ليس العباد –المصلون، الذاكرون،الصائمون،الحجاج-على درجة واحدة وعلى مستوى واحد بل تتعدد الدرجات وتتعدد مستويات وذلك إلى مجموعة عوامل وأسباب، نعرض لها في سياق هذا الحديث إن شاء الله تعالى،وفيما يخص الحجاج جاء في الحديث :"يصدر الحجاج على ثلاثة أصناف:
• صنف يعتق من النار
• وصنف يخرج من الذنوب كيوم ولدته أمه
• وصنف يحفظ في أهله وماله وذلك أدنى ما يرجع به الحاج".
وروي عن رسول الله(ص)"الحجاج ثلاثة :فأفضلهم نصيبا رجل غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر ووقاه عذاب القبر، وأما الذي يليه فرجل غفر له ذنبه ما تقدم منه ويستأنف العمل فيما بقي من عمره،وأما الذي يليه فرجل حفظ في أهله وماله". من خلال هذين الحديثين يمكن أن نصف حجاج بيت الله تعالى إلى ثلاثة مستويات أو ثلاثة أصناف:
المستوى الأول:العتقاء من النار
أو بحسب تعبير الحديث الثاني "رجل غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر ووقاه عذاب القبر" وهذا الصنف أفضل الأصناف وهذا المستوى هو أرقى المستويات ،كونه قد توفر على شهادة "العتق من النار" و"غفران الذنوب ما تقدم منها وما تأخر"
وهنا قد يطرح تساؤل:
ما معنى أن يتوفر هذا الصنف من الحجاج على شهادة "العتق من النار" وربما انحرفوا أو ما رسوا المعاصي أو اركبوا المخالفات في مستقبل أيامهم ، وفي مستقبل حياتهم؟ ثم ما معنى أن يصدر عفو سابق عن الذنوب والمعاصي والمخالفات المتأخرة وقد يكون كبائر وموبقات؟
هذا التساؤل يطرح إشكالا وجيها إلا أن هذا الإشكال يمكن معالجته حينما نفهم دلالة الحديثين.
إن المستوى الارقى من الحجاج هم الذين يمارسون الحج،ويتعاطون مع الحج بطريقة متقدمة جدا وبأسلوب متميز ومتوافر على أعلى الخصائص والشرائط والمكونات،مما يخلق في داخله درجة عالية جدا من "التقوى والورع" وبشكل متأصل في داخل النفس ، ومن خلال هذا التشكل تتكون"حصانة إيمانية داخلية راسخة" قادرة على أن تحمي هؤلاء من كل الانحرافات ، وقادرة على أن تضعهم على خط الاستقامة والطاعة والالتزام ما داموا في هذه الحياة ، وإذا قدر أن صدر منهم ذنب أو معصية أو مخالفة فملكة التقوى وحصانة الإيمان تتحركان بقوة وبشكل عاجل لتعودان بهم إلى حظيرة الطاعة والالتزام والاستقامة"إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون"..
وهكذا كان الحج الرباني الحقيقي قادر على أن يصوغ من هؤلاء نماذج إيمانية راقية تملك من التقوى ما يحصنها من كل الانزلاقات والانحرافات والضلالات إلى أخر مشوار الحياة لتكون النتيجة "الفوز والرضوان والنعيم الدائم""للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله؟،والله بصير بالعباد ، والذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار،الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار"
هذا هو عطاء الحج إذا كان حجا ربانيا حقيقيا، وكذلك يكون عطاء الصلاة الربانية والذكر الرباني والتلاوة الربانية،والصيام الرباني.
• قال الإمام الباقر(ع) في قوله تعالى:"الذين هم على صلاتهم يحافظون" قال"هذه الفريضة من صلاها لوقتها عارفا بحقها لا يؤثر عليها غيرها كتب الله له براءة لا يعذبه، ومن صلاها لغير وقتها غير عارف بحقها ، مؤثرا عليها غيرها كان ذلك إليه عز وجل ،فان شاء غفر له وان شاء عذبه"
• جاء في الحديث عن رسول الله(ص)"من صام شهر رمضان فحفظ فرجه ولسانه وكف أذاه عن الناس غفر الله له ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر واعتقه من النار وادخله دار القرار..."
• ورد عن الإمام الحسن (ع) قال: "إن هذا القران يجيء يوم القيامة قائدا وسائقا ، يقود قوما إلى الجنة ،احلوا حلاله وحرموا حرامه،وآمنوا بمتشابه،ويسوق قوما إلى النار ضيعوا حدوده وأحكامه واستحلوا محارمه..."
المستوى الثاني: الذين يخرجون من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم:
هؤلاء اقل درجة من أصحاب المستوى الأول فإذا كان هؤلاء أولئك قد حازوا على وثيقة العتق من النار ودخول الجنة ،فان هذا الصنف من الحجاج استطاعوا أن يتخلصوا من كل تبعات الماضي وان يخرجوا من كل ذنوبهم السابقة،وأصبحوا وكأنهم قد ولدوا من جديد ، وإذا كان هؤلاء قد غفر لهم كال ما تقدم من الذنوب والمعاصي فهذا لا يعني أنهم حصلوا على "ضمانه النجاة والفوز بالجنان"فذلك مرهون بما يمارسون في مستقبل حياتهم،فربما انحرفوا او ضلوا او سقطوا في حبائل الشيطان من جديد او قادهم الهوى في فعل المعاصي او الجرائم او الموبقات.
هذا النمط من الحجاج يقال لهم بعد تمام مناسكهم "لقد غفر لكم ما مضى فاستأنفوا العمل"
ان استئناف العمل في حاجه الى درجة كبيرة من الوعي والبصيرة والإرادة والتصميم والمراقبة والمحاسبة و إلا كان الإنسان في معرض الخطر والانزلاق والوقوع في حبائل الشيطان.
إذا كان الحجاج من خلال هذا المستوى قد استطاعوا تصفية كل الحسابات السابقة وإنهاء كل التبعات الماضية والتأسيس لمشوار جديد فيجب أن لا يستسلموا لما حققوه من مكاسب ، ولما اخرزوا من انتصارات على الشيطان والنفس والهوى فكثيرا ما تحول المكاسب اى خسائر,وكثيرا ما تتحول الانتصارات إلى هزائم حينما يضعف الإنسان وتسترخي إرادته ،ويقوده طول الأمل ويأسره الهوى،وتخدعه الدنيا،ويغفل عن ذكر الله،فيكون مصيره إلى النار وبئس القرار"جهنم يصلونها وبئس القرار" فحذار من الغفله والاسترخاء والكسل عن الطاعة والعبادة وفعل الخيرات،وحذار حذار ان يرد علينا حجنا حينما نعود الى المعاصي والذنوب.
• من كلمات رسول الله (ص)انه قال"من علامة قبول الحج اذا رجع الرجل عما كان عليه من المعاصي والذنوب , هذه علامة قبول الحج ،وان رجع م ن الحج ثم انهمك فيها كان فيه من زنا او خيانه او معصيه فقد رد عليه حجه".
• ومن كلماته (ص) :"ايه قبول الحج ترك ما كان عليه العبد مقيما من الذنوب".
المستوى الثالث:
الذين يحفظون في أهلهم وأموالهم:
ربما لايتوفق بعض الحجاج إلى نيل المكاسب الاخرويه،ولا يفوزون بالعفو والمغفرة والرضوان نتيجة خلل او تقصير في اداء هذه الفريضه ونتيجه لغياب الكثير من اسباب الصحة والقبولإلا ان الله عزوجل بكرمه وفيضه لا يحرم من قصد بيته من بعض المعطاءات الدنيوية فأدنى ما يرجع به الحاج ان يحفظ في أهله وماله.
وهذا المستوى من الحجاج في حاجة الى ان يعيد حساباته مع نفسه،ومع مكوناته الإيمانية والروحية ،من اجل ان يؤهل نفسه من جديد وان يصوغ علاقته مع العبادات بطريقة فعاله وناجحة، وان يخطط لجولة جديدة مع الحج.
التعليقات (0)