شارك هذا الموضوع

الحج والعمرة ... الكيفيات والمناسك

الحج من الفرائض الواجبة على كل مكلف جامع للشروط، بل هو ركن من أركان الدين، ووجوبه من الضروريات، وهو ثابت في الكتاب الكريم والسنة الشريفة القطعية، وتركه مع الإعتراف بثبوته معصية كبيرة، كما أن إنكار أصل الفريضة ـ إذا لم يكن مستنداً لشبهة ـ كفر.


وقد قال الله تعالى في كتابه المجيد [ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين](آل عمران:97).


والحج الواجب على المكلف ـ في أصل الشرع ـ إنما هو مرة واحدة. ويسمى "حجة الإسلام"، وتجب المبادرة إليه في سنة الاستطاعة، فإن تركه فيها لعذر أو عصياناً وجب في السنة التالية.. وهكذا.


أقسام الحج:


ينقسم الحج إلى ثلاثة أقسام: حج التمتع، وحج الافراد، وحج القران
الأول: حج التمتع: وهو فرض واجب على من بعد منزله عن مكة ثمانية وثمانين كيلومتراً، وهو يجمع بين الحج والعمرة في فريضة واحدة، وإنما سمي "حج تمتع" لأن المكلف يحل من إحرام عمرة التمتع قبل الإحرام مرة ثانية للشروع في مناسك الحج، فأخذ لفظ"التمتع" من تمتُّع الحاج بما أحل له في الفترة ما بين انتهاء العمرة وما بين الشروع في أعمال الحج، بخلاف غيره من أقسام الحج.


الثاني: حج الإفراد: وأعماله مشابهة لأعمال حج التمتع، غير أنهما يختلفان في الأمور التالية:


أ ـ إنه واجب على من كان منزله في محيط مكة المكرمة على مسافة ثمانية وثمانين كيلومتراً لا اكثر.


ب ـ إنه واجب بنفسه مستقلاً عن العمرة، ولذا سمي حج إفراد، وإذا تمكن المكلف من الإتيان بالعمرة المفردة وجبت أيضاً مستقلة عن الحج، وإن قدر عليهما معاً في نفس الوقت أتى بهما معاً، وإلا فإنه يأتي بما يتمكن منه دون الآخر الذي لا يقدر عليه، ولو طال الوقت بينهما سنة أو أكثر.


ج ـ عندما يتمكن المكلف من الإتيان بحج الإفراد والعمرة معاً فإن الواجب عليه تقديم الحج ثم يأتي بالعمرة المفردة بعد ذلك، وفي غير هذه الصورة لا يشترط تقدم أحدهما وتأخر الآخر، أما من كان فرضه التمتع فإن الواجب عليه الإتيان بعمرة التمتع أولاً ثم يأتي بأعمال الحج بعد ذلك.


د ـ يجب النحر أو الذبح في حج التمتع، ولا يجب ذلك في حج الإفراد.


و ـ إحرام حج التمتع من مكة المكرمة، وإحرام حج الإفراد من أحد المواقيت الخاصة به.


ز ـ الأحوط عدم الإتيان بطواف مندوب بعد الإحرام لحج التمتع وقبل التوجه إلى عرفات، ولا بأس بتجديد التلبية بعد الإتيان به ولكن الأقوى جواز ذلك، كما يجوز ذلك في حج الإفراد.


الثالث: حج القران: ويتحد مع حج الإفراد في جميع ما ذكر له إلا فيما يلي:


أ ـ ويصطحب معه الأضحية وقت الإحرام، وحيث يسوقها معه فإنه يجب عليه أن يضحي بها في منى، ولأجل ذلك سمي "حج قران"، ولفظه مأخوذ من مقارنة الهدي ومرافقته للحاج.


ب ـ كما يكون إحرام حج القران بالتلبية يصح أن يكون بإشعار الهدي أو تقليده، والإشعار خاص بالإبل، وهو شق الجانب الأيمن من السنام وتلطيخه لهذا الجانب بالدم، أما التقليد: فهو تعليق نعل قد صلى فيه في عنق الحيوان، سواء من الإبل أو من غيره.


بين عمرة التمتع والعمرة المفردة


تفترق العمرة المفردة عن عمرة التمتع بأمور:
أولاً: إحرام العمرة المفردة يمكن أن يقع من مواقيت إحرام عمرة التمتع، وإذا كان المكلف في مكة وأراد العمرة المفردة فإنه يخرج إلى خارج حرم مكة على مسافة إثنين وعشرين كيلو متراً منها ويحرم من هناك، ويمكن الإحرام من أدنى الحل لمن كان خارج مكة وأراد العمرة المفردة وتجاوز الميقات من دون إحرام، أو لم يمر على ميقات، والأولى أن يكون إحرامه من الحديبية أو الجعرانة أو التنعيم، وهي أماكن معروفة. بينما إحرام عمرة التمتع لا يكون إلا من الميقات المعروف لأهل كل منطقة.


ثانياً: إن عمرة التمتع لا تقع إلا في أشهر الحج، وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة، وتصح العمرة المفردة في جميع الشهور، وأفضلها شهر رجب وبعده شهر رمضان، وتجب بالاستطاعة لمن لم يكن فرضه التمتع، ويستحب الإتيان بها مراراً، ولا يجب الفصل بين العمرتين المفردتين، بل يصح الإتيان بهما في شهر واحد، ولا بأس بالإحتياط بالإتيان بالعمرة الثانية في الشهر الثاني، ولو كان الفاصل يوماً واحداً.


ثالثاً: ينحصر الخروج من إحرام عمرة التمتع بالتقصير، أما في العمرة المفردة فإنه قد يكون بالتقصير وقد يكون بالحلق.


رابعاً: يجب إيقاع عمرة التمتع وحج التمتع في سنة واحدة، أما العمرة المفردة فيمكن إيقاعها في سنة غير السنة التي يأتي فيها بحج الإفراد لمن وجب عليه.


خامساً: يجب طواف النساء في العمرة المفردة ولا يجب في عمرة التمتع.


سادساً: من جامع عالماً عامداً قبل الفراغ من السعي فسدت عمرته المفردة، ووجب عليه البقاء في مكة وإعادة العمرة، أما إذا فعل ذلك في عمرة التمتع لا تفسد عمرته وإن وجبت عليه الكفّارة.


سابعاً: لا يعتبر الفصل بين عمرة التمتع والعمرة المفردة، فيجوز لمن حج تمتعاً واعتمر أن يأتي بعمرة مفردة بعده، ولا يجوز الفصل بين عمرة التمتع وحج التمتع بالعمرة المفردة.


في شرائط وجوب حجة الاسلام


الشرط الأول:البلوغ
فلا يجب الحجّ على غير البالغ، وإن كان مراهقاً، ولو حجّ الصبيّ لم يجزئه عن حجّة الإسلام وإن كان حجه صحيحاً على الأظهر.


الشرط الثاني: العقل
فلا يجب الحجّ على المجنون، نعم إذا كان جنونه أدوارياً ووفق زمان إفاقته تمكّن من الإتيان بمناسك الحجّ ومقدّماته، عندها يكون مستطيعاً، ويجب عليه الحجّ وإن كان مجنوناً في بقيّة الأوقات، كما أنّه لو علم بمصادفة دور جنونه لأيّام الحجّ دائماً وجبت عليه الاستنابة له حال إفاقته.


الشرط الثالث: الاستطاعة
ويعتبر فيها أمور:


الأول: السعة في الوقت، ومعنى ذلك وجود القدر الكافي من الوقت للذهاب إلى الأماكن المقدّسة والقيام بالأعمال الواجبة فيها.


وعليه فلا يجب الحجّ إذا كان حصول المال، أو توفر سائر الشرائط في وقت لا يسع للذهاب إليها واداء مناسك الحجّ، أو انّه يسع ذلك ولكن بمشقّة شديدة لا تتحمّل عادة.


وإذا حصل عنده ما يفي بمصاريف الحجّ وجب عليه الحجّ إذا كان متمكناً من المسير إليه في أوانه، فلو تصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة استقر الحج في ذمته إذا كان محرزاً لتمكنه من المسير إليه في وقته، دون ما إذا لم يكن محرزاً لذلك على الأظهر.


وفي الصورة الأولى إذا تصرف في المال على النحو المذكور، كما لو باعه محاباة أو وهبه بلا عوض حكم بصحة التصرف، وإن كان آثماً بتفويته الاستطاعة إذا لم يكن قادراً على أداء الحج ولو متسكعاً.


الثاني: صحة البدن وقوته، فلو لم يقدر ـ لمرض أو هرم ـ على قطع المسافة إلى الأماكن المقدسة ، أو لم يقدر على البقاء فيها بمقدار أداء أعمالها لشدة الحر مثلاً، أو كان ذلك حرجياً عليه، لم يجب عليه الحج مباشرة، ولكن تجب عليه الاستنابة.


أما إذا استقر عليه الحج ولم يتمكن من الحج بنفسه لمرض أو حصر أو هرم، أو كان ذلك حرجاً عليه ولم يرج تمكنه من الحج بعد ذلك من دون حرج وجبت عليه الاستنابة على الأحوط.


وكذلك من كان موسراً ولم يتمكن من المباشرة أو كانت حرجية عليه، فوجوب الاستنابة فوري كفورية الحج المباشري.


الثالث: تخلية السرب، ويقصد بها أن يكون الطريق مفتوحاً ومأموناً، فلا يكون فيه مانع لا يمكن معه من الوصول إلى الميقات أو إلى الأراضي المقدّسة، وكذا لا يكون خطراً على النفس أو المال أو العرض، وإلا لم يجب الحجّ.


هذا في الذهاب، وأمّا الإياب إنما يعتبر منه وجود نفقة الإياب في وجوب الحج فيما إذا أراد المكلف العود إلى وطنه، وأما إذا لم يرد العود وأراد السكنى في بلد آخر غير وطنه، فلا بد من وجود النفقة إلى ذلك البلد، ولا يعتبر وجود مقدار العود إلى وطنه.


نعم، إذا كان الذهاب إلى البلد الذي يريد السكنى فيه أكثر نفقة من الرجوع إلى وطنه، لم يعتبر وجود النفقة إلى ذلك المكان، بل يكفي في الوجوب وجود مقدار العود إلى وطنه إلا مع اللاضطرار إلى السكنى فيه.


وإذا عرض على المكلّف بعد تلبّسه بالإحرام ما يمنعه من الوصول إلى الأماكن المقدّسة من مرض أو عدو أو نحوهما فله أحكام خاصّة.


الرابع: النفقة، ويعبّر عنها بالزاد والراحلة، ويقصد بالزاد: كلّ ما يحتاج إليه في سفره من المأكول والمشروب وغيرهما من ضروريات ذلك السفر، ويراد بالراحلة: الوسيلة النقلية التي يستعان بها في قطع المسافة. ويعتبر فيهما أن يكونا ممّا يليق بحال المكلّف، ولا يشترط وجود أعيانهما، بل يكفي وجود مقدار من المال (النقود أو غيرها) يمكن أن يصرف في سبيل تحصيلهما.


الخامس: الرجوع إلى الكفاية، وهو التمكن بالفعل أو القوة من إعاشة نفسه وعائلته بعد الرجوع إذا خرج إلى الحج وصرف ما عنده في نفقته، بحيث لا يحتاج إلى التكلف ولا يقع في الشدة والحرج.


وبعبارة واضحة يلزم أن يكون المكلف على حالة لا يخشى معها على نفسه وعائلته من العوز والفقر بسبب الخروج إلى الحج أو صرف ما عنده من المال في سبيله.


وعليه فلا يجب الحج على من كان كسوباً في خصوص أيام الحج، بحيث لو ذهب إلى الحج لا يتمكن من الكسب ويتعطل أمر معاشه في سائر أيام العام أو بعضها.


كما لا يجب على من يملك مقداراً من المال يفي بمصارف الحج وكان وسيلة لإعاشته وإعاشة عائلته، مع العلم بأنه لا يتمكن من الإعاشة عن طريق آخر يناسب شأنه.


فبذلك يظهر أنه لا يجب بيع ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه من أمواله، ولا ما يحتاج إليه منها مما يكون لائقاً بحاله، لا أزيد منه كماً وكيفاً، فلا يجب بيع دار سكناه وثياب تجمله، وأثاث بيته إذا كانت كذلك، ولا آلات الصنائع التي يحتاج إليها في معاشه، ونحو ذلك مثل الكتب بالنسبة إلى أهل العلم ممّا لا بد منه في سبيل تحصيله.


وعلى الجملة، لا يكون الانسان مستطيعاً للحجّ إذا كان يملك فقط ما يحتاج إليه في حياته، وكان صرفه في سبيل الحجّ موجباً للعسر والحرج.


نعم، لو زادت الأموال المذكورة عن مقدار الحاجة بقدر نفقة الحجّ، ولو بضميمة ما لديه من غيرها، كان مستطيعاً، فيجب عليه أداء الحجّ، ولو ببيع الزائد وصرف ثمنه في نفقته، بل من كان عنده دار قيمتها عشرة آلاف دينار ـ مثلاً ـ ويمكنه بيعها وشراء دار أخرى بأقل منها من دون عسر وحرج، وجب عليه الحج إذا كان الزائد ـ ولو بضميمة غيره ـ وافياً بمصارف الحج ذهاباً وإياباً وبنفقة عياله.


الصورة الإجمالية لحج التمتع
لما كان يتعين على معظم المكلفين الإتيان بحج التمتع، لأنه فرض على من كان منزله بعيداً عن مكة ثمانية وثمانين كيلومتراً، فإن تخصيصه بالبيان أولى من غيره من أقسام الحج، مع أن الحديث عنه هو في نفس الوقت حديث عن سائر الأقسام، لا سيما وأننا قد بينا ما تفترق به هذه الأقسام عن بعضها... وهو طفيف.


لذا كان من المستحسن ـ من باب التمهيد ـ ذكر صورة إجمالية لهذا الحج قبل الشروع في تفصيل أحكام كل منسك من مناسكه.


ينقسم حج التمتع إلى قسمين:
الأول: عمرة التمتع، وهي التي يجب الإتيان بها من قبل الحج، وأعمالها هي:
1 - الإحرام من أحد المواقيت من خارج حرم مكة.
2 - الطواف بالبيت الحرام.
3 - صلاة الطواف عند مقام إبراهيم عليه السلام.
4 - السعي بين الصفا والمروة.
5- التقصير بأخذ شيء من الشعر أو الظفر.


الثاني: أعمال حج التمتع، التي يشرع بها قبيل الذهاب إلى عرفة.. وهي:
1 - الإحرام للحج من مكة المكرمة.
2 - الوقوف في عرفات في التاسع من ذي الحجة.
3 - الوقوف بالمزدلفة.
4 - رمي جمرة العقبة في منى يوم العيد.
5 - تقديم الهدي.. ذبحاً أو نحراً في منى.
6 - حلق الرأس أو التقصير في منى.
7- المبيت بمنة ليلة الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة.
8 - رمي الجمرات الثلاث يومي الحادي عشر والثاني عشر
9- طواف الحج.
10- صلاة الطواف.
11- السعي بين الصفا والمروة.
12- طواف النساء.
13- صلاة طواف النساء.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع