شارك هذا الموضوع

عندما يُصبح نجاد مُفكراً

على خلفية تأييد حركة الباحثيين التجديديين له
عندما يُصبح نجاد مُفكراً


بعكس ما كان يتوقع المراقبون فإن التصريحات التي أطلقها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد حول إسرائيل خلال احتفال " العالم بدون صهيونية " في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان الماضي لم يعد يُنظر لها على أنها لغة اصطفاتية عسيرة أربكت معادلة الصراع القائمة في منطقة الشرق الأوسط، بل إنها ولّدت حراكاً مُزدوجاً في واحدة من أهم القضايا الشائكة في علاقات العرب والمسلمين بدول العالم الأنغلوساكسوني، ففي مؤشر مُلفت صَدَرَت ردود أفعال مختلفة من شخصيات غربية بارزة محسوبة على الطبقة الوسطى أبدت تأييدها لما قاله نجاد، بشأن الهولوكوست وموضوع الصراع العربي الصهيوني، بل إن ذلك التأييد بدأ في التبلور على هيئة اصطفاف فكري متصاعد يسعى مُشَكِّلُوه للمساهمة بحبة رمل في الفوضى المُشَنَّة على الكيان الصهيوني في المنطقة . توريطات أحمدي نجاد الذي كان يعض على دفوعها بالنواجذ وسط تهكّم الداخل والخارج مازجت في كُنهها بين استقطاب القواعد الدينية في المنطقة وبالذات في الأمكنة الملتهبة والتي تطرب أذنها للغة الدوغمائية وبين استمالة بعض التيارات الفكرية في الغرب كحركة الباحثين التجديديين التي بدأت تُعاني من قوانين معاداة السامية المُجرّمة لكل من يُشكّك في المحرقة اليهودية، لذا فإنني سأسرد لبعضٍ من ردود الأفعال تعضيداً للحديث : بول فرام رئيس مؤسسة حرية التعبير قال تعليقاً على ما قاله نجاد أن الهولوكوست تحوّلت حالياً إلى دين وكل من يشكك فيها يتعامل معه بمثابة مرتد وهذا من الناحية العقلانية والمنطقية خطأ وخداع، وأن جميع الأسئلة المطروحة حول التاريخ يجب أن تكون موضع بحث ونقاش حر، أما الصحفي وكاتب القصص الشعبية إسرائيل شامير فقد أعلن احترامه لأحمدي نجاد واصفاً زعماء الكيان الصهيوني بأنهم قتلة وسفاكي دماء وقد حوّلوا الهولوكست إلى أسطورة، تعليق آخر صدر عن البروفيسور روبر فوريسون الأستاذ السابق بجامعة ليون الفرنسية وأحد أشد منتقدي الهولوكوست أعرب فيه عن تأييده لتصريحات الرئيس الإيراني بهذا الشأن طالباً من زملائه في أنحاء العالم دعم موقف احمدي نجاد، كما أعلن البروفيسور آرتور باتز أستاذ الهندسة الكهربائية والكومبيوتر في جامعة نورتوسترن في اونستون ايلينويز بولاية شيكاغو الأمريكية أنه يدعم ويساند تصريحات نجاد ويقدم له تبريكاته باعتباره أول رئيس دولة يبدي وجهة نظره في هذا المجال بشكل شفاف، مُعرباً عن أسفه لأنه (أي نجاد) ليس رئيس دولة غربية، الدكتور فردريك توبن مدير مؤسسة آديلايد في استراليا والباحث المحقق أعلن مُعَقّباً أن الهولوكوست ليست إلاّ أكذوبة سعى المبلغون لها إلى إخضاع الآخرين لسلطتهم، أما المحامي الألماني هورست ماهلر الذي أعتبر الهولوكست خدعة تستهدف الشعب الألماني، قال أن المحرقة المزعومة لم تقع مطلقاً وأنها أكبر كذبة في التاريخ، وأن العديد من المؤرخين أُجبروا على السكوت وبعضهم يقبع الآن في السجن بسبب قوله الحقيقة.


في حين أعلن الباحث الاجتماعي الفرنسي سرج تيون الذي أقيل من عمله بسبب عقيدته المعادية للصهيونية دعمه لتصريحات الرئيس احمدي نجاد ووصفها بأنها صحيحة تماما ومنطقية وعادلة وجريئة، كما بعثت مجموعة من الباحثين رسالة جماعية وصفوا فيها التصريحات الأخيرة للرئيس نجاد بأنها رسالة (عيد الميلاد من مسلم شجاع) الذي لا يخشى من الصهيونية، وقّعها كل من :
- الألماني (فردريك توبن) حكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر لتشكيكه بالهولوكوست .


- (ارنست زاندل) ناشر كندي من أصل ألماني، أخرج من كندا بعد إقامته فيها لمدة أربعين عاماً ومعتقل حالياً في ألمانيا ينتظر المحاكمة بسبب تشكيكه حول مقتل ستة ملايين يهودي في محرقة الهولوكوست بألمانيا .


- الكيميائي (غرمار رودولف) ألّف كتاباً حول الهولوكوست في عام 1995 فرّ على إثره من ألمانيا وأقام لفترة في بريطانيا ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن تمت إعادته إلى ألمانيا بواسطة محاولات بذلتها مجموعة (آي.سي.ايه) الصهيونية وهو الآن قيد الاعتقال .


- (زيفريد وربك) باحث بلجيكي استدعي إلى المحكمة مراراً بسبب تحقيقاته حـول الهولوكوست .


- (غونتر كاغل) أحد الباحثين التجديديين الألمان بشأن الهولوكست وصف جوانبها بأنها مزيفة .


- (ولفغانغ فروليتش) طلب منه سابقاً الإدلاء بشهادته ضد الباحثين التجديديين، وقد لجأ إلى السفارة الإيرانية في فيينا .


- (مانفرد رودر) محامي الدفاع عن الباحثين التجديدين حكم عليه بالسجن عشرة أشهـر في ألمانيا .


- المؤرخ البريطاني (ديفيد ايرفينغ) معتقل حالياً في النمسا بانتظار المحاكمة بسبب تشكيكه بالهولوكوست، كما أنه مُنع من دخول دول الكومنولث . بالإضافة إلى رسالة مماثلة أخرى ضمّت كل من : فرد لوتشر، تيودور اوكيف، مايكل هوفمن جون بال، اينغريد ريملند (الولايات المتحدة الأمريكية)، غيرد هونسيك، جول هيوارد ( نيوزيلندا)، ارنست ريمر، ارنست نولت، كيرك ريون (سويسرا)، كارلو ماتوغنو (إيطاليا)، والتر لافتل، ليون بولياكف (روسيا)، ويلهلم اشتاغليتش، جوزيف بيرغ، برادلي سميث (المكسيك)، فينسنت رينوا (فرنسا)، كاستاس زاوردينوس، كلاوس نوردبوخ (جنوب إفريقيا)، جون بنت جون (استراليا) .


طبعاً ما قاله نجاد هو نفضٌ للغبار عن ملف سياسي مهم يُمثل صدى للقيم الاستعمارية السحيقة، فالحركة الصهيونية في أوربا ولدت نتيجة لعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية عصفت بالقارة الأوربية مع بداية منتصف القرن التاسع عشر، وهي بالمناسبة حركة علمانية لا دينية تأثرت إلى حد بعيد بالنزعات القومية والاستعمارية الأوربية وتزاوجت مصالحها معها ثم مع المصالح الأمريكية مع بداية الحرب العالمية الأولى، لكن الترابط الاستراتيجي بين تلك الحركة والولايات المتحدة بدأ في مؤتمر بلتيمور عام 1942، ومما ساعد إلى حد بعيد على المساندة الأوربية في البداية والأمريكية تالياً، ولادة حركة الإصلاح الديني البروتستانتية في أوربا التي أُغرِقَت تأويلات خيالية للتنبؤات التوراتية وبشطحات لاهوتية تعسفية حول أساطير الوعد والشعب المختار مُشَكِّلة بتلك التأويلات والشطحات ولادة الصهيونية المسيحية قبل ثلاثة قرون ونيف من ولادة الحركة الصهيونية اليهودية في وقت كان فيه اليهود يُصرون خلال تلك القرون على رفض بدعة الصهيونية المسيحية، ويُصرون على الاستقرار في أماكن بفلسطين واقتصر تعلق المتدينيين منهم على الجانب الروحي فقط، ولقد اعتبر هؤلاء الحركة الصهيونية اليهودية عند نشأتها، أنها حركة متعارضة مع جوهر اليهودية لأن العودة إلى أرض الميعاد تتحقق عند مجيء المُسَيَّا (المُخلّص)، وهذا يعني أن قيام دولة إسرائيل الحالية خروج عن اليهودية نفسها التي يُؤمن أتباعها بمسيح المسيحيين، ولم يعتبروه المُسَيَّا، ولقد قاوموا رسالته وتنكروا لها ولا يزالون . لقد انتقل التصيهن المسيحي البروتستانتي إلى شمالي القارة الأمريكية وعلى الأخص إلى الولايات المتحدة الأمريكية مع هجرة واسعة من الطائفة البيوريتانية البروتستانتية من أوربا إلى هذه الديار وتفرعت من هذه الطائفة عدة فرق تَبَارَت فيما بينها لصهينة المسيحية في أخذها بالتأويلات التوراتية للنبؤات، ومن هذه الفرق تشكّلت الطبقات التي حَكَمَت الولايات المتحدة الأمريكية منذ استقلاها وإلى اليوم، لذا فإن غالبية الطوائف المسيحية البروتستانتية الأمريكية ترى في ولادة دويلة إسرائيل المعاصرة تحقيقاً لتنؤات توارتية رغم علمانيتها، وإن بعض التيارات الدينية المسيحية تسيّست، وحاول بعض الحاخامات من أمثال إبراهم كوك إقامة توافق بين التيارات العلمانية والدينية على اعتبار أن قيام دويلة إسرائيل المعاصرة دون مجيء المُسَيَّا لا يتعارض مع المفهوم الديني التوراتي، في حين أصرت تيارات أخرى من أمثال حركة ناتوري كارتا على أن قيام الدولة مناقض لصلب اليهودية، خصوصاً وأن الصهيونية المسيحية والعلمانية الصهيونية التقتا حول هدف مشترك هو قيام دويلة إسرائيل، باختصار الصهيونية المسيحية انطلقت من تأويل لاهوتي تعسفي، والعلمانية الصهيونية سخّرت الدين من أجل السياسة (راجع كتاب : هل لليهود حق ديني أو تاريخي في فلسطين ليوسف أيوب حداد) .


إن تغيّر الخطاب السياسي للجمهورية الإسلامية بشأن الملف الفلسطيني، يُعطي مؤشرات ما بأن إيران أصبحت أقوى من الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، بعد إدارتها للملفين الأفغاني والعراقي بشكل مُحكَم، وأنها تريد أن تمارس سياسة حافة الهاوية مع واشنطن لكسب المزيد من الوقت ومساحة أكبر للمناورة وتبادل التنازلات في ملفات مختلفة، مع قناعتها بأن خيار الضربة العسكرية لن يكون مُجدياً دون تخريب المعادلة القائمة التي تُمسك بها طهران من قفاطينها المختلفة دون السماح لأي ثقب في طوقها قد يقلب الطاولة على الجميع .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع