شارك هذا الموضوع

الحجُّ عبادة وحركة وسياسة

لعلّ من أبرز خصائص الإسلام في تشريعاته العبادية والحياتية، هو هذا الشمول في النظرة إلى الإنسان، فيما يريد أن يحققه من غايات في تنمية شخصيته، وفي مسيرة حياته انطلاقاً من الفكرة الواقعية التي لا تنظر إلى الإنسان الكائن على أنه ذو بعد واحد، ليمكن لنا أن نعالج أوضاعه من جهة واحدة، بل هو كائن ذو أبعاد تلتقي فيها الشخصية الفردية بالشخصية الاجتماعية من دون أن تسمح إحداهما في خصائصها الذاتية بالانفصال عن الأخرى، كما يمتزج في داخلها الجانب الروحي بالجانب المادي، فليس هناك عنصر مادي تختنق فيه النفس في داخل الأسوار المادية، وليس هناك عنصر روحي تحلّق فيه النفس بعيداً عن المادة، في حالة تجريدية رائعة.. بل هي المادة النابضة بالروح أو الروح المنطلقة في حركة المادة.


الانحراف خروج عن التوازن والاستقامة
وفي ضوء ذلك أكّد الإسلام على ممارسة الإنسان للحياة بشكل طبيعي واعتبر الانحراف عن ذلك خروجاً عن التوازن والاستقامة في انطلاقة الإنسان المسلم في الحياة، فقد جاء في بعض الكلمات المأثورة «ليس منا من ترك دنياه لآخرته ومن ترك آخرته لدنياه»، كما جاء في الحديث الشريف، «من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم»، وقوله صلّى الله عليه وآله وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لها».. مما يعني أن العزلة عن الحياة لا تمثل قيمة كبيرة من قيم الإسلام في الحياة، كما أن الفردية المغرقة في ذاتيتها المختنقة داخل قضاياها الخاصة هي تمثل ضدّ القيمة في السلوك الإنساني في نظر الإسلام.


وربما كان من خصائص هذه النظرة الشمولية للإنسان، أنّ الإسلام يريد لأيَّة قضية من قضايا الإنسان، ولأيّة ممارسة من ممارساته، أن تتحرك في خط القضايا والممارسات الأخرى، بحيث تكمّل نقصاً فيه، أو تسدّ فراغاً في وجوده.. فإذا تحرّك الإسلام في خط التربية الفردية لحياة الإنسان، فإنه يريد ـ من خلال ذلك ـ أن يختار له من الصفات الكريمة ما يرفع مستوى إنسانيته، ويحقق له الشخصية الخيّرة في الحقل الاجتماعي، فلا قيمة للعلم مهما بلغت درجة صاحبه فيه، إذا لم يرتفع بالانسان إلى مستوى العطاء الذي يفتح فيه من نفسه مدرسة للآخرين ويقدم للحياة من فكره خبرةً واسعة تمنحها فرصة النّمو والتقدم والازدهار، ولا قيمة للقوّة إذا لم تتحول إلى عنصر من عناصر القوّة التي تنقذ الآخرين من عوامل الضعف الإنساني.. وهكذا يجد الإسلام في الكمال الفردي الإنساني مفتاحاً للدخول إلى الكمال الإنساني الاجتماعي.. ويوحي بالفكرة التي تعطي للخصائص الأخلاقية قيمتها الكبيرة، إذا استطاعت أن تحقق للإنسان ذاته في حركته في قلب المجتمع، وترفض منح القيمة للّذين يمارسون عمليّة النمو في العزلة البعيدة عن الحياة.


الارتفاع بالروح الانسانية إلى الله
وقد أراد الإسلام أن يثير هذه النظرة الشمولية في تشريعه للعبادات.. فقد جاء الإسلام إلى الحياة، والتقى بالنظرة الروحية التي تعتبر العبادة شأناً من شؤون السماء ولا علاقة لها بالأرض، فليس من المفروض للعبادة في قيمتها الروحية أن تحقق هدفاً كبيراً تتحرك ـ على أساسه ـ في شؤونها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بل كلّ دورها ومهمتها أن ترتفع بالروح الإنسانية إلى الله في غيبوبة روحية خالصة، يعيش فيها الإنسان روحانية الخشوع والخضوع والعبودية لخالقه، فيحس معها بالسعادة والنشوة والامتداد في أجواء المطلق والقرب من الله.. وبذلك كانت الرهبانية مظهر السمّو في الروح والإخلاص في العبادة، لأنها تعزل الإنسان عن كل زخارف الحياة وشهواتها ومشاكلها وقضاياها الصغيرة، وتربطه بالله...


وبدأ الإسلام تغيير هذه النظرة إلى العبادة من خلال تغييره للنظرة إلى دور الإنسان في الحياة.. فإذا كان الإنسان خليفة الله في الأرض، وإذا كانت الأرض هي الساحة التي يريد الله لعباده أن يحققوا فيها إنسانيتهم في خطّ السمّو الذي ترسمه لهم رسالاته، وأن يخططوا في جوانبها برامجهم في شؤون النّمو والتقدّم والازدهار على أساس سنن الله في الأرض.. وهذا يعني أن الدور الإنساني في رعاية حركة الحياة وإدارة شؤونها وتخطيط مراحلها وبرمجة أهدافها ليس بعيداً عن ارادة الله ومحبته ورضاه، بل ربّما كان في القرب من الله والتأكيد على عمق عبوديته له ـ فيما تمثله العبادة ـ باعثاً على تحقيق هذه المعاني في نفس الإنسان وحياته بطريقةٍ أفضل، وبإخلاص أكمل..


وقد أعطى الإسلام العبادة ـ في هذا الاتجاه ـ معناها الجديد، وطابعها المميّز ودورها العملي، فلم تعد مجرد حالة وجدانية روحية ذاتية يعيش فيها الإنسان مع ربّه، بل تحولت إلى قاعدة من قواعد التربية التي تتنوع فيها الممارسة لتحقق للإنسان أهدافاً عملية، في حركة شخصيته، وفي مجرى حياته العامّة والخاصة.. فأصبح الإنسان يعيش فيها مع ربّه، ليلتقي ـ من خلاله ـ بحياته، فيملأها بكل المعاني والأهداف والقيم الكبيرة التي يحبها الله ويرضاها، ويحب الناس الذين يعيشونها في عمق الروح، وفي امتداد الحياة، كما يوحي بذلك الحديث المأثور والشريف «الخلق عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله».


الصلاة وسيلة لتنمية الشخصية
فإذا التقينا بالصلاة في الإسلام فإننا نجدها ـ في القرآن الكريم ـ وسيلةً من وسائل تنمية الشخصية في خط الخير والصلاح والسمو الإنساني و الابتعاد عن خط الفحشاء والمنكر فيما ورد في قوله تعالى: {وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر...}[العنكبوت:45]. وفي ما يوحي به الحديث الشريف «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بُعداً...»، وفي ما عبر عنه قوله تعالى {فويل للمصلين*الذين هم عن صلاتهم ساهون*الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون}[الماعون:4 ـ 7]، ما يوحي بأن


الصلاة تدخل في قيمتها الدينية في عمق الحياة الفردية والاجتماعية، بقدر ما يتعلق الأمر بالقيم الإيجابية والسلبية التي تحققها الصلاة في حركة الحياة للإنسان.. سواء في ذلك ما يمارسه الإنسان في حقله الفردي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، انطلاقاً من شمول كلمة الفحشاء والمنكر لكل الأوضاع السلبية، التي يريد الإسلام للإنسان الابتعاد عنها في جميع هذه الأمور، فلا قيمة لصلاة الطغاة والمتكبرين والظالمين والمتعاونين معهم، والخائنين لأمتهم ولدينهم، كما لا قيمة لصلاة السارقين والكذابين والزناة والمغتابين والنّمامين والآكلين للحرام من مال أو طعام.. لأن الصلاة لم تحقق للإنسان شيئاً عملياً في خط الاستقامة أو البعد عن الانحراف.. الأمر الذي يجعل الناس لا يُخدعون بصلاة المنحرفين عن الإسلام في قيمته وشريعته، فيبتعدون بذلك عن السذاجة والبساطة في تقديرهم للأمور، في مواجهتهم للواقع، فإذا رأوا إنساناً مسؤولاً يؤدي صلاته في خشوع، فعليهم أن ينتظروه ليخرج من المسجد وينفصل عن أجواء الصلاة، وينتقل إلى مجالات الحكم والسياسة والإدارة ليعرفوا ـ من خلال ذلك ـ كيف تمتدّ الصلاة داخلَ حياته في هذه المجالات، أو كيف تبتعد عنها تماماً، ليحدّدوا موقفهم على أساس ذلك، كما ورد في الحديث المأثور عن أئمة أهل البيت(ع)، الذي يرفض أن يكون طول الركوع والسجود مقياساً لمعرفة الرجل؛ لأن ذلك ربما يكون جارياً مجرى العادة التي يستوحش الإنسان إذا تركها، واعتبر المقياس ـ بدلاً من ذلك ـ صدق الحديث وأداء الأمانة؛ لأنهما يدخلان في عمق الشخصية الإسلامية ..


الصوم تأكيد على الحس الانساني
فإذا التقينا بالصوم نجد أن الله جعله فريضة يحقق للإنسان من خلالها شخصيته التقيّة التي تقف عند أبواب الحرام المفتوحة أمامها فلا تدخلها، كما يؤكد فيها الإنسان حسّه الإنساني ومشاعره الروحية، والاجتماعية.. عندما يجد طعم الجوع والظمأ في إحساسه بالصوم؛ فيتذكر جوع الجائعين وظمأ الظامئين فيفهم معنى مشكلة الجوع والظمأ من موقع المعاناة الذاتية، لا سيما إذا كان غنيّاً لا يعيش الحاجة إلى الأشياء من خلال حياته العادية؛ لأنه إذا أراد شيئاً حصل عليه، وهكذا كان دور الصوم إنسانيّاً اجتماعيّاً إلى جانب الدور الروحي الذي يحقق فيه الإنسان علاقته الروحية بالله.. ومن الممكن للإنسان أن يتعلم من الصوم: الرفض العملي لكل الأوضاع المنحرفة في الواقع السياسي والاجتماعي انطلاقاً من ارادته الإسلامية القويّة التي ترفض الحرام في العمل الفردي؛ لترفضه في نهاية المطاف في الواقع الاجتماعي والسياسي العام.


قيمة الحج بين العبادات:
والحج من العبادات الإسلامية التي أرادها الله للناس، لتحققوا من خلالها النظرة الشاملة لقضية الإنسان في الحياة.. فقد جعله الله فريضة على كل من استطاع إليه سبيلاً، واعتبر تركها خروجاً على عمق الالتزام الإسلامي، حتى جعل التارك لها في حكم الخارج عن الإسلام.. وقد تعبّد الله به عباده منذ النبي إبراهيم عليه السَّلام وجاء الإسلام فأضاف إليه شروطاً وأحكاماً وحدّد له أهدافاً، ورسم له خطوطاً من أجل أن يحقق للإسلام الدور الكبير في الحياة، فيزيد من فاعليته وامتداداته، فلم يقتصر فيه على جانب واحد من جوانب التربية، بل استوعب المعاني التي تنطلق من العبادات الأُخرى، فشرّع الإحرام في كل التزاماته وتروكه؛ ليحقق للإنسان أهداف الصوم، ولكن في أسلوب متحرّك متنوع لا يخاطب في الإنسان جوع الجسد وظمأه، ولكنه يخاطب فيه جوانب أُخرى، تهذب فيه نزعة القوّة فتوحي له بالسلام، ونزعة التعلق باللّذة فتوحي له بالانضباط والتوازن، ونزعة الترف فتقوده إلى الخشونة، ونزعة الكبرياء فتوجهه إلى التواضع، وتعلّمه كيف يحرّك الفكر والثقافة والمعرفة، في اتجاه الحق بدلاً من الباطل لتبقى المعرفة سبيله الوحيد في حركة الكلمة والفكرة، وشرّع الطواف حول البيت وجعله صلاة، ليعيش معه الإنسان آفاق الصلاة وروحيتها حيث أراد الله ان يكون البيت، الذي أراده الله رمزاً للوحدة بين الناس، في معناه الروحي المتصل بالله، لا في مدلوله المادي المتمثل بالحجارة، وللإيحاء بأن الحياة لا بد من أن تتحول إلى طوافٍ حول إرادة الله، فيما يتمثل في بيته من مشاعر الطهارة والنقاء والخير والبركة والرحمة والمحبّة. لتكون الحياة حركة في طريق الأهداف التي يحبّها الله ويرضاها، ويريد لعباده أن ينطلقوا معها في رساليّة ومسؤوليّة..


وفرض السعي بين الصفا والمروة، ليعيش الإنسان معه الشعور الواعي بأن خطواته لا بد من أن تتجه إلى المجالات الخيّرة، ليكون سعيه سعياً في سبيل الخير، وابتعاداً عن طريق الشرّ، فهو يسعى هنا لا لشيء إلا لأنّ الله أراد منه ذلك ليحصل على القرب منه.. مما يوحي بأن السعي هنا إذا كان للحصول على مرضاة الله فيما تعبّدنا به من أمره ونهيه، فينبغي لنا أن نطلق السعي في مجالات الحياة الأُخرى، في كل آفاقها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، في الاتجاه نفسه لنحصل على رضاه في كل أمورنا.. أمّا الوقفات التي أرادها الله في عرفات والمشعر ومنى، فإنها وقفات تأمل وحساب وتدبّر وانطلاق؛ ليستعيد فيها الإنسان مبادئه التي قد تضيع في غمرات الصراع، التي يخوضها في سبيل لقمة العيش، أو في سبيل تحقيق رغباته ومطامعه المشروعة وغير المشروعة، فإنّ الإنسان قد يفقد الكثير من قيمهِ الكبيرة، تحت تأثير النوازع الذاتية من جهة، والتحديات المضادّة التي قد تخلق لديه ردود فعل متوترة، ـ من جهة أُخرى ـ فينسى في غمرة ذلك كله الكثير الكثير مما يؤمن به أو يدعو إليه .. الأمر الذي يجعله بحاجة إلى مزيد من التأمل والمحاسبة، التي يرجع فيها إلى فكره وعقيدته وخطه المستقيم في الحياة.


وجعل الأضحيّة رمزاً حيّاً للتضحية والعطاء فيما يرمز إليه من تاريخ إبراهيم وإسماعيل، عندما أسلما لله الأمر وانتصرا على نوازع الأبوّة في عاطفتها تجاه البنوة، وعلى حب الذات في إحساس الإنسان بحياته.. وانتهى الأمر إلى أن فداه الله بذبح عظيم، وفيما يريد أن تثيره في حياة الإنسان في كل زمان من السير على هدى هذه الروح؛ ليكون ذلك خطاً عملياً، تسير عليه الحياة في كل مرحلة تحتاجها للتضحية والعطاء.. وكان رجم الشيطان، إيحاءً بما يريد الله للإنسان أن يعيش في حياته كأهم يومٍ يواجه فيه خطوات الشيطان في فكره وعاطفته وقوله وفعله، وانتماءاته وعلاقاته العامة والخاصة. وربما كان في هذا التكرير في الفريضة لرجم الشيطان (الرمز) إشارة بأن قضية محاربة الإنسان للشيطان ليست قضية حالة واحدة يعيشها الإنسان ويتركها، بل هي قضية متجددة في كل يوم.. وهكذا يمكن أن يساهم الحج في إيحاءاته ورموزه وأجوائه الروحيّة، في تنمية الشخصية الإنسانية من الجانب التأملي والعملي والروحي، فيما إذا عاش الإنسان هذه الفريضة من موضع الوعي المسؤول؛ لذلك لا يبقى مجرّد عبادة يهرب فيها الإنسان من الواقع ليغيب في مشاعره الذاتية في جوٍّ مشبعٍ بالضباب، كما يحاول البعض أن يصوّر العبادة..


وفي هذه الأجواء الروحية الواعية المتحركة في خط المسؤولية يمكن أن يعود الإنسان الفرد من رحلة الحج إنساناً جديداً في أهدافه ومنطلقاته وخطواته، من خلال ما عاشه من دروس وعبر ومواقف وتأمّلات، حيث الطهر والخير والمحبّة والحنان، ولعلّ هذا هو ما يريد الإسلام أن يوحيه للحاج فيما ورد في الأحاديث التي توحي بأن الإنسان يخرج من الحج كيوم ولدته أمّه، وأنه يقال له استأنف العمل من جديد.. وذلك في نطاق المضمون الداخلي للحج، لا من خلال الشكل الخارجي الذي يؤديه الكثيرون بدون روحٍ وبدون معنى ممن يعيشون الحج عادةً وتقليداً وسياحةً وتجارةً فينطبق عليه ما ورد عن أحد أئمة أهل البيت عليهم السَّلام عندما نظر إلى الجموع المحتشدة في الموقف، أو في بيت الله فقال: «ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج» ! إذ لا قيمة للعدد إذا لم يكن متحركاً في عمق القيم الروحية في الحياة، فرب رقم صغير يحقق للإنسانية معنى كبيراً هو أفضل من رقم كبير لا يحقق شيئاً للحياة إلا زيادةً في الساحة والحجم على صعيد الأرض، من هؤلاء الذين يكونون عبئاً على الحياة بدلاً من أن يكونوا قوّة لها.


في الأبعاد الروحية:
وإذا كان الحج من حيث هو عبادة ذات مضمون عملي وروحي، يحقق للإنسان هذا الارتفاع الروحي، فإنه يساعد على تغيير الواقع من خلال تغييره للإنسان انطلاقاً من الوحي القرآني في الإسلام الذي يعتبر الإنسان أساس التغيير كما جاءت به الآية الكريم {إن الله لا يُغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم}[الرعد:11].. وبذلك تدخل العبادة في عمق حركة الحياة، ولا تبقى حالةً طارئةً طافيةً على السطح.. وهكذا يستطيع العاملون للإسلام ـ في أساليبهم التربوية العملية ـ أن يشجّعوا الناس على ممارسة هذه الفريضة؛ لتحقيق هذا المستوى من التغيير الداخلي في حياة الإنسان، كوسيلةٍ روحية متقدمة من وسائل التغيير الخارجي لحركة الحياة.. فإن ما يختزنه الفرد من الطاقات الروحية الجديدة في أجواء الحج، هو أعظم من كثير من الأساليب الخطابية التي اعتاد الناس ممارستها في عملية التربية..


وقد رأينا الكثيرين الذين كانوا لا يعيشون المشاعر الروحية في منطلقاتهم، في الوقت الذي كانوا يمارسون فيه الالتزام الإسلامي في بعض مبادئ الإسلام وأحكامه.. قد تغيروا كثيراً بعد قيامهم بهذه الفريضة بطريقة واعية بحيث استطاعت أن تغير مجرى تفكيرهم وشعورهم فيما يعيشون فيه من فكر وشعور .. وتحوّلوا إلى عناصر فاعلة واعية في حركة الإسلام في الدعوة والعمل.
ولكن هل هذا كله هو ما تعنيه لنا هذه الفريضة ؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا هذا التأكيد على وحدة المكان الذي تمارس فيه، وعلى هذا الحشد العظيم من الناس الذي تتنوع أجناسه وألوانه وقومياته ولغاته.. بطبيعة شمول الإسلام كدين لكل هذه الأنواع من الناس.. ؟ لماذا لم يكن كالصوم وكالصلاة اللذين يمارسهما الإنسان في نطاق فردي أو جماعي حسب اختياره.. ؟ هل هناك سرّ يتعدّى الجانب التربوي الفردي إلى الجانب الاجتماعي والسياسي ؟ وهذا ما نحاول أن نستوحيه فيما نريد أن نثير من حديث.


المنافع العامة:
إنّ أوّل ما نلتقي به من نصوص الحج هو النداء الأوّل الذي وجّهه الله للنبي إبراهيم عليه السَّلام في دعوة الناس إلى الحج.. وذلك في قوله تعا لى {وأذّن في الناس بالحجّ يأتوك رجالاً وعلى كلّ ضامرٍ يأتين من كلّ فجٍ عميقٍ ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيّامٍ معلوماتٍ على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}[الحج:27 ـ 28].


فإننا نجد في هذا النداء دعوةً إلى أن يشهدوا منافع لهم من دون تحديد لطبيعتها وحجمها، للإيحاء بالانطلاق في هذا الاتجاه للبحث عن كل المجالات النافعة التي يمكن لهم أن يحققوها من خلال الحج في حياتهم الفردية والاجتماعية إلى جانب الروح العبادية المتمثلة بذكر الله في أيّام معدوداتٍ، شكراً لنعمه وتعظيماً لآلائه وتطبيقاً لتعليماته في توجيه هذه النعمة إلى ما أراده من الإنفاق على الفئات المحرومة البائسة.


وقد يثير القرآن أمام بعض المواضيع حالةً من حالات الإبهام والغموض من أجل أن يدفع الإنسان إلى البحث، في كل اتجاهٍ يتعلق بالموضوع ليحقق الشمول والامتداد في آفاقه فلا يتجمّد أمام فرضيّةٍ واحدةٍ، أو وجه معين، أو اتجاهٍ خاص.. وبهذا يكون التشريع حركةً متجدّدة في خطّ الإبداع والنمو والتقدم..


1ـ ورد في حديث عن الإمام جعفر الصادق عليه السَّلام فيما حدّث به هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد الله (جعفر الصادق) فقلت له: ما العلّة التي من أجلها كلّف الله العباد الحج والطواف بالبيت ؟ فقال: إنّ الله خلق الخلق.. (إلى أن قال) وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين، ومصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب ليتعارفوا، ولينزع كل قوم من التجار من بلد إلى بلد، ولينتفع بذلك المكاري والجمال ولتعرف آثار رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وتعرّف أخباره، ويذكر ولا ينسى. ولو كان كل قوم إنما يتكلون على بلادهم وما فيها هلكوا وخربت البلاد، وسقطت الجلب والأرباح وعميت الأخبار ولم يقفوا على ذلك، فذلك علّة الحج..


2ـ عن الفضل بن شاذان عن الإمام علي الرضا عليه السَّلام قال: إنما أُمروا بالحج لعلّة الوفادة إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف العبد تائباً ممّا مضى، مستأنفاً لما يستقبل مع ما فيه من اخراج الأموال وتعب الأبدان والأشتغال عن الأهل والولد، وحظر النفس [الانفس] عن اللذات، شاخصاً في الحرّ والبرد ثابتاً على ذلك دائماً، مع الخضوع والاستكانة والتذلّل مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع، لجميع من في شرق الأرض وغربها، ومن في البرّ والبحر، ممّن يحج وممّن لم يحج، من بين تاجر وجالب وبائع مشترٍ وكاسب ومسكين ومكار وفقير، وقضاء حوائج أهل الأطراف من المواضع الممكن لهم الاجتماع فيه، مع ما فيه من التفقُّه ونقل أخبار الأئمة إلى كل صقعٍ وناحية كما قال الله عزَّ وجلَّ :{فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون}[التوبة 122]، و{ليشهدوا منافع لهم...}[الحج:28].


الحجّ ملتَقى المسلمين:
إننا نستوحي من هذين الحديثين، أن الإسلام أراد للحج أن يكون ملتقىً للمسلمين جميعاً في شرق الأرض وغربها، من أجل تحقيق التعارف والتواصل بينهم، وتحصيل المنافع الاقتصادية والاجتماعية لمن حجّ ولمن لم يحج، وتبادل التجارب والخبرات المتنّوعة، التي يملكها كل فريق من خلال أوضاعه العامة والخاصة.. وتسهيل حركة الدعوة إلى الله بالانطلاق من موسم الحج للاتصال بكل المناطق الإسلاميّة التي تتمثّل بأفرادها، الذين يقصدون بيت الله الحرام؛ لأداء الفريضة فيما يتعلمونه من ثقافة الإسلام وشريعته، وفيما يتعاونون فيه من مشاريع وأعمالٍ وخططٍ على أساس المصلحة الإسلاميّة العليا.. لينطلق العمل الإسلامي من قاعدة مركزّيةٍ واسعة.. في أجواء الإسلام التاريخية التي شهدت مولد الدعوة وعاشت حركيتها، وحقّقتْ أهدافها الكبيرة في جهادها المرير الصعب، فيكون التحرك في الخط من موقع الفكرة والجوّ والخبرة المتبادلة والمعاناة الحاضرة.


وهكذا يعيش الناس فيما يقصدونه من مزارات أجواء الإسلام الأولى، التي يعيشون معها الإحساس بالانتماء الروحي والعملي لهذا التاريخ، مما يوحي لهم بأن الإسلام الذي ينتمون إليه يمتدّ إلى تلك الجذور العميقة في أعماق الزمن، وبأن عليهم أن يعطوا هذا التاريخ امتداداً من خلال جهادهم ومعاناتهم. كما استطاع المسلمون أن يحققوا لهم هذا الامتداد الذي يتصل بمسيرتنا الحاضرة.. وبذلك لن تكون الزيارات تقليداً يفقد معناه، وعبادة تتجمد أمام المزار؛ لتنفصل عن معنى التوحيد العميق؛ الذي يخلص العبادة لله دون غيره، ولا يتحرك نحو جهةٍ أو شخصٍ أو عمل إلا من خلال تعاليم الله التي أنزلها على رسوله.. الأمر الذي يعطي كل تحرّك معناه الروحي، فيما تعطيه حركة التاريخ من مضمون انسانيّ اسلاميّ، يغني التجربة، ويعمّق الإيمان.


سقوط الفوارق:
وعلى ضوء ذلك، نفهم أنّ: اللقاءات التي يخطّط لها الإسلام من خلال هذه الفريضة العباديّة، لا بدّ من أن تعيش الهدف الكبير في تحقيق لقاء اسلاميّ شامل؛ ليستهدف إلغاء كل الفوارق الطبقية واللونية والعرقية والإقليمية.. من خلال التفاعل الإنساني الروحي الذي تحققه هذه اللقاءات التي تتمّ في أجواء روحية خالصة، يستشعر فيها الجميع بالقيمة الإسلاميّة على هدى الممارسة في وحدة الموقف واللباس والشعار والتحرّك.. فيلغي المشاعر الطارئة المضادّة، التي يمكن أن يتعامل من خلالها الاستعمار الكافر، لتفتيت طاقاتهم وتدمير وحدتهم.. حتى إذا نجح في بعض خطواته، فيما يستغلّه من بعض الأوضاع السلبية.. كان الحج له بالمرصاد ليبعثر تلك الخطوات الشريرة، ويفوّت عليه عمليّة الاستغلال هذه، بما يثيره من مشاعر طاهرة وأفكارٍ واعية، وخطواتٍ إيمانية متحركة يقظة..


بين الخطّة والواقع:
ذلك هو بعض ما نستوحيه من تشريع الحج في مدلوله الإجتماعي والسياسي، إلى جانب مدلوله الروحي العبادي التربوي، وذلك هو ما مارسه الأئمة من أهل البيت عليهم السَّلام عندما كانوا يعتبرون الحج قاعدة للحوار مع كل الفئات المنحرفة، كما كانوا يحاولون أن يحقّقوا اللقاء بكل العناصر الطيبة التي يريدون لها أن تسير في الخطّ الإسلامي المستقيم، في خطة توجيهية عملية شاملة...


فماذا عن الواقع الذي يعيشه الحج في هذه المرحلة من تاريخ الإسلام ؟ إننا نلاحظ حشداً كبيراً من البشر، الذين يفدون إلى بيت الله الحرام من مشارق الأرض ومغاربها، من مختلف القوميات والألوان، ونستمع إلى كثير من الأصوات التي تعجّ بمختلف اللّغات، وإلى الإبتهالات التي ترتفع إلى الله من شفاه المؤمنين ومن قلوبهم مستغفرة شاكية باكية، ونشاهد كيف تتقايض الدموع الخاشعة من العيون الحائرة القلقة التي تتطلع إلى غفران ذنوبها، وتكفير آثامها والفوز بالجنة والنجاة من النّار.. ونتابع الحجيج في خطواتهم وأعمالهم، فنلاحظ الإلحاح على تجميد شعائر الحج في نفوسهم، في محاولةٍ للحفاظ على الشكل بعيداً عن المضمون.. فإذا دخلت إلى مجتمعاتهم فإنك سترى العلاقات العادية، التي اعتادوها في بلادهم التي جاءُوا منها، بكل ما تشتمل عليه من سلبيّات، وما تفرزه من نتائج سيّئةٍ تعبث بأجواء الحج أيما عبث، وتسيء إليه أيّما إساءة.. وهكذا لا تجد هناك مجتمعاً يترابط أفراده بالهدف الواحد، بل نجد أفراداً يعيشون شكل المجتمع من دون معنى أو روح..


هذا في المدلول الذاتي للحج إن صح التعبير..
فإذا تطلّعت من جديد إلى الجوّ الداخلي للمسلمين، فماذا تجد ؟ إنك ستجد الاختلافات المذهبية بين المسلمين تتحجّر وتتجمّد في صيغ جامدة لا يملك أصحابها تحريكها أو توجيهها، أو إفساح المجال لها لتتنفس الهواء النقي الذي يجدّد لها أفكارها، ويبعث فيها المرونة والحيويّة، التي تدفعها إلى الحركة والحوار حتى كأن الفكر الإسلامي لدى كل فئةٍ وقف في بعض لحظات التاريخ عند أشخاص معينين، وكفّ عن الحركة في المراحل الزمنية الأخرى.. ولعل من المفارقات أن الكثيرين ممن يقلّدون المجتهدين لا يدّعون لهم العصمة في رأي واجتهاد، ولكنهم لا يحاولون أن يناقشوهم في فتاواهم أو آرائهم، بل يثيرون الغبار في وجه كل من يحاول ذلك.. وقد لا يقتصر الأمر على ذلك بل يتعداه إلى المحاولات المتشنجة التي يقوم بها كل طرف اسلامي ضد الأطراف الأخرى في أساليب متنوعة فيما تملكه من عناصر الإثارة التي لا تقوم على أساس من الفكر الهادئ المتّزن والأسلوب الإيماني المنفتح، الذي أرشدنا الإسلام إليه ودعانا إلى ممارسته في ما نختلف فيه من فكر، وفي ما نتنازع فيه من أمر.. وبذلك يتحول هذا المجتمع الإسلامي إلى مجتمع تتزايد فيه المشاحنات والأحقاد بدلاً من أن يكون مجتمعاً تذوب فيه كل هذه العوامل السلبيّة ..


أمّا الجانب السياسي فقد لا تجد فيه أية حركة إيجابية جادة تتناول قضايا المسلمين بالدرس والمناقشة والمعالجة، سواء فيما يتعلق بالأوضاع السياسية التي يعيش فيها المسلمون مشاكل الحرية والعزة والكرامة، بسبب وقوعهم تحت قبضة الاضطهاد الاستعماري والفكري والعنصري، أو في ما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية التي تتصل بثرواتهم المعدنية والزراعية، في ما يواجهه المسلمون من محاولات ظالمة في الضغط المتواصل، من قبل الدول المستعمرة، لتعطيل خطط التصنيع والإنتاج في سياسة الاكتفاء الذاتي التي يتطلع إليها العالم الاسلاميّ، وذلك لإبقاء هذه الشعوب سوقاً استهلاكية لمنتجاتها، الأمر الذي يجعلها تحت رحمة الحروب الصغيرة التي تثيرها الدول الكبرى المستكبرة فيما بينها من أجل أن تشغلها عن خطط التنمية والتطوير، وذلك بفضل عملائها الذين تضمن إخلاصهم لها من خلال ضمانها لمراكزهم التي يتربعون عليها.. إنك لا تشعر بارتفاع الأصوات الهادرة، التي تحاول أن تثير المشاعر الإسلاميّة ضد هذا الواقع السيء كوسيلة من وسائل الإثارة نحو التغيير؛ وذلك لأن الأجواء المحيطة بالواقع السياسي هناك تمنع من أيّ حركةٍ في هذا الاتجاه لما يحقّقه ذلك من تفجير للطاقات الشعبية في الخط السليم المضاد لذلك الواقع..


إننا نواجه الآن الواقع الإسلامي المرتبك المضطرب الضائع بين الاتجاهات غير الإسلاميّة، سواء منها الاتجاهات الماركسية، أو القومية، أو الاشتراكية، أو الإقليمية وبين الاتجاهات الإسلاميّة المختلفة في تطلعاتها وخططها وأهدافها.. كما نواجه الواقع السياسي الذي يعيش فيه المسلمون بين واقع خاضع للسيطرة الاستعمارية بشكل مباشر، كما في فلسطين وإريتريا والفيليبين وغيرها من البلاد الخاضعة للاستعمار القديم والجديد، وبين واقع خاضع للحكم الإستعماري المقنع بقناع وطني أو اسلامي فيما يمارسه من ظلم واضطهاد وطغيان وتفتيت للثروات والطاقات الإسلامية وتضييعها في الفراغ، وإفساد للفكر والعمل والواقع في كل مجالات الحياة.. ويمتد هذا الواقع السيء فيتمثل في الأوضاع الاقتصادية القلقة التي تضغط على المسلمين في طريقة الإنتاج والاستهلاك وتوزيع الثروة وإهدار الطاقة وتخطيط الاقتصاد على أساس المصالح الاستعمارية.. أما الأوضاع الاجتماعية والأخلاقية فإنها تنحدر بشكل عجيب فيما يتنافى مع التخطيط الإسلامي للمجتمع وللأخلاق..


إننا نواجه هذا الواقع الذي يتحدّى وجودنا الإسلامي في الصميم، ونشعر ـ معه ـ بغياب الإرادة الإسلاميّة الواحدة في مواجهته وتغييره.. بل ربما نجد أمامنا الإرادة المضادة التي عمل على استمراره وزيادة انحرافه بفضل عملاء الكفر والاستعمار من حكام بلاد المسلمين وقادتهم.. وذلك من خلال أساليب الضغط على الحركات الإسلاميّة الرائدة القائدة، بإعدام قادتها وإغتيالهم، وتفتيت قواعدها، وتخليدهم في السجون التي يلاقون فيها أبشع ألوان العذاب الوحشي مما لا يخطر على قلب بشر.. والتضييق على الفكر الإسلامي الواعي بمنع الكتب والمجلات الإسلاميّة الهادفة الملتزمة، وإفساح المجال للفكر المنحرف والخليع من أجل تمييع الإنسان المسلم.. ومنع اللقاءات الإسلاميّة، والاجتماعات الثقافية والسياسية الهادفة.. في كل بلدٍ يحكمه هؤلاء..


ومحاولة إثارة الخلافات المذهبية وتحويلها إلى عنصر تفجير للواقع الإسلامي في أوضاع طائفية سياسية حاقدة.. إن هذا الواقع يفرض علينا العمل على تحويل موسم الحج.. إلى موسم إسلاميّ كما أراده الله، ليكون مجمعاً للمسلمين يلتقي فيه المفكرون في حوار فكري إسلاميّ سليم؛ ليصلوا إلى القناعات المشتركة، أو المتقاربة، أو ليفهموا وجهة نظر كل منهم؛ ليعرفوا ارتكاز الجميع على أسس فكرية اسلاميّة، فيما يتوصل إليه المجتهدون والمفكرون... ويعملوا على أساس الوصول في نهاية المطاف، بالصبر والفكر، إلى الوحدة في الفكر والأسلوب والعمل.


وفي هذا الاتجاه، يعمل المخلصون على لقاء الحركات الإسلاميّة من سائر أنحاء العالم الإسلامي، من أجل أن يتبادلوا الأفكار والخبرات ويتعارفوا فيما يحملون من تطلعات وأهداف، وفيما يرتكزون عليه من منطلقات ليكتشفوا من خلال ذلك في أنفسهم ما يختلفون فيه، ليبحثوا كيف يحولونه إلى قناعات مشتركة، وما يتفقون عليه ليستزيدوا منه في الجوانب الأُخرى ويحولوه إلى خطوات عملية للتعاون من أجل تكامل العمل الإسلامي من جهة، وتوحيد الطاقات الفاعلة في سبيل حل مشاكل الإسلام والمسلمين من جهة أُخرى.. وليبحثوا مشاكل التحرر من الاستعمار والخروج من سيطرة الضغوط السياسية والاقتصادية، ليتحرك الجهاد الإسلامي في حياة المسلمين من موقع الفكر الإسلامي الذي يستهدف عزة المسلمين وكرامتهم في دولة اسلامية هادفة مظفّرة، على أساس الوسائل الإسلاميّة المشروعة والخطط الواقعية المدروسة.


وإننا نؤكد على مثل هذه اللقاءات، لأن الاعتماد على المراسلة والقراءة الفكرية لا تستطيع ـ غالباً ـ أن تمنح الموقف الإسلامي وضوحاً في الصورة، بحيث تزيل الشبهات العالقة في أذهان القائمين على الحركات ضد بعضهم البعض، التي خمدت كثيراً من فرص اللقاء على الأسس الإسلاميّة المشتركة.


وقد تحتاج إلى توجيه العمل إلى لقاء المسلمين ببعضهم البعض في أجواء اسلامية حميمة، يتحادثون فيها فيما بينهم، في كل ما يهمهم من قضايا؛ وذلك بالزيارات الفردية والجماعيّة لجمعيات الحجاج وأماكن تجمعهم، ليتحسسوا الشعور بالوحدة من خلال اكتشاف الهموم المشتركة والقضايا الواحدة، والأهداف الكبيرة التي يلتقون فيها على اسم الله.. ليحقّق ذلك رفضاً لكل الخطط والمشاعر، التي يعمل الكافرون من خلالها على عزل المسلمين عن بعضهم، من خلال الشعور القومي أو الإقليمي أو غير ذلك.


.. أما قضايا الجهاد الإسلامي فإنها تستفيد من موسم الحج الكثير الكثير مما يحققه من اجـتماع القيادات الواعية التي لا تستطيع أن تجتمع في مكان آخر يمارس فيه الظالمون الاضطهاد والملاحقة لكل العاملين للإسلام.. فإن مثل هذا الاجتماع يصحح كثيراً من الانحرافات، ويوحّد كثيراً من الجهود، وينظم كثيراً من الأعمال المتنوعة المبعثرة، وهناك الكثير الكثير من المنافع والفوائد التي نستطيع أن نحققها في هذا الموسم الإسلامي الكبير.. مما يجب أن نفكر فيه ونعمل له .. ونصل إليه من أهداف.


ولكن.. هل نحن في محاولة للتنظير المترف.. وهل يتحقق ذلك كله ؟.. فقد يفرض السؤال نفسه علينا من خلال الواقع السلبي المنحرف.. الذي يعيشه موسم الحج الآن.. كيف يتحققّ ذلك كله؟

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع