واصل سماحة الشيخ حسين البلادي سلسلة محاضراته الرمضانية في حسينية الحاج أحمد بن خميس، وذلك في ليلة التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك لعام 1446هـ. افتتح سماحته المحاضرة بتلاوة قوله تعالى: "ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (التوبة: 118).في مفهوم التوبة ، تناولت الآية الكريمة أحد أسماء الله الحسنى، وهو "التوّاب".
هنا تبرز مسألتان: الأولى : يُطلق اسم "التوّاب" على الله عز وجل للدلالة على كثرة قبوله لتوبة عباده. لغويًا، التوبة تعني الرجوع، وعند الرجوع إلى القرآن الكريم نجد أنه يعبّر عن التوبة بطريقتين: الأولى : التوبة التي تُعدّى بـ(على)، كما في قوله تعالى: "ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ" (التوبة: 118)، وهي توبة من الله على العبد، بمعنى أن الله يتفضّل عليه بقبول توبته. الثانية : التوبة التي تُعدّى بـ(إلى)، كما في قوله تعالى: "وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا" (النور: 31) ، وهي التوبة التي يقوم بها العبد نفسه، أي رجوعه إلى الله بعد اقتراف الذنوب. وهنا يبرز السؤال: إذا كان معنى التوبة واحدًا وهو الرجوع، فما الفرق بين رجوع العبد ورجوع الله؟
الفرق بين توبة العبد وتوبة الله ، الأول : توبة العبد ، أي أن الإنسان عندما يكون ملتزمًا بالواجبات الشرعية، فهو يسير في مسار العبودية لله. لكن بمجرد ارتكابه للمعاصي، فإنه يخرج من هذا المسار إلى مسار عبودية الهوى والشيطان. الثانية : توبة الله: حين يكون العبد في طريق الطاعة، يفيض الله عليه برحمته ولطفه، ولكن عند اقترافه الذنوب، فإن الله يُعرض عنه. فإذا تاب العبد، رجع الله إليه بالمغفرة والرحمة. جاء في الحديث: "إن العبد ليسأل الله الحاجة، فتكون على وشك أن تُقضى، فيذنب العبد، فيقول الله للملَك: لا تقضِ حاجته، فقد استوجب حرماني" . معنى اسم "التوّاب" جاء اسم الله "التوّاب" على صيغة المبالغة، للدلالة على أن الله يُكثر من قبول التوبة، سواء من حيث الكم أو الكيف.
أولًا: كثرة قبول التوبة (بلحاظ الكم) ، يرجع ذلك إلى ثلاثة أسباب: السبب الأول : كثرة التائبين منذ خلق آدم حتى قيام الساعة، قال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ" (الشورى: 25). ، السبب الثاني : كثرة توبة العبد الواحد بعد تكرار الذنب، فقد رُوي أن أحدهم سأل الإمام الباقر (عليه السلام): "يا أبا جعفر، الرجل يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب، حتى متى؟ فقال: حتى يكون الشيطان هو المحسور" ، السبب الثالث : كثرة الذنوب والمعاصي في الدنيا، إذ إن الحرام أكثر من الحلال، ومع ذلك يفتح الله باب التوبة دائمًا. ورد في الحديث أن رجلًا أتى النبي ﷺ وقال:"يا رسول الله، هل لي من توبة؟ فقد قتلتُ، وزنيتُ، وسرقتُ." فقال النبي: "ألم تسمع قول الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ)" . ثانيًا: كثرة قبول التوبة (بلحاظ الكيف) أي أن الله لا يرد التائب، مهما تكرر ذنبه، ويقبل توبته حتى في اللحظات الأخيرة من عمره: قال تعالى: "إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ" (النساء: 17). ورد عن النبي (ص) أنه قال: "من تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته، ثم قال: إن السنة لكثيرة من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته، ثم قال إن الشهر لكثير، من تاب قبل موته بجمعة قبل الله توبته، ثم قال: إن الجمعة لكثير من تاب قبل موته بيوم قبل الله توبته، ثم قال: إن يوما لكثير من تاب قبل أن يعاين قبل الله توبته."
من خصوصيات توبة الله ، أولًا محبة الله للتائبين: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" (البقرة: 222). وقد شبّه النبي ﷺ فرحة الله بتوبة عبده بفرحة رجل فقد ناقته في صحراء ثم وجدها فجأة: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ وَجَدَ ضَالَّتَهُ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ" ، ثانيًا ستر الذنوب بعد التوبة: في الحديث: "إذا تاب العبد، ستر الله عليه، وأنسى الملائكة الذين كتبوا عليه، وأنسى الأرض التي أذنب عليها" ، ثالثًا : غلق الملفات نهائيًا ، "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" .
البلادي ليلة التاسع و العشرين من شهر رمضان 1446هـ/ 2025م






























التعليقات (0)