نجاد اعتبرته القوى المريدة لمصباح يزدي بأنه استفزاز لخيار اليمين الراديكالي، الذي سيرتكب خطأً فادحاً بتجاهله لرفسنجاني، بل إن ذلك قد يُؤدي إلى شرخ كبير في مسطرة المحافظين ستذهب بريحهم في أي انتخابات قادمة .


 إن الأمر الذي يجب أن يُدركه المحافظون الراديكاليون أن خسارة رفسنجاني لا تُماثل في أصلها ولا في نتائجها خسارة الآخرين ككروبي ومهرزادة وقاليباف ومعين وغيرهم، فهو إلى جانب تمتعه بمنصب هام في النظام؛ فقد كانت مشاركته أيضاً "فدائية" لهذا النظام الذي ينتمي إليه حينما دفع بأكبر عدد ممكن من الإيرانيين لأن يضطروا للمشاركة في هذه الانتخابات باصطفافاتهم المتنوعة وبالتالي استحصال أكبر عدد ممكن من المصداقية والمشروعية بمشاركة 28.175.975 إيراني، كذلك فإن خوضه الانتخابات ومن ثم خسارته أعطت للعالم أرقاماً جديدة في الديمقراطية الدينية وهي أن الأقطاب يُمكن أن يخسروا وينجح المغمورون، وما يجب أن يعيه غُلاة المحافظين أيضاً أن الظروف حين بدأت تُعطي الإصلاحيين المتطرفون فرصاً ذهبية لأن يتداعوا صوب رفسنجاني للتمركز حول نفوذه وتشكيل جبهة معارضة جديدة للنظام، استطاع رفسنجاني فهم هذا التكتيك وصرفهم عنه والبقاء في مركز المحور للجميع .


الدخول إلى مجلس الخبراء
في السادس من هذا الشهر زار رفسنجاني مدينة قم المقدسة والتقى بعدد كبير من مراجعها، وهي زيارة لها ارتباط أكيد بانتخابات مجلس الخبراء، التي يسعى إليها الإصلاحيون ربما عبر خاتمي وكروبي وحزب الثقة الوطنية، كما أن التباين لا يزال موجوداً داخل أروقة المحافظين وبالخصوص بين أنصار روحانيت مبارز وأنصار مصباح يزدي، وهو تحدي حقيقي يواجه المحافظين بعد إخفاقاتهم الحزبية في الانتخابات الأخيرة .


وبالنظر إلى الدوائر الانتخابية لمجلس خبراء القيادة يتبين أنها ستكون على مستوى المحافظات، بينما انتخابات مجالس الشورى المحلية تكون على مستوى المدن والقرى، وبما أن أعضاء المجلس يتم انتخابهم عن طريق اقتراع شعبي مباشر بحيث تكون لكل محافظة كان عدد سكانها نصف مليون نسمة مرشّح واحد، فإن أنظار القوى المحافظة بأطيافها المختلفة ستكون أكثر تركيزاً على المحافظات التي يكون لهم فيها حظوظ، أو لإعادة تأكيد حضورهم في الأماكن التي فازوا فيها، وإذا ما قرّر رفسنجاني النزول فإن المعادلة ربما تكون كالتالي :


أن تقوم جمعية علماء الدين المناضلين بفك الارتباط مع آية الله محمد تقي مصباح يزدي الذي كان أصلاً عن تخلى عن خيار اللجنة المركزية لها في الانتخابات التاسعة ولم يدعم رفسنجاني بل جاهر بدعم أحمدي نجاد، وإذا ما قامت روحانيت بهذه الخطوة فهذا يعني كسب أنصار القوى النافذة في النظام كآية الله جنتي وإمامي كاشاني ومهدوي كني وناطق نوري، وبالتالي فإن الجمعيات المؤتلة الإسلامية ومدرسي الحوزة قد تجنح صوب الخيار الذي قد تتخذه روحانيت لدعم رفسنجاني باعتبارها الممثل الشرعي لليمين المحافظ . النتيجة الأخرى وهي أن الأمور إذا ما آلت إلى المعادلة المذكورة فقد تدفع باتجاه تشكّل تحالفات جديدة ما بين القوى الدينية اليمينية واليسارية في مرحلة الانتخابات المذكورة، وربما يقبل اليسار الديني ذلك التحالف لأمرين، الأول يضمن قطع الطريق أمام اليمين الراديكالي من إحراز نسبة الغلبة في المجلس القادم، والثاني الاستقواء بأطراف يمينية نافذة في التحالف الجديد لتمرير أكبر عدد ممكن من رجال الدين المحسوبين على اليسار .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع