تتعدد أساليب إبداء الموقف المعارض أو التضامني مع حدث أو قضية مــا، فمنها: الإضراب عن العمل أو عن الطعام، العصيان المدني، الاعتصامات .. الخ لكن أشهرها وأكثرها حيوية هي "المظاهرات".. وكلنا يعلم أن الغاية من المظاهرات هو إعلان الموقف الشعبي .
وحق التظاهر ـ علاوةً على كونه مكفولاً في كل المواثيق الدولية ـ فإنه مكفولٌ في دستورنا ـ نحن في البحرين ـ أيضاً، فقد نـُص في الباب الثالث (لحقـوق والواجبات)، المادة (28ـ ب) ـ وهـــي واحــــدة فـــي الدستورين 1973م، 2002م ما عدا الكلمة الأخيرة ـ علي الآتي:
"الاجتماعاتُ العامةُ والمواكبُ والتجمعاتُ مباحة ٌ وفقاً للشروطِ والأوضاع ِ التي يبنيها القانون، وعلى أنْ تكونَ أغراضُ الاجتماع ِ و وسائلُهُ سلمية ً ولاتنافي الأدب (الآداب العامة)".
ومنذ ما عاد يُعرف بـ (انتفاضة التسعينات) إلى الآن، والبحرين تعيش أحداثاً ساخنة لم يتوقف الشارع البحريني عن التظاهر متفاعلاً مع قضاياه المحلية مرة، وأخرى مع القضايا العربية والإسلامية.
وهنا لابد من إشادة بديناميكية الشارع البحريني الذي لا يتوانى عن حضور الفعاليات التي تناهض حالة الظلم، والفساد، والتمييز بشتى أنواعها .. ولكن ـ مع هذه الإشادة ـ فنحن بحاجة إلى وعي التظاهر .. فما مشكلة مظاهراتنا ؟
أولاً : تأخذ مظاهراتنا الجانب الانفعالي على نحو شبه دائم، حتى أنها تنحو في بعض الأحيان نحو العنف، تارة بسبب المتظاهرين، وتارة ثانية بسبب رجال الأمن، وأيَّ يكن السبب فإن المحصلة النهائية مظاهرة مليئة بالصراخ والهتافات، والرغبة في فعل شيء تنتهي به المظاهرة.
ثانياً: فوضى الشعارات، حيث ألاحظ أن حالة الحنق والرغبة في الانتقام والثأر ممن خرجت الجماهير ضده، تدفعها لأن تطلق جماعة هنا، وجماعة هناك ما شاءت من الشعارات مما يحول التجمع ـ عموماً ـ إن كان مسيرة أو اعتصام إلى حالة من البعثرة وكأن المتجمهرون خرجوا لغايات شتى.
ثالثاً: لازلنا لا ندرك معنى المظاهرات الصامتة، حتى أنني أذكر مرة وفي ظل الأزمة الأمنية/السياسية في التسعينات وبالتحديد سنة 1996م دعت المعارضة الجماهير المشارِكة في أحد التجمعات إلى الوقوف دقيقة صمت، وكنت أراهن مازحاً بعض الأصدقاء أن الصمت لن يستمر أكثر من 15 ثانية، وفعلاً رفع أحد المشاركين صوته الجهوري داعياً الجميع أن يصلي على محمد وآل محمد، وهكذا انقطع الصمت في بضع ثوان، وعندما تريد أن تحجَّ المتظاهرين بخطأ ما حصل؛ فإنَّ أبسط حجة تُقال هي إن الصلاة على النبي وآله خير من الصمت، لتجد في هذا الرد أن (الصمت) غير مُستوعب كدلالة من دلالات الاحتجاج.
يقول البعض لماذا تعيبُ علينا هذا، وهذه الفضائيات تبث لنا نماذج من التظاهرات أسوأ منا بكثير. وأنا أقول لماذا دائما نستشهد بالأسوأ .. ألا نذكر تلك المظاهرة التي خرجت في العاصمة البريطانية (لندن) منددة بالحرب الأخيرة على العراق، فقد شارك فيها مليون ونصف وكانت صامتة وتسير بانسياب، أليس الأحرى أن نضرب بها وبغيرها مثلاً.
رابعاً: تضارب الغايات والأهـداف بين المتظاهرين تبعــاً لتوجهاتهـم السياسيـــة، حتى أنني ـ ومن باب النكتة الحقيقية ـ رأيتُ إحدى المتظاهرات ضد القانون 56 ترفع صورة جمال عبد الناصر فقط لأنها قومية، وهدف المظاهرة في واد ٍ وهي في واد ٍ آخر.
بتُ لا أستطيع الجزم بخروج مسيرة وطنية بنسبة 100% ؛ لأن الحاصل أن الجماعة القائمة على المسيرة تحولها من حيث الجو العام إلى مسيرة ذات لون محدد : شيعية، سنية، قومية، بعثية، أو يسارية.. وانتظروا معي مطلع شهر مايو (عيد العمال) لتروا الأعلام الحُمر، وشعار المطرقة والمنجل وكأنك وسط موسكو أيام الإتحاد السوفييتي، وهكذا تـُصبغ المسيرات تبعاً للون الطيف السياسي .
ختاماً..
(ربما) ـ وعلى الرغم من كل ما قيل ـ إنَّ هناك تطوراً في " الوعي التظاهري " من خلال المقارنة بين الوقت الراهن والبدايات الأولى ، لكنه تطور بطيء أتمنى أن يتسارع ، ودليل بطئه تكرار مــا حدث قبل عشر سنوات، بما وجدناه في المظاهرات الأخيرة، ومنها مسيرة المائتي ألف التي خرجت على إثر الاعتداء على قبة العسكريين (ع) في العراق.
وأمام هذا المشهد الذي بات مألوفاً جاز لنا أن نتساءل: لماذا تتكرر الأخطاء في جُلّ المسيرات. وما الصعوبة في إخراج مسيرة نموذجية في هدفها، وشعارها، وانتظام جماهيرها، وسلميتها؟!!
نحن بحاجة إلى وعي أكثر لأساليب التظاهر، وهذا الوعي لن يتحقق بالسكوت عن هذا الملف ونحن نرقب تفاقمه يوم بعد آخر، وتحديداً لمَّا أُسرف في استخدام هذا الحق.
ولا يمكـن أن يتحقــق هذا الوعـــي المنشود إلا عبر خطاب (مبسَّط) و(صريح) يحــدّث الجماهير ـ وبخاصة تلك الشريحة التي تربك المسيرات بالأخطاء ـ ويبث فيها روح ضبط الانفعال، والتقيد والالتزام، ويحرك فيها الشعار الهادف الموحِّد .. بودي لو يؤكد أصحاب المنابر (الخطابية والتحريرية) على هذه المفاهيم حتى يتعزز الوعي ونكون أكثر حضارية في احتجاجاتنا، خاصة بعدما بات هذا الملف يربك كل الأطراف، بل المعارضة قبل الحكومة.
التعليقات (1)
المعارض كاتب في الصرح الحسيني
تاريخ: 2006-04-30 - الوقت: 11:30:22بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمة الله و بركاته حضرة الكاتب الموقر ياسر خميس تحية طيبة و بعد ، أود أن أطرح تعليقاتي حول ما كتبته في مقالك ، و لذلك لكي يسهل هضم الأفكار : 1- " وكلنا يعلم أن الغاية من المظاهرات هو إعلان الموقف الشعبي . " ، قال سماحة المرجع محمد تقي المدرسي حفظه الله في إحدى خطبه السياسية(( يعتبر بعض السياسين ، أن الصحافة و كل وسائل الإعلام هي السلطة الرابعة التي يرتكز عليها نظام الحكم ، و لكنني أراها السلطة الأولى . )) ، لم نريد إعلان الموقف الشعبي ، هل للحكومة؟ أم لستقطاب أنظار العالم ؟ ، عدد كبير من المظاهرات خرجت في الشارع البحريني ، لكن أين ، معظمها تقوقع في قرى البحرين مما ساهل على السلطات البحرينية قمعها في غياب الإعلام ، بينما يصعب التعامل مع المظاهرة التي يحتشد جمهورها في مناطق ذات كثافة إعلامية كالعاصمة مثلاً . 2- " لازلنا لا ندرك معنى المظاهرات الصامتة، حتى أنني أذكر مرة وفي ظل الأزمة الأمنية/السياسية في التسعينات وبالتحديد سنة 1996م دعت المعارضة الجماهير المشارِكة في أحد التجمعات إلى الوقوف دقيقة صمت، وكنت أراهن مازحاً بعض الأصدقاء أن الصمت لن يستمر أكثر من 15 ثانية،" ، قد تكون محقاً عزيزي في قولك و لكن أود أن تظع في الحسبان بأن الشعب في بداية الثورة المطالبية المباركة كان يدخل تجربة جديدة عليه و كانت وجوه المعارضة التي يستقي الشعب منها النصائح و الإرشاد غير واضحة . 3- " تضارب الغايات والأهـداف بين المتظاهرين تبعــاً لتوجهاتهـم السياسيـــة، حتى أنني ـ ومن باب النكتة الحقيقية ـ رأيتُ إحدى المتظاهرات ضد القانون 56 ترفع صورة جمال عبد الناصر فقط لأنها قومية، وهدف المظاهرة في واد ٍ وهي في واد ٍ آخر." ، السؤال من الداعي للمظاهرة ؟ هل الجمعيات السياسية المحلية تنسق مع الجمهور كيفية و آلية المظاهرة ، معظمها تندلع من حماس العامة ، القليل و النادر جداً أن نقرأ جمعية سياسية تدعو لمظاهرة سلمية و إدارتها تدير تلك المظاهرة . 4- "بتُ لا أستطيع الجزم بخروج مسيرة وطنية بنسبة 100% ؛ لأن الحاصل أن الجماعة القائمة على المسيرة تحولها من حيث الجو العام إلى مسيرة ذات لون محدد : شيعية، سنية، قومية، بعثية، أو يسارية. " ، من البديهي أن تتفرع التوجهات و الرؤى السياسية و العقيدية لأن معارضتنا هي نفسها تتسم بالتنوع و التلون السياسي و الديني و بموجبها نلاحظ جمهور ذا ثقافة سياسية مختلفة ، و لكن لون المعارضة وحدة عملها السياسي و نسقت مع الأخرى ، لوجنا صفاً مرصوصاً و روى سياسية موحدة نوعاً ما. شكراً لكاتبنا المحترم ياسر خميس على مقاله و أتمنى له دوام التوفيق .