شارك هذا الموضوع

بيان بشأن الكادر الوظيفي لأئمة الجماعة

بسمه تعالى
( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة )


المسجد محرابٌ للعبادة ومنبرُ إرشادٍ وهدايةٍ للأمة ومركزُ عطاءٍ فكريٍ وروحيٍ وعملي، ومحطةُ انطلاقٍ لإصلاح كل نقاط الخلل ومعالجة كل مناحي الضعف في حركة الأمة، وكما يؤدي المسجد دوره في مجريات حياة الفرد والأمة، فإن هذا الدور يتعمق ويتأكد فيما يرتبط بالقضايا المهمة والكبيرة للأمة وفي المواقف الحساسة والمصيرية، وقد مارس المسجد هذا الدور المهم والخطير عبر تاريخ الأمة العريض، فكان المنار والملجأ والمأوى للأمة في مختلف مراحل تأريخها الطويل، وبهذا اللحاظ يمثل المسجد العمق الكبير للأمة وبمقدار التزام المسجد بهذه المسؤولية الكبيرة يكون عطاؤه ونتاجه.


ولا يمكن للمسجد أن يؤدي هذا الدور الكبير ويتحرك في خط أداء مسؤوليته الإلهية العظيمة إلا إذا توافر على عواملِ نجاحٍ رئيسة وتحققت شرائطُ إمكانية أدائه لهذا الدور، وارتفعت كل العوائق التي تقف أمام قيامه بدوره الأساس، ومن أهم الأمور في ذلك بعد الإخلاص لله تعالى في أداء الدور الشرعي والرسالي، تنزيه محراب العبادة عن كل ما من شأنه التأثير على إمام الجماعة في أداء دوره والقيام بمسؤوليته، ولا شك بأن ارتباط موقع إمام الجماعة ارتباطاً وظيفياً مع المواقع الرسمية سوف يؤدي إلى فقدان استقلاليته، وإخلالٍ كبيرٍ بأداء الدور المنوط به وهو موجبٌ قويٌ جداً لإضعاف هذا الموقع المركزي.


ولذلك فإننا ومن منطلق الرؤية الشرعية المبنية على المرتكزات الإسلامية الأصيلة والنابعة من فكر مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) والمعتمدة على تاريخٍ وتراثٍ مرجعيٍ واضحِ المعالم وممتدٍ عبر تاريخ المرجعية الطويل؛ نؤكد على الأمور التالية:


1- لا مساومة على دور المسجد واستقلالية حركة إمام الجماعة ويمثل ذلك في الوعي المؤمن دائما خطاً أحمرَ لا يمكن تجاوزه، وما تلك المحاولات والمشاريع الرسمية (ولو كان ذلك عبر بوابة دائرة الأوقاف ) إلا تهديدٌ لاستقلالية المسجد وإمام الجماعة والنشاط الديني عموماً، وما ورد في الصحافة لهذا اليوم (في صحيفة أخبار الخليج) حول لائحة متابعة الأئمة والمؤذنين والذي يتلخص في القضاء على استقلالية المسجد فيما يرتبط بإمام الجماعة نصباً أو عزلاً أو فيما يرتبط بمجمل النشاط الديني من تدريس وغيره ويجعل ذلك كله خاضعا لرؤيةٍ وإدارةٍ رسميةٍ ما هو إلا تأكيدٌ واضحٌ وصارخٌ لذلك، وهو يضع نهايةً لإمكان المناقشة في هذا الأمر.


2- إن تاريخ المرجعية كلّه تاريخُ احترازٍ من كل مواقع التأثير على الخطاب الديني واجتنابٍ للتعاطي مع كل ما من شأنه أن يضعف دور الوجود الديني، ولقد ساهم ذلك وبشكلٍ واضحٍ في حماية المسيرة من كل أنواع الضغوط والمؤثرات، وهو الذي لم نجده عند قطاعاتٍ من الأمة الإسلامية تعاطت مع الوضع الرسمي بشكل مفتوح، مما جعلها تحت رحمة سياساتِ الأنظمة وأفقدها استقلاليتها وقرارها المستقل، ولا يمكن لعاقلٍ أن ينفي أيَّ تأثيرٍ محتملٍ لهذا الارتباط الوظيفي مع الجهة الرسمية التي قد تتغير قناعاتها ومواقفها بين الفينة والأخرى، مما يؤكد ضرورة الحفاظ على مواقع التوجيه الديني بعيدة عن كل أنواع التأثيرات والضغوط.


3- إن ما يؤكد عليه المجلس الإسلامي العلمائي من ثوابت لا يخرج عن كونه تعبيراً عن رأيٍ محددٍ في قضيةٍ تمسُّ واقع الأمة، والمجلس معنيٌ ببيان الموقف الشرعي الذي يوضّح للأمة مسارها، وأن يكون له رأيه وأن تكون له كلمته وموقفه الواضح من مختلف قضايا الأمة، دون أن يَفرِضَ على أحدٍ تبني موقفه أو قبول رأيه، ومن هنا فإنّ هذه الحملة الشعواء على المجلس تمثل ظاهرةً خطيرةً في مواجهة حرية الرأي، ففي الوقت الذي يستكثر على المجلس الإسلامي العلمائي أن يقول رأيه وبكل شفافيةٍ وموضوعيةٍ، تنهال الشتائم وبلغة بذيئة مع اختلاق وقائع وقضايا لا تملك من الحقيقة شيئا، (ونطلب هنا برهانا واحداً حقيقياً بأن المجلس كان له دورٌ في أي قضيةٍ من القضايا المزعومة)، وما كيل الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة يميناً وشمالاً إلا تأكيدٌ على المستوى الحقيقي الذي وصلت إليه الكثير من الأبواق الرسمية وشبهها، والتي لا تتحمل رأياً يختلف معها ومواقف لا تتفق مع سياساتها.


4- موقفنا الواضح من مسألة كادر أئمة الجماعة ليس موقفاً موجهاً إلى الحكومة وليس موقف عداءٍ أو تحدٍ لها، بل هو موقفٌ رافضٌ لمشروعٍ من مشاريعها المضرة بالدين، يراد له أن يهيمن على مفردةٍ مهمةٍ في حركة التبليغ الديني ألا وهي إمامة الجماعة، ولقد أثبت المجلس دوماً تعاطيه المرن مع الكثير من الملفات والقضايا ومن جملتها موقفه من المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وكيف يُسَوَّقُ زوراً بأن المجلس الإسلامي العلمائي يحرّم التعامل مع الحكومة، وهو الذي يدعو إلى توظيف العاطلين في وزارات المملكة، ويطالب باختيار القضاة الأمناء الأكفاء، وهو مستعدٌ لأن يدعم أيَّ مشروعٍ إصلاحيٍ بحق تعتمده الحكومة؟!.


5- لن ندخل في حربٍ مع إخوتنا من أئمة الجماعة ممن انضووا تحت هذا الكادر أياً كان مؤججها، ولكننا نتوجه إليهم بالنصيحة للتخلي عن هذا المشروع من منطلق واجب النصيحة والأخوة الإيمانية، وحرصاً على موقع إمام الجماعة وثوابت المذهب وحفظاً للدين والشريعة، وليكونوا على ثقة بأنّ أبواب الرزق من قبل ربّ العالمين ليست مغلقة في وجه أيٍ كان، وستبقى صدورنا مفتوحةً لهم من أجل تفهّم مشاكلهم والاستماع إلى ملاحظاتهم، وستبقى الأمة وفيةً لعلمائها ومبيني شريعة سيد المرسلين.


6- ندعو الجماهير المؤمنة لتكون الواعية لما يحاك لها في الخفاء، وأن تكون القادرة على استيعاب ما يجري على أرض الواقع، وأن يكون تعاطيها بمواقف مسؤولة تعبّر عن وعيٍ واستمساكٍ شديدٍ بدينها وشريعتها، وأن لا تنطلي عليها تلك الدسائس والمؤامرات، وأن تكون أكبر من كل تلك الضغوط والتحديات.



المجلس الإسلامي العلمائي
17 ربيع الثاني 1427هـ
16 / 5 / 2006م

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع