شارك هذا الموضوع

مجلس خبراء القيادة وحسابات

يبدو أن الموعد المضروب لإجراء انتخابات مجلس خبراء القيادة المعني بمراقبة الولي الفقيه قد حُسِمَ بعد تصريحات المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور في السادس من مايو الجاري بأن الانتخابات التكميلية "البرلمانية" في دوائر طهران وأهواز وبم الانتخابية ستجري تزامناً مع انتخابات مجلس الخبراء وذلك في السابع عشر من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، مع تواتر أنباء غير مُؤكّدة من جبهة الإصلاحيين تفيد بأن تلك الانتخابات ستتزامن أيضاً مع انتخابات المجالس المحلية التي فاز فيها المحافظون في العام 2003 بغالبية نسبية، وإذا ما أُخذت ضميمة إتمام انتخابات المجالس المحلية والبرلمانية مع موعد انتخابات الخبراء، فإن ذلك يعني أمرين، الأول هو بداية التطبيق العملي لمقترح حكومة أحمدي نجاد والهادف لتجميع الانتخابات المتعددة بغية زيادة الفترة الزمنية بين كل عملية وأخرى، ودمج الانتخابات التكميلية ضمن الانتخابات الرئيسية بحيث تجرى مرة كل عامين بدلاً من مرة كل عام ترشيداً للمصروفات العامة، والثاني الخشية من قلّة حجم المشاركة في انتخابات مجلس الخبراء، على اعتبار أن المجلس الأخير ورغم محوريته وارتباطه بالنواحي الآيدلوجية للنظام السياسي؛ إلاّ أنه بعيد عن قضايا التشريع والخدمات والمباشَرَة السياسية، وبالتالي فإن محاولة كسب أكبر عدد ممكن من المشاركة الشعبية خلال الانتخابات القادمة، سيعني استجلاباً لأقصى حد للمشروعية السياسية للنظام الإسلامي .


ما يُميّز انتخابات مجلس الخبراء هو أنها لا تعني إلاّ شريحة مُحددة تتمتّع بخصائص غير مُتاحة للعامة؛ وبالتالي فإن الأحزاب والتكتلات السياسية المنشطرة لا تدخل طرفاً في إرهاصاتها ونتائجها إلاّ من باب التماثل الفكري بينها وبين شخوص تلك الشريحة، خصوصاً بعد انسحاب الانكسارات الحزبية على خريطة توزيع القوى والأفكار داخل الحوزة العلمية، ليُصبح هناك مُجمّع مُدرسي حوزة قم العلمية ذو التوجهات اليسارية الدينية بالتحالف مع روحانيون مبارز الذي ينتمي إليه توسّلي ومحمد خاتمي ومحتشمي وخوئينيها، وتجمّع مُدرسي حوزة قم العلمية ذو التوجهات اليمينية المحافظة بالتحالف مع روحانيت مبارز التي ينتمي إليها ناطق نوري ومهدوي كني وغلام رضا مصباحي . " المُجمّع " الذي لم يحظى أعضاؤه تمثيلاً في المجلس الحالي (المنتهية دورته) إلاّ بعشرين "مجتهداً" أو أقل بدأ تحركه العملي بجلسات منتظمة مع حلفائه لتشخيص أجواء الانتخابات القادمة والتحذير من مقاطعة الانتخابات، وفي المقابل بدأ " التجمّع " الذي يمتلك تمثيلاً واسعاً في المجلس الحالي في خطوات مماثلة وتشكيل قوائم مشتركة على مستوى جميع أقاليم إيران، مع تزييت حذر في الخطاب الموجّه لمنافسه التقليدي، وهي خطوة قد تُفسّر على أنها تحرك مدروس لتفادي أي خسارة قد يُواجهها أمام خصمه في الانتخابات، وذلك في قراءة منه إلى أن النظام قد يُوسّع من مشاركة "المجتهدين" من ذوي التوجهات اليسارية الدينية لإيجاد توازن سياسي في الدولة والمجتمع بعد سيطرت المحافظين على التشريع والتنفيذ والخدمات، كما فعل سابقاً في انتخابات المجلس الثالث للخبراء في أكتوبر 1998 بعد سيطرت الإصلاحيين على ذات القوى ابتداءً من العام 1997 ولغاية العام 2004، وما تصريحات أمين مجلس صيانة الدستور آية الله جنتي بأن مجلسه لن يتحرى (الأحوال) الشخصية ولا عما يجري خلف ستار الأفراد، عند دراسة أهلية (المرشحين) خلال انتخابات الخبراء إلاّ تأكيداً على ذلك، رغم أن الإشكال الوحيد الذي سيبقى قائماً ومُختلف عليه هو أن يقوم فقهاء مجلس صيانة الدستور لإثبات أهليّة امتلاك المرشحين لمجلس الخبراء درجة الاجتهاد عبر إجرائه اختبارات تحريرية لهم في الفقه والأصول وباقي متطلبات الاجتهاد لكي يَثبُت لديه اجتهادهم وبالتالي أهليّتهم للترشيح وهو ما حصل فعلاً خلال الانتخابات الخبرائية السابقة وما أفضاه ذلك من قيام اعتراضات من اليسار الديني الذي اعتاد مرشحوه الدخول إلى المجلس عبر التزكيات الصادرة من مراجع دين كبار بالحوزات العلمية . وبالرجوع إلى مخاوف القوى المحافظة من نتائج الانتخابات القادمة هو إدراكها بأن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية لن يدخل طرفاً هذه المرة في موضوع الأهليّة كما فعل في انتخابات البرلمان السابع قبل عامين على اعتبار أن ذلك يُشكل إحراجاً لموقعية القيادة على اعتبار أن المجلس هو الذي يضطلع بها .


ورغم أن مجمع علماء الدين المناضلين (روحانيون) ورابطة علماء الدين المجاهدين (روحانيت) يشكلان القواعد الرئيسة للتنظيمات الحزبية في إيران، وتأثير ذلك على ثنائية التوزيع الحوزوي ما بين "مُجمّع" و "تجمّع" مُدرسي حوزة قم العلمية؛ إلاّ أن تياراً ثالثاً قد يتبلور خلال الأشهر القادمة ومحوره الشيخ الرفسنجاني، الأمر الذي يعني أن الأخير قد يُشكل كتلة دينية " موازية " لما هو قائم من خريطة دينية تقليدية على غرار ما فعله في العام 1996 بتشكيله لكوادر البناء ليدخل طرفاً رئيساً في المعادلة الحزبية مُستفيداً من كاريزمية الرجل وتاريخه الثوري إلى أن حصل على مواقع مهمّة في الدولة، مع الإشارة إلى أن العديد من القوى المحافظة بدأت تتوقع بأن المنافسة في انتخابات مجلس خبراء القيادة ستدور بين التيارات العلمائية التقليدية والتيار المتجدد صاحب الأفكار الحديثة، وبالتالي فإن دخول رفسنجاني وكتلته المرتقبة على الخط قد يُفهَم منه الرغبة في إيجاد توازن سياسي في المجلس القادم إذا ما فيه دخل اليسار الديني الراديكالي، رغم وجود تكهنات من مصادر مقربة من الشيخ رفسنجاني تفيد باحتمال عدم خوضه انتخابات مجلس الخبراء وتفرغه لمجمع تشخيص مصلحة النظام، وإذا ما حصل ذلك فإن الحظوظ داخل المنظومة المحافظة ستكون أوفر لأن يحصل أنصار مُنظّر التيارات اليمينية آية الله محمد تقي مصباح يزدي على نتائج مهمّة، بل واحتمالية أن يتسنّم الأخير رئاسة المجلس في ضوء الحالة الصحية غير المستقرة لرئيس الدورة الحالية آية الله علي فيض المشكيني بعد إجراءه عمليتين جراحيتين قبل أشهر .


التطور الدراماتيكي الآخر الذي قد يُميّز الانتخابات القادمة هو إمكانية دخول المرأة الحائزة على درجة "الاجتهاد" إلى المجلس بعد تأكيد عدد من الفقهاء بأنه لا يوجد أي عائق قانوني أو فقهي يحول دون ذلك، على اعتبار أن عبارة (خبراء القيادة) التي وردت في الدستور تشمل المرأة المجتهدة العادلة ولا تختص بترشح الرجل فقط، وهو تحوّل نوعي قد يُؤثر كثيراً على مسيرة النظام الإسلامي، وقد تُحسَب له أيضاً .

التعليقات (2)

  1. avatar
    محمد أحمد

    الي الاستاذ عبدالله أجد كثير الاطلاع على الشؤون الايرانية وكثير الاكتاه عنها ولكن سؤال هل أنت متخصص في الشؤون الايرانية أم ماذا ؟ وأستغرب لعدم تركيزك على قضياء مجتمعك والتي أراء ومن وجهة نظري القاصره باءنها أهم من الشؤون الايرانية

  2. avatar
    محمد عبد الله محمد

    الأخ العزيز محمد أحمد تحية واحتراماً شكراً على ملاحظتك واهتمامك أولاً، ثم أودّ الإشارة إلى أن البحرين نظاماً وشعباً فيها من الملفات والقضايا ما تشيب له الولدان، وقد تصدى لتلك الملفات عدد كبير من المهتمين بالشأن المحلي، ولا أرى قصوراً في ذلك الآن . رغم أن ذلك لا يعني أنني أكتب في شأننا المحلي متى ما رأيت ذلك مهماً . ثم أضيف أن اهتمامي بالشأن الإيراني هو لاعتقادي أن هذا الشأن يعتبر من الشؤون المهمّة والحيوية سياسياً وفكرياً، خصوصاً وأن العلاقات المتجمدة بين إيران والدول العربية بالتحديد بدأت تعود إلى ناصية الخير، وبالتالي فإن ذلك يتطلب فهماً لذلك الملف بالقدر الذي يخدم الصالح العام . شكراً على اهتمامك

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع