شارك هذا الموضوع

هل يسمح الإسلام للمرأة أن تمارس عملاً ثقافياً واجتماعيا وسياسياً

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الهداة الميامين..


سنحاول أن نجيب عن السؤال: هل يسمح الإسلام للمرأة أن تمارس عملاً ثقافياً واجتماعيا وسياسياً ؟
يدّعي البعض أنّ الإسلام يحّرم على المرأة أن تمارس أيّ عمل ثقافي، اجتماعي، سياسي، فهل تستند هذه الدعوى إلى مجموعة مبررات صحيحة؟


المبرر الأول:
الإسلام فرض على المرأة الحجاب ، ومن الطبيعي أنّ الحجاب يعطّل دور المرأة الثقافي والإجتماعي و السّياسي ، وإنّ الحجاب يشلّ طاقة المرأة الإنتاجية ويجّمد قدرتها في العمل .


ولنا حول هذا المبرر عدة ملاحظات:
الملاحظة الأولى : لا منافاة بين الستر الإسلامي وممارسة العمل الثقافي والإجتماعي والسّياسي ، فالالتزام بالستر والعفة والحشمة لا يجّمد العقل والفكر والثقافة فهاهن الكثيرات من المسلمات الملتزمات أثبتن وبكل جدارة التفوق الفكري، الثقافي، العلمي، فما كان السفور والتبرج والابتذال هو الذي يعطي للعقل قدرته على العطاء والإبداع.


ثم إنّ الالتزام بالستر والعفة والحشمة لا يعطّل الحركة الإجتماعية والسّياسية، بدليل أنّ الكثيرات من الملتزمات إستطعن أن يمارسن العمل الإجتماعي والسّياسي وبكل كفاءة ، والشواهد على ذلك حاضرة هنا وهناك ، وفي هذا البلد أو ذاك . ولا نريد أن نذهب بعيداً ، فهاهي المرأة البحرانية الملتزمة تمارس دورها الثقافي والإجتماعي والسّياسي دون حاجه إلى أن تتخلى عن التزاماتها الدينية والأخلاقية.


الملاحظة الثانية : إنّ الطاقة الإنتاجية عند المرأة لا يتوقف إسَثمارها على الإبتذال والتخلي عن الستر والعفة.
هناك مجالات كثيرة يمكن للمرأة أن تمارس من خلالها دودها الإنتاجي من دون حاجة إلى السفور والتبرج ، وإذا كان الواقع اللا إسلامي الذي فرض على مجتمعاتنا ، جعل المرأة المسلمة الملتزمة تمتنع من إقتحام الكثير من مواقع العمل ، فالمسؤولية يتحملها هذا الوقع المنحرف ، ولا تتحملها المرأة الملتزمة المحافظة على دينها وقيمها .


ثم دعونا نتساءل:
أليس تشغيل المرأة في الكثير من مواقع العمل قد سبب تعطيل الكثير من طاقات الرجال؟
لو سلمنا أنّ المرأة المسلمة ترفض العمل في الأجواء غير الملتزمة مما سبب تعطيل طاقة المرأة الإنتاجية ، وفي هذا خسارة اقتصادية للمجتمع ، فكم هي الخسارة الروحية والمعنوية والأخلاقية الناشئه من ولوج المرأة تلك الأجواء غير الملتزمة ؟
وكم تنتج هذه الأجواء المختلطة غير الملتزمة من مفاسد وجرائم تكلّف المجتمع خسائر مادية باهضة؟


إنّ الإسلام لا يمنع المرأة أن تعمل إذا اقتضت الضرورة ذلك ، بشرط أن تلتزم الشروط والضوابط الشرعية والأخلاقية، وأن لا تفرّط في مسؤوليات الأسرة والزوج والأولاد .


الملاحظة الثالثة : إنّ هذه الإشكالية وغيرها من الإشكاليات التي تواجه الحجاب الإسلامي ـ الستر الشرعي ـ هي نتاج (( ثقافة التغريب )) ، هذه الثقافة التي استطاعت أن تقتحم ذهنية الكثيرين والكثيرات من أبناء مجتمعاتنا الإسلامية ، معتمدة وسائل الإعلام ، والتربية ، والثقافة ، والفن ، والرياضة


وقد لعبت المؤسسات والجمعيات النسائية ذات الطابع التغريبي دوراً كبيراً في إثارة الإشكالات والاتهامات والشبهات ضد (( الحجاب الإسلامي )) ومن هنا نحذّر نساءنا وبناتنا من الإنخداع بكثير من العناوين والشعارات التي تطرحها هذه الجمعيات .


إننا ندعو إلى وجود المؤسسات والجمعيات النسائية، التي تمارس دورها الثقافي والإجتماعي والتربوي والسّياسي ، ولكنّا نؤكد أن تعتمد هذه المؤسسات والجمعيات الأهداف الحقيقية التي تعبّر عن هوية المرأة المسلمة الملتزمة بدينها ، وقيمها ، وأخلاقها ، فإذا بثت بشكل واضح أنّ هذه الجمعية أو تلك تتبنى من خلال أهدافها ، وبرنامجها العملي ، (( تأصيل الهوية الإسلامية )) للمجتمع النسوي في هذا البلد ، وحماية قيمه الروحية ، وتكوّنه الثقافي والإجتماعي والسياسي وفق الضوابط الشرعية والإيمانيه .


إذا ثبت ذلك ، فمسؤولية المرأة المسلمة أن تنفتح بكل إمكاناتها وقدراتها على هذه الجمعية أو تلك ، والاّ فمسؤولية المرأة المسلمة أن ترفض التعاطي مع جمعيات تروج لثقافة التغريب والإستلاب ومصادرة الهوية ، والدين ، والقيم.


المبرر الثاني:
وثاني المبررات التي إعتمدتها دعوى الإتهام بأنّ الإسلام يعطّل دورالمرأة الثقافي والإجتماعي والسّياسي هو (( كون الإسلام يحرم الإختلاط بين الرجال والنساء )) وهذا ـ بلا إشكال ـ يضغط على حركة المرأة ، ويعيق انطلاقاتها الثقافية والإجتماعية والسّياسية.


ونلاحظ على هذا المبرر:
أولاً : هناك نوعان من الإختلاط :


الإختلاط المحرم وهو الذي لا يخضع للضوابط الشرعية والأخلاقية .
ا ـ أن تكون المرأة غير ملتزمة بالستر الشرعي
ب ـ عدم الإلتزام بالضوابط الشرعية في الكلام والنظر وغيرهما .
جـ ـ أن يترتب مفسدة على ذلك الإختلاط .


فهذا اللون من الإختلاط يمنعه الإسلام حمايةً للعلاقة بين الرجل والمرأة ـ في خارج الدائرة الأسرية ـ من أن تقع في الإنزلاقات الخطيرة ، وما يترتب على ذلك من الأضرار التي تهدّد الأسرة ، والمجتمع ، والحياة .


الإختلاط المباح ، فيما إذا كان هذا الإختلاط خاضعاً لكل الضوابط الشرعية والأخلاقية ولا يترتب عليه أيّ مفسدة .


ثانياً : في ضوء التقسيم السَّابق يتضح أنَّ الإختلاط الخاضع للضوابط الشرعية والأخلاقية لا يمنع منه الإسلام ، إذا اقتضته ضرورات حياتية واجتماعية ، وإذا فرضته الحاجة الرسالية في مجالات العمل الإسلامي ، نعم الإسلام يؤكد ـ في توجيهاته ـ على اجتناب الإختلاط كخط عام ، لما يترتب على ذلك من آثار سلبية ، خاصة في الجلسات التي ينطلق فيها كل من الرجال والنساء في الأحاديث المفتوحة بلا حواجز ، وأمّا الجلسات الجادة الهادفة التي تنطلق في مجالات العمل الرسالي والإجتماعي والثقافي فلا مانع منها مع توفر الضوابط الشرعية والأخلاقية .


ثالثاً : لو سلّمنا أنّ الإسلام يتحفظ على حالة الإختلاط بشكل عام ، تحصيناً للواقع الإجتماعي من الأضرار والمخاطر ، فإنَّ عمل المرأة الثقافي والإجتماعي والسّياسي لا يتوقف على هذا الإختلاط ، فيمكن للمرأة أن تمارس دورها الكبير في الأوساط النسائية .


ويمكن للمرأة التي تملك إمكانات فكرية وعلمية وأدبية أن تمارس دورها من خلال البحث والدراسة والكتابة .


ويمكن للمرأة أن تمارس دورها الإجتماعي والثقافي والسّياسي من خلال المؤسسات والجمعيات النسائية ، أو من خلال اللجان النسائية في الجمعيات العامة ، وهكذا يمكن للمرأة أن تتوفر على مساحات كبيرة للعمل والحركة والنشاط من دون حاجة إلى الإختلاط .


المبرر الثالث :
وثالث المبررات المطروحة لاتهام الإسلام بتجميد دور المرأة الإجتماعي والثقافي والسّياسي هو (( وجود روايات وأحاديث دينية )) تمنع المرأة من الإنطلاق والحركة .
وقد صنفت تلك الروايات والأحاديث إلى عدة مجموعات:


المجموعة الأولى : الروايات الدالة على إستحباب حبس المرأة في البيت.


ومن تلك الروايات : ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (( إنّ رجلاً من الأنصار على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج في بعض حوائجه فعهد إلى امرأته عهداً أن لا تخرج من بيتها حتى يقدم قال : وإنّ أباها قد مرض فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله تستأذنه أن تعوده فقال: اجلسي في بيتكِ وأطيعي زوجكِ . قال: فثقل فأرسلت إليه ثانياً بذلك . فقال صلى الله عليه وآله : اجلسي في بيتك وأطيعي زوجكِ ، قال: فمات أبوها ، فبعثت إليه صلى الله عليه وأله :إنّ أبي قد مات فتأمرني أن أصلي عليه؟ ، فقال صلى الله عليه وأله : لا ، اجلسي في بيتكِ وأطيعي زوجكِ، قال : فدفن الرجل ، فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ الله قد غفر لك ولأبيك بطاعتك لزوجك )) ـ الوسائل 14 : 125 ـ


ووجه الإستدلال بهذه الرواية أنّ منع خروج المرأة من البيت مطلق ، وليس مقيداً بحالة منافاته لحق الزوج في الإستمتاع أو بأي حالة أخرى والمفروض في الرواية أنَّ الزوج مسافر ولا يحتاج إلى زوجته ، ثم إنَّ الخروج لغرض مشروع وفيه بر بالأب ، ومع ذلك أكد عليها رسول الله صلى الله عليه وآله : أن تبقى في بيتها وتطيع زوجها .


ويمكن أن نناقش هذا الإستدلال من خلال النقاط التالية :
الرواية ( كما هي في الوسائل ) ضعيفة سنداً ، لوجود عبدالله بن القاسم الحضرمي المعروف بالكذب والغلو.
الرواية ليس فيها دلالة على استحباب حبس المرأة في البيت ، وإنّما هي ظاهرة في استحباب طاعة الزوج حيث أخذ العهد عليها أن لا تخرج وفي ذلك غفران لها ولأبيها .
إنّ القول بجواز حبس المرأة في البيت يتنافى مع العناوين القرآنية الصريحة:
    • (( وعاشروهن بالمعروف )) النساء / 19
    • (( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان )) البقرة / 229
    • (( ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا )) البقرة / 231
    • (( ولا تضاروهن لتضيقوا عليهنَّ )) البقرة / 231


المجموعة الثانية : الروايات التي تعتبر القيمة الأخلاقية الكبيرة للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال .


ونستعين هنا بروايتين :
أ ـ ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في رسالته للحسن عليه السلام يذكر فيها النساء :
(( فإن إستطعت أن لا يعرفن غيرك من الرجال فافعل )) ـ الوسائل 14 : 41 ـ


وملاحظاتنا على الإستدلال بهذه الرواية: أنّها ضعيفة السند لا يمكن التمسك بظاهرها ، فلا نجد فقيها يفتي بلزوم منع الرجل زوجته من التعرف على جميع الناس غاية ما يستفاد من هذه الرواية أن لا تنشأ علاقات بين النساء والرجال الأجانب الذين لا يوثق بهم.


مضامين هذه الروايات تتنافى مع المفاهيم القرآنية التي رسمت نمط العلاقة بين الرجل والمرأة من خلال مبادئ عامة غير قابلة للتخصيص.


ب ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : (( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أخبروني أيّ شيء خير للنساء ؟ فعينيا بذلك كلنا ـ أي عجزنا عن الإجابة ـ حتى تفرقنا ، فرجعت إلى فاطمة فأخبرتها بالذي قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله ، وليس أحد منا علمه ولا عرفه فقالت عليها السلام : ولكني أعرفه ، خير للنساء أن لا يرين الرجال ، ولا يراهن الرجال ، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وآله فأخبرته ، فقال صلى الله عليه وآله : من أخبرك بذلك ؟
قلت : فاطمة ، فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : فاطمة بضعة مني )) الوسائل 7 : 43


ولنا حول الإستدلال بهذه الرواية عدة ملاحظات:


الرواية ضعيفة سنداً .
مضمون الرواية غير مقبول ، لأنّه يسيء إلى الإمام علي عليه السلام ، حيث يتهمه بالعجز وعدم القدرة على الجواب ، وإن كان على حساب إثبات فضيلة إلى الصديقة الزهراء عليها السلام ، ومما يؤكد هذه الإساءة استغراب الرسول صلى الله عليه وآله من معرفة علي (ع) للجواب .


الرواية تتنافى مع الواقع التاريخي للمرأة المسلمة في عصر الرسالة ، وفي عصر الأئمة عليهم السَّلام .
ولو سلّمنا بصحة الرواية فهي تمثل توجيهاً أخلاقياً لخلق حالة العفاف عند المرأة ، وابتعادها عن كل الأجواء المختلطة الفاقدة للضوابط الإسلامية ، ولا تدل على التجميد المطلق لأي لون من ألوان اللقاء بين الرجل والمرأة .


المجموعة الثالثة : الروايات الناهية عن خروج النساء إلى الجمعة والجماعات إلاّ العجائز .


* عن يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن خروج النساء في العيدين والجمعة فقال : (( لا ، الإّ امرأة مسنة )) ويرد على الإستدلال بهذه الرواية : أنّها معارضة برواية أخرى أقوى سنداً هي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال : سألته عن النساء هل عليهن من صلاة العيدين والجمعة ما على الرجال ؟ قال : نعم ـ قرب الإسناد : 224 ـ
 
السيرة العامة للمسلمين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تؤكد أنّ النساء كن يشاركن في حضور المساجد ، وقد خصص الرسول صلى الله عليه وآله باباً للنساء للدخول والخروج وجعل النساء في الصفوف الخلفية ، لا يمكن أن نتصور أنَّ الإسلام يمنع من أن تتثقف المرأة ، ويكتفي بتثقيف العجائز فقط .


إلى هنا لم أتناول المسألة من خلال النصوص الإسلامية الصريحة في تأكيد مسؤولية المرأة في العمل الإسلامي بكل امتداداته ومجالاته.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع