شارك هذا الموضوع

الفصل الأول: أسباب الغيبة الصغرى

الغـيبة الصغـرى 260 هـ ــ 329 هـ


ولد الإمام المهدي (ع) وهو محمد بن الحسن العسكري في العام 255 من الهجرة في ظروف تشبه ولادة النبي موسى (ع)، فكما أن أم موسى لم يكن معروف اسمها إلا لدى الخاصة فكذلك اختلفت الآراء في اسم أم الإمام المهدي، فقيل اسمها نرجس وقيل سوسن وقيل صقيل وقيل ريحانة، وكذلك كما أن أم موسى لم يكن يبدو عليها آثار الحمل فكذلك أم الإمام المهدي لم يكن يبدو عليها آثار الحمل أيضاً، وكما أُخفي أمر ولادة النبي موسى (ع) وأُلقي به في اليم بعد ولادته كذلك أُخفي أمر ولادة الإمام المهدي (ع) ولم يكن يطلع عليه إلا الخواص من الشيعة والموثوق بهم من المؤمنين كما جاء في الرواية التالية.


عن أحمد بن إسحاق الأشعري قال: ( دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (ع) وأنا أُريد أن أسأله عن الخلف من بعده فقال لي مبتدئاً: يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يخلِ الأرض منذ خلق آدم (ع) ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة الله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض، قال فقلت: يا بن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض (عليه السلام) مسرعاً فدخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء الثلاث سنين، فقال (عليه السلام): يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على الله عز وجل وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنه سمي برسول الله (ص) وكنيه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الأمة مثل الخضر ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلا من ثبته الله عز وجل على القول بإمامته ووفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه، فقال أحمد بن إسحاق: فقلت: يا مولاي فهل من علامة يطمئن إليها قلبي فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربي فصيح فقال: أنا بقية الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه ولا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق. قال: فخرجت مسروراً فرحاً ) (1).


بل جاء في بعض الروايات عن النبي e و الأئمة الأطهار (ع) النهي حتى عن ذكر اسمه أمام الناس لكي لا يتمكن الأعداء من معرفته والاطلاع على مكانه.


فعن أبي عبد الله (ع) قال: ( صاحب هذا الأمر لا يسميه باسمه إلا كافر )(2).


وعنه أيضاً (ع) حينما سئل من المهدي من ولدك قال: ( الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته)(3).


وعن أبي هاشم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن الهادي صاحب العسكر(ع) يقول: ( الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف، فقلت: لم جعلني الله فداك؟ فقال (عليه السلام): لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه، فقلت: فكيف نذكره؟ قال: قولوا الحجة من آل محمد)(4).


وبعد وفاة الإمام الحسن العسكري(ع) عام 260 هـ - حيث كان عمر الإمام المهدي(ع) خمس سنين تقريباً - بدأت غيبة الإمام المهدي الصغرى التي استمرت قرابة 70 سنه حتى عام 329 هـ عند وفاة السفير الرابع.


حيث لم يطلع على مكانه خلال هذه الفترة أحد من الناس إلا خاصة مواليه والمقربين منه فقط، وكان يراسل شيعته عبر وسطاء ونواب أربعة واحد بعد واحد كلما مات أحدهم أقام الإمام المهدي النائب الآخر مكانه لأجوبة المسائل وحل المشكلات وقضاء الحاجات وقبض الأموال وغير ذلك، وهم على التوالي:


السفير الأول: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ألأسدي ( لمدة 5 سنوات) ولقد كان وكيلاً لأبيه الإمام العسكري من قبله حيث قال بشأنه:( هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ثقة الماضي وثقتي في المحيى والممات فما قاله لكم فعني يقوله وما أدى إليكم فعني يؤديه)(5).


السفير الثاني: أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري ( لمدة 40 سنة) وكان ثقة الإمام العسكري أيضاً ولقد جاء عنه أنه قال ( اشهدوا أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم)(6).


السفير الثالث: أبو القاسم حسين بن روح النوبختي ( لمدة 21 سنة) حيث جاء عن محمد بن عثمان العمري بشأنه وذلك قبل موته بمدة ( إن حدث علي حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد أُمرت أن أجعله في موضعي بعدي فأرجعوا إليه، وعولوا في أموركم عليه)(7).


السفير الرابع: أبو الحسن علي بن محمد السمري ( لمدة 3 سنين) وفي نهاية سفارته خرج التوقيع من الإمام المهدي (ع) يخبر الناس بانتهاء الغيبة الصغرى وبدء الغيبة الكبرى.


حيث كتب عليه السلام: ( بسم الله الرحمن الرحيم: يا علي بن محمد ألسمري: أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)(8).


وفي اليوم السادس مرض السمري رضوان الله تعالى عليه وانتقل إلى رحمة الله تعالى وكان آخر ما تكلم به بعد أن سألوه إلى من يوصي فقال: لله أمر هو بالغه.


- لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا هذا التعتيم الكبير على حمل الإمام المهدي (ع) و ولادته، وما هي أسباب غيبته الصغرى هذه؟


أسباب الغيبة الصغرى:
أولاً: الحفاظ على شخص الإمام المهدي (ع) وبقائه كما كان أيام الفراعنة وفي زمان النبي موسى (ع) حيث أنهم كانوا موعودين بخروج مخلص لبني إسرائيل ينهي ظلم الفراعنة ويدمر الطاغية فرعون ويقضي على جبروته، فما كان منه إلا أن قام بقتل الذكور من أبناء بني إسرائيل واستبقاء الإناث ( يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم)(9).


كذلك كان من المعروف من الأخبار والروايات المتواترة عن النبي ( ص) أن عدد الأئمة اثني عشر إماماً، وأن الإمام الثاني عشر هو الذي يزيل دول الظلم ويقضي على أئمة الجور والطغيان، فكان حكام الدولة العباسية يترقبوا هذا الأمر ويحسبون له ألف حساب، فوضعوا الإمام الحادي عشر أي الحسن العسكري (ع) تحت الإقامة الجبرية في بيته بسامراء كما وضعوا نساؤه تحت الرقابة المباشرة، وذلك للقضاء على الإمام الثاني عشر وتصفيته أول ولادته.


لذلك شاء الله سبحانه وتعالى إخفاء أمر حمله و ولادته إلا عن خواص الشيعة والموثوق بهم من المؤمنين، وبعد ولادته (عليه السلام) تناهى لمسامع الحكومة العباسية بعض الأخبار عن ذلك فتمت مداهمة بيت الإمام العسكري (ع) مرات عديدة وبشكل مفاجئ للقبض على الإمام المهدي (ع) وتصفيته، وباءت جميع محاولاتهم بالفشل، مما جعل أم الإمام المهدي السيدة نرجس (رض) تدعي بأنها حامل فسجنت عند القاضي بسامراء لمدة سنتين وذلك بعد وفاة الإمام العسكري حتى شغلوا عنها بثورة صاحب الزنج وسلمها الله منهم بفضله.


فكانت هذه الظروف العصيبة هي التي دعت الإمام المهدي (ع) للغيبة حفاظاً على نفسه لكي لا يقتل كما قتل آباؤه (عليه السلام) خصوصاً وهو آخر الأئمة وبقية حجج الله على الخلق وخاتم الأوصياء عليهم السلام، وهو المكلف بإقامة الدولة الإسلامية العالمية، فكان لابد من الحفاظ على وجوده بالغيبة حتى ينجز المهمة الموكل بها، وهذا ما نفهمه من الروايات التالية.


فعن رسول الله (ص) قال: ( لابد للغلام من غيبة، فقيل له: ولميا رسول الله، قال: يخاف القتل)(10).


وفي البحار عن الباقر (ع) قال: ( إذا ظهر قائمنا أهل البيت قال) ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً((11) أي خفتكم على نفسي وجئتكم لما أذن لي ربي وأصلح لي أمري)(12).


وعن يونس بن عبد الرحمن قال: ( دخلت على موسى بن جعفر(ع) فقلت له: يا بن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال (عليه السلام): أنا القائم بالحق، ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون)(13).


وخرج في التوقيع من الإمام المهدي (ع) لمحمد بن عثمان العمري في علة عدم ذكره (عليه السلام) باسمه: ( فإنهم إن وقفوا على الاسم أذاعوه، وإن وقفوا على المكان دلوا عليه)(14).


ولكن هل الخوف على نفسه (عليه السلام) يستدعي غيابه كل هذه القرون الطوال..؟


بالطبع هذا الأمر غير منطقي فبعد انتهاء دولة بني العباس جاءت الكثير من الدول والممالك، ولم يعد يذكره أو يطلبه الظالمون بالشكل الذي كان في بدء غيبته، ولم يعد هناك حرج من ذكر اسمه أمام الناس، فلا بد أن هناك أسباب أخرى لاستمرار الغيبة الطويلة هذه، وهذا ما سنذكره إن شاء الله تعالى في الفصل القادم في أسباب الغيبة الكبرى.


ثانياً:  تهيئة الأمة للغيبة الكبرى والانقطاع التام عن الإمام (ع) كان المؤمنون في زمان الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار(ع) يتلقون الأحكام الشرعية والتعاليم الإسلامية مباشرة من النبي والأئمة عليهم السلام دون أي حاجز أو مانع، وإذا أشكل عليهم أمر ما أو قضية معينة يلجئون فيها إلى المعصوم فيحلها في الحال، واستمر هذا الأمر حتى عام 260 هـ عند وفاة الإمام الحسن العسكري(ع)، حيث اختلف الحال ولم يعد بإمكان المؤمنين الالتقاء بالإمام المهدي (ع) وتلقي الأحكام الشرعية على يديه مباشرة.


ولكي لا تحدث ردة فعل عنيفة في الأمة لانقطاع الإمام عنها وغيابه بشكل مفاجئ، كان لابد من تهيئة الأمة للغيبة الكبرى، وتعويد الناس تدريجياً على احتجاب الإمام عنهم وبالتالي يستسيغون فكرة اختفائه عليه السلام.


لذلك كان من شأن الإمام المهدي (ع) تعيين السفراء الأربعة رضوان الله تعالى عليهم خلال الغيبة الصغرى كواسطة بينه وبين الناس، كما كان (عليه السلام) متدرجاً في الاحتجاب عن الناس خلال تلك الفترة، حيث تمكن العديد منهم مشاهدته في أول الغيبة الصغرى وكان أقل احتجاباً عن الناس، وكلما مشى الزمان زاد احتجابه، حتى لا يكاد يُنقل عنه المشاهدة في زمن السفير الرابع لغير السفير نفسه.


ولقد شبهت الروايات الواردة عن النبي (ص) والأئمة الأطهار الإمام المهدي(ع) بالشمس المضيئة، فعن رسول الله (ص) قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: ( أي والذي بعثني بالنبوة، إنهم لينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب)(15)، فكما أن الشمس قبل غروبها تماماً تبقى أشعتها لمدة معينة من الزمن حتى تغيب تماماً ويحل الظلام الدامس، فكذلك الإمام كان في حال الغيبة الصغرى متدرجاً في الغيبة قبل انقطاعه التام عن الناس.


ويذكر السيد مجتبى السادة بهذا الشأن أن للإمام المهدي(ع) أيضاً ظهور أصغر يسبق الظهور الأكبر إن شاء الله تعالى، وذلك يتمثل في عدة أحداث وقضايا سوف تحدث تمهد الأرض والبشرية لظهوره المبارك (عليه السلام)، حيث يقول: ( وكذلك طلوع الشمس فإنه لا يكون مباشرة بل يبدأ الخيط الأبيض ثم الفجر ثم نور باهت يزداد تدريجياً حتى طلوع الشمس ساطعة في السماء، وهكذا فإن ظهور الحجة بن الحسن عليه السلام، وهو كالشمس المنيرة في سماء الولاية، لابد أن يسبقه ظهور أصغر يهيئ الأرضية للظهور الكامل لوجوده المقدس)(16).


ثالثاً: إثبات حقيقة وجود الإمام المهدي (ع) وإبطال شبهات المشككين بعد وفاة الإمام الحسن العسكري(ع) عام 260 هـ وبسبب خفاء أمر ولادة الإمام المهدي(ع) عن أكثر الناس، بدأ الشك يدب في نفوس الكثير منهم بوجوده عليه السلام خصوصاً مع اقتسام إرث أبيه الإمام العسكري بين عمه جعفر وجدته أي أم الإمام العسكري حيث أوصى لها الإمام العسكري بأوقافه وصدقاته هذا بالإضافة لادعاء عمه جعفر الكذاب الإمامة، فكان لابد من إثبات وجود الإمام المهدي عبر بعض المشاهدات للعديد من الناس، وهي التي حصلت بالفعل في فترة الغيبة الصغرى كصلاته عليه السلام على جنازة أبيه ولقائه بوفد القميين الذين جاءوا لتسليم الأموال للإمام العسكري ووصفه الدقيق لتلك الأموال.


فعن أبو الأديان في ضمن حديث طويل تحدث فيه عن وفاة الإمام العسكري(ع) قال: ( فلما صرنا في الدار، إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفنا، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي، فتأخر جعفر وقد اربد وجهه واصفر، فتقدم الصبي وصلى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه عليهما السلام)(17).


والأمر الآخر الذي قام به الإمام المهدي (ع) في الغيبة الصغرى لإثبات وجوده هو اتخاذ نظام الوكلاء أو النواب بينه وبين عامة الشيعة كما ذكرنا ذلك من قبل.


ومن الأمور الهامة أيضاً التي ساهمت في إثبات وجود الإمام المهدي (ع) وتهيئة الذهنية العامة لدى المؤمنين للغيبة الكبرى وجعلتهم يتقبلون الفكرة بصدر رحب هو تأكيد العديد من الروايات الواردة عن النبي وأهل البيت عليهم السلام على الغيبة وحصولها للإمام المهدي (ع) وتحدثهم عنها بإسهاب.


فعن أبي عبد الله (ع) قال: ( إن لصاحب هذا الأمر يعني المهدي غيبتين إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، وبعضهم يقول قتل، وبعضهم يقول ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره)(18).


وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(ع) قال: قلت له: ما تأويل قول الله تعالى قل أرءيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماءٍ معين((19) فقال (عليه السلام): ( إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فماذا تصنعون)(20).


وعن محمد بن زياد الأزدي قال: سألت سيدي موسى بن جعفر (ع) عن قول الله عز وجل ) وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه ( (21) فقال (عليه السلام): ( النعمة الظاهرة الإمام الظاهر والباطنة الإمام الغائب، قال: فقلت له: ويكون في الأئمة من يغيب؟ قال: نعم، يغيب عن أبصار الناس شخصه ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منا، يسهل الله له كل عسير، ويذلل له كل صعب، ويظهر له كنوز الأرض ويقرب له كل بعيد ويبير به كل جبار عنيد ويهلك على يده كل شيطان مريد، ذلك ابن سيدة الإماء الذي تخفى على الناس ولادته ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره الله عز وجل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(22).


ولقد قام الإمام الحسن العسكري(ع) بطريقة هادئة في إعلام كبار الشيعة والمخلصين من المؤمنين بولادة الإمام المهدي المنتظر وذلك عبر إرسال بعض الرسائل للثقاة منهم من أمثال أحمد بن إسحاق حيث كتب (عليه السلام) له: ( ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته والولي لولايته، أحببنا إعلامك ليسرك الله به مثل ما سرنا به والسلام)(23).


كما قام (عليه السلام) بذبح كذا شاة عقيقه عن ابنه المهدي وقام بتوزيع كمية كبيرة من الخبز واللحم على شخصيات من بني هاشم ووجهاء الشيعة، ولقد جاء في بعض الأخبار كما نُقل عن الحسن بن المنذر عن حمزة بن أبي الفتح أنه (عليه السلام) عق عنه بثلاثمائة شاة.


كما قام الإمام العسكري (ع) بإخبار بعض أصحابه الموثوق بهم شفوياً بولادة الإمام المهدي من أمثال أبا هاشم الجعفري وأبا طاهر البلالي كما قام (عليه السلام) بعرض ابنه المهدي على جماعة من أصحابه وهم أكثر من 40 رجلاً وقد اجتمعوا في مجلسه فقال لهم:( هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان ـ أي العمري ـ ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه)(24).


ولكن لماذا لم تستمر السفارة بين الإمام المهدي (عليه السلام) والناس كما في الغيبة الصغرى حتى يومنا هذا؟ أو بمعنى آخر لماذا حدثت الغيبة الكبرى؟


أسباب انتهاء الغيبة الصغرى:
يذكر السيد محمد صادق الصدر (قدس) بشأن بدء الغيبة الكبرى الأسباب التالية (25) استيفاء الغيبة الصغرى لأغراضها في تهيئة الذهنية العامة للناس لغيبة الإمام المهدي (ع).


ازدياد المطاردة والمراقبة من قبل السلطات الحاكمة آنذاك للإمام والمرتبطين به لدرجة أن السفير الرابع لم يقوم بعمل اجتماعي كبير يذكر،ولم يرو لنا من أعماله إلا القليل، ولم تستمر مدة سفارته إلا ثلاثة أعوام فقط.


عدم إمكانية المحافظة على السرية الملتزمة في خط السفارة لو طال بها الزمان أكثر من ذلك وانكشاف أمرها شيئاً فشيئاً، فخلال السبعين سنة تقريباً وهي مدة الغيبة الصغرى لم يُنقل أنه عُرف كيف يتم الاتصال بين الإمام والسفراء، وكيف يخرج لهم التوقيع، وأين يجتمعون مع الإمام (عليه السلام).


بل لم يكن لأي من السلطات الحاكمة آنذاك أن يثبتوا على أحد السفراء أو وكلائهم أنهم أخذوا مالاً من أحد ما لتوصيله للإمام، ولم يجدوا في حوزتهم أي أوراق تثبت اتصالهم بالإمام (عليه السلام).


فعن الحسين بن الحسن العلوي قال: ( انتهى إلى عبيد الله بن سليمان الوزير أن له ـ أي الإمام (عليه السلام) ـ وكلاء وأنه تجبى إليهم الأموال، وسموا الوكلاء في النواحي، فهمّ بالقبض عليهم، فقيل له: لا، ولكن دسوا لهم قوماً لا يعرفونهم بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قُبض عليه، فلم يشعر الوكلاء بشيء حتى خرج الأمر ـ أي من صاحب الزمان ـ أن لا يأخذوا من أحد شيئاً وأن يتجاهلوا بالأمر، وهم لا يعلمون ما السبب في ذلك، وامتنع الوكلاء كلهم لما كان تقدم إليهم، فلم يظفروا بأحد منهم ولم تتم الحيلة فيهم)(26).


ولقد تعرض السفير الثالث الحسين بن روح للاعتقال والمساءلة لفترة من الزمن وحينما لم تجد عليه السلطات أي مستمسك أطلقت سراحه بفضل الله.


الهوامش:
_____________________________________________________
1- كمال الدين ج 2 ص 384، إعلام الورى ص 412، منتخب الأثر ص 228.
2- الكافي ج 1 ص 333 ح 4، كمال الدين ج 2 ص 648 ح 1، بحار الأنوار ج 51 ص 33 ح 11.
3- إعلام الورى ج 2 ص 234، كمال الدين ج 2 ص 411 ح 5.
4- الإرشاد ج 2 ص 320، الإمامة والتبصرة ص 118، علل الشرائع ج 1 ص 245.
5- غيبة الطوسي ص 355، بحار الأنوار ج 51 ص 344.
6- غيبة الطوسي ص 216، بحار الأنوار ج 51 ص 345.
7- طرائف المقال ج 2 ص 324، تهذيب المقال ج 2 ص 404.
8- إعلام الورى ص 417، جنة المأوى ص 318، غيبة الطوسي ص 243.
9- سورة القصص (4).
10- علل الشرائع ج 1 ص 243، ميزان الحكمة ج1 ص 184.
11- سورة الشعراء ( 21 ).
12- بحار الأنوار ج 52 ص 385 ح 195.
13- كمال الدين ص 361 ح 5، إعلام الورى ص 433، كفاية الأثر ص 269.
14- غيبة الطوسي ص 364 ح 331، بحار الأنوار ج 51 ص 351.
15- إعلام الورى ص 376،بحار الأنوار ج 52 ص 93.
16- الفجر المقدس ص 48.
17- كمال الدين ص 475، بحار الأنوار ج 50 ص 332، معجم أحاديث الإمام المهدي ج 4 ص 255.
18- الإشاعة لأشراط الساعة ص 93، غيبة الطوسي ص 61، بحار الأنوار ج 53 ص 320.
19- سورة الملك (30).
20- كمال الدين ص 360 ح 3، غيبة الطوسي ص 160، إثبات الهداة ج 3 ص 476.
21- سورة لقمان (20).
22- بحار الأنوار ج 51 ص 150 ح 2، كمال الدين ص 368.
23- منتخب الأثر ص 344، كمال الدين ص 434، بحار الأنوار ج 51 ص 16 ح 21.
24- غيبة الطوسي ص 357، منتخب الأثر ص 355 ح 2، إثبات الهداة ج 3 ص 415 ح 56.
25- تاريخ الغيبة الصغرى ص 630.
26- إعلام الورى ج 2 ص 266، الكافي ج1 ص 440 ح 30.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع