شارك هذا الموضوع

الشيخ عيسى قاسم: لست مع حل الجمعيتين

كشف الشيخ عيسى أحمد قاسم أنه لا يتبنى خيار حل جمعيتي "الوفاق" و"العمل الإسلامي" لنفسيهما بعد ميل غالبية الجمعيات إلى عدم تبني هذا الخيار.


نشاط المعارضة في الخارج: ليس من الإخلال بالأمن ولا من الخروج على الوطنية أن تشرح المعارضة مواقفها وأن تبدي ظلامتها وتدافع عن سمعتها التي كثيرا ما تشوهها الحكومات في الداخل والخارج.


للمعارضة أن تقول كلمتها المدافعة عن حقوقها ومطالبها، مطالب الشعوب وحقوقها في الداخل والخارج في الصورة التي لا تستهدف زعزعة أمن الداخل. وعلى رغم ذلك فإن صرف الجهود الكبيرة لكسب موقف ودي من الحكومتين الإنجليزية والأميركية في غير محله وهو ضياع، لأن الحكومتين صديقتا مصالح وحكومات وليستا صديقتي حقوق وشعوب.


نعم قد يأتي من الموقف الأميركي أنه يواجه حكومة من الحكومات ولكن الخلفية وراء هذه المواجهة دائما إحساس أميركي بأن مصالح أميركا ليست في استمرار هذه الحكومات. أميركا تعادي حكومات تحافظ على مصالح شعوبها، وتعتز باصالة حضارتها وتذود عن كرامة وحمى بلادها وتحرص على الحفاظ على مصالح شعبها وثرواته. الحكومتان الأميركية والإنجليزية ضد هذه الحكومة وهي مستعدة، لأن تستثير شعوب هذا النوع من الحكومات إلى أقصى حد وأن تخصص الموازنات الضخمة من أجل إحداث أعمال شغب في بلدان حكومات لا تحافظ على المصالح الأميركية.


أما إذا وجدت الحكومتان الأميركية والبريطانية من أي حكومة تعاونا واستجابة ومحافظة على المصالح الأميركية فهما مع هذه الحكومة وضد شعبها.
نعم، توصيل المعارضة صوتها إلى شعوب العالم وأحراره من أجل أن تتفهم الحق وتقف معه وتناصره وتنكر على السالبين له أمر معقول ومقبول ومطلوب. على أن التعويل بعد الله إنما يكون في الأكثر على يقظة الشعوب وتلاحم الشعب الواحد والشعوب المجتمعة واستمرار المطالبة بالحقوق بعقلانية وحكمة وعلى نشر ثقافة الحقوق والمطالبة بها. والمستهدف فيما ينبغي دائما إنما هو حل المشكلات لا تأزيمها وهكذا هو دأب المعارضة في هذا البلد الكريم.


العراق والدستور
1- البلدان ثلاثة:
أ- بلد بلا دستور: وحياته السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية محكومة في هذه الحال بقبضة حديد فردية أو حزبية أو أنها منتهبة للفوضى والاضطراب. فلابد من دستور.


ب- بلد يحكمه دستور مختلف عليه أساسا ومنذ البداية والحال يقترب من حال عدم الدستورية، والحياة في هذا الفرض تقترب جدا من حياة بلا دستور. المطلوب دستور وأن يكون الدستور محل توافق وتعاقد بغض النظر عن نسبة ما فيه من عدل وظلم.


ت- بلد يحكمه دستور هو محل التوافق وهذه الحال توفر شرطا كبيرا وأساسا من شروط حياة الاستقرار وحياة التقدم وحياة الأخوة. وكلما كان الدستور المتوافق عليه أقرب إلى العدل وروح الانصاف وأكثر أخذا لما فيه المساواة كلما تمتعت حياة المجتمع بلون أكبر من الاستقرار ومن روح الأخوة والتقدم. ولن تجد عدلا ولا صدقا ولا أساسا لحياة كريمة في دستور في العالم يبتعد عن دين الله، والدساتير الغربية والشرقية التي لها نصيب من الإيجابية إنما إيجابيتها بمقدار ما تقترب بطبيعتها من مقررات دين الله.


العراق اليوم يقترب من الحياة الدستورية، ويتمنى له أن يكون له دستوره المتوافق عليه، ولا يعني الدستور أن يصوت في صالحه كل فرد فرد فذلك أمر يشبه المستحيل. ولكن مع ذلك يتمنى أن يكون الدستور العراقي محل توافق طوائفه وشرائحه الكبيرة بصورة إجمالية ليجد هذا الدستور فاعليته على الأرض ويكون له احترامه.
وهل يقارن دستور العراق اليوم بأي مستوى من مستوياته بدستور الأمس الذي كان من صوغ صدام وحده؟


للعراقيين أن يطالبوا بحقوقهم وأن يطالبوا بدستور منصف يراعي كل الطوائف على قدر المساواة بحسب الاحجام وبحسب القابليات إلا أنه ليس لهم أن يختلفوا اختلافا ممزقا ينتهي بهم إلى الدمار.


والدستور العراقي صار يثير غيظ العالم المسيحي والأنظمة الوضعية في قضية واحدة هي قضية رفضه التشريع على خلاف الثوابت الاسلامية المجمع عليها عند المسلمين، فصار يستكثر على العالم الإسلامي أن يحترم ثوابته، أن يحترم ركائز وجوده الحضاري، وكلنا على هذا الطريق إذا لم نتثقف بالثقافة الاسلامية وإذا روجنا للديمقراطية في صورتها البعيدة عن الإسلام، وسيعيش الإسلام فينا غربة عميقة جدا إذا ضيعنا الفهم الإسلامي وإذا لم نفرق بين ما يقتضيه الموقف العملي وبين ما هو الحق في الأصل.


وكثير من الذين يصلون ويصومون ويتهجدون ويقومون بالنشاطات الإسلامية سيواجهون الإمام القائم عجل الله فرجه بالإنكار إذا تغربت ثقافتهم.


الشأن العام المحلي
هناك نوعان من القضايا: خاص يرتبط بالفرد ونوع عام يرتبط بالمجتمع، والناس مسلمون وغير مسلمين، والذين في إطار الإسلام مسلمون واسلاميون إذا صح التعبير، مسلمون عقيدة ولكن لا يتقيدون بالاسلام، وإسلاميون مسلمون على كل الأصعدة ويرون أن حياتهم لابد أن تتقيد في صغيرها وكبيرها بالاسلام.


والإسلامي أيها الإخوة لا يفتي نفسه في شئونه وقضاياه الخاصة ما لم يكن مجتهدا فضلا عن أن يفتي غيره وفي مسائل الشأن العام، أليس كذلك؟
ولكنني أقرأ وأسمع وتصلني بعض الرسائل التي لا تشرح الموضوع الخارجي ولا تكتفي بإعطاء وجهة نظر في الموضوع الخارجي وإنما تثبت الحكم مع ذلك وتفتي لي ولغيري. من شاب كريم احترم فيه إيمانه ووعيه وغيرته لكن لا أعطيه الحق في أن يفتي في حقي وفي حق غيري، وهو بإسلامه لا يعطي لنفسه الحق في ذلك.


الإسلاميون الأعزاء المخلصون والغيارى قد يقعون في خطأ وهم يفتون فتاوى جماهرية وإن لم تكن باسم الفتوى. أنت حين تشخص الموضوع المرتبط بالشأن العام وتصدر الرأي المتناسب مع تشخيصك وتوجه الجماهير إلى هذا الرأي تدفع بهم دفعا للأخذ به فماذا تفعل؟ أنت هنا تفتي وتعمل على تنفيذ فتواك سميتها فتوى أو لم تسمها، للكل أن ينظر، أن يعطي وجهة نظره في الموضوعات الخارجية، ولكن بحيث لا يرقى بالأمر إلى حد أن يدفع بالناس دفعا حثيثا باتجاه ما يراه.


هناك مسائل يكفي فيها أن تعرف الحكم الكلي وفتوى الفقيه وأن يتشخص عندك الموضوع فتعمل بالفتوى، وهناك أمور لا تكفي فيها الفتوى والممارسات القائمة تتجاوز حد الفتوى إلى ما يرقى إلى حد الحكم الإلهي. هل هناك فرق بين القرار السياسي والخطاب السياسي؟ في قناعتي لا يصح للخطاب السياسي أن يشرق وللقرار السياسي أن يغرب ولا أن يصعد أحدهما إلى السماء وأن يغوص الآخر إلى عمق التراب.


ولكن مع ذلك لا يطلب للقرار السياسي أن يتشبع بكل خصوصيات الخطاب السياسي ولا يلزم أن يبلغ طموحه، وإلا لكان الإسلام كاملا على الأرض لأول يوم من دولة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي كانت خطاباتها خطابات عالية، ولكانت الدولة دائما بمستوى الثورة من الطموح والطرح، كانت الدولة في بداياتها بمستوى الثورة في نهاياتها من حيث الطموح وبعد الطرح. ولست تجد على الأرض دولة تكون من أول يوم في مستوى طموح الثورة والخطاب.


وللخطاب وظائفه الخاصة ومعالجاته ومسئولياته والتفاتاته، وللقرار مسئولية أخرى وخصوصية أخرى فلابد من فرق.
هل يقال كل شيء بحجة أن الكلمة كلمة حق؟ أقول كلمة الحق من أجل خدمة الحق، وكلمة الحق عند سلطان جائر من أفضل الجهاد لما تصلحه من أمر الحق. ولا يكفي لأن أقول الكلمة بأن اعرف أنها كلمة حق ما لم أعرف أنها كم ستنفع الحق أو تضر الحق. إذا كان في كلمة الحق، إجهاز على الحق حرمت.


هل السكوت على كل المطروح إقرار وعجز؟ نسمع الكثير ونقرأ الكثير ولكنني شخصيا قد أسكت، وخطأ أن يفسر السكوت بأنه إقرار لكل ما يطرح أو أنه عجز عن الرد على ما يطرح، ولي حكمة في السكوت تتصل بمصلحة هذا المجتمع ولمقتضيات الإيمان والاسلام.


سيطالب العلماء الناس بأن يتبعوا إذا طالبهم الناس بأن يتحركوا، على أن تحرك العلماء واجب طالبهم الناس بذلك أم لم يطالبوهم، ولكن التحرك الذي يدفع إليه الناس يكتب على الناس أن يعطوا وعدا صادقا بالاتباع، ولا تطالب بأن أتحرك وأنت تقول لي حين يختلف رأيي مع رأيك: اذهب وحدك وإني أقف ضدك.


إذا كان القرار - أقولها صراحة - إذا كان القرار بالغالبية فمن يطالب بالمواقف هم الغالبية ومن يتحمل المسئولية هم الغالبية سواء كانوا غالبية جمعية أو غالبية مجتمع، وما إلى ذلك.
إذا كان رأي العلماء سيبقى محكوما بغالبية جمعية أو أية غالبية أخرى فالعلماء لا يتحملون المسئولية، وإنما الذي يتحمل المسئولية ويلام بعد ذلك هم الغالبية، وإشعار الناس العلماء بأنهم معهم مع التخلف في الموقف العملي تغرير وخيانة ومضرة للدين والمجتمع.


هناك استظهاران من رجلين عزيزين كريمين حبيبين عن كلمة كانت تتصل بمسألة حل الجمعيات نفسها احتجاجا على قانون الجمعيات، والاستظهاران مختلفان ولا غرابة في أن يختلف استظهار مع استظهار آخر لكلام ليس نصا في معناه، ولكن ليسمح لي الحبيبان بأن يكون لي فهمي أيضا، وإذا كان استظهاري لكلامي غير مقدم على استظهارهما فإن تفسيري ينبغي أن يكون مقدما على تفسيرهما لأني أعلم ما أردت.


وكلمتي لم تكن قرارا في حق "الوفاق" لأن تتخذ موقفا معينا، ولم يكن الخطاب مقصورا على "الوفاق"، إنما كان الخطاب خطابا لكل الجمعيات. وكانت في خطابي إشارة للحكومة وإشارة للجمعيات، لأنها قادرة على إسقاط القانون أو أن حلها لنفسها سيكون بدرجة من الضغط الذي يمثل وزنا كبيرا في هذا الاتجاه، سواء أدى ذلك الى إسقاط القانون أو لم يؤد، وإني أعلم أنني لا أملك أن أقرر لـ "الوفاق"، وبعد لم أعرف أني استطيع أن أقرر للمجتمع، أنا صوت واحد ولأقدر أني صوت واحد.


أما بعد أن صار اتجاه كل الجمعيات الإبقاء على نفسها ولا يتوقع إلا لجمعية الوفاق أن تقدم على الحل أو أن يكون معها جمعية العمل الإسلامي فالحل بلاشك لن يؤدي للنتيجة المطلوبة.


لـ "الوفاق" بغالبيتها، إدارة أو جمعية عمومية من ناحية الخارج وما هو على الأرض أن تخالف حتى الرأي الفقهي الصريح وهي تملك إرادتها، ولكن ليس للعلماء أن يقولوا لها: نعم، وليس لأحد أن يطالبهم بمتابعتها. وهذا ليس استكبارا لأن كثيرا من العلماء وطلاب العلم وأنا واحد من طلاب العلم لا عضوية لي في "الوفاق" تلزمني بالأخذ بقرارها. ورأي الغالبية في ساحة الفتوى وفي ساحة الحكم الولائي محتاجة إلى مراعاة الفتوى وإلى مراعاة الحكم الولائي ولا يقوم رأي الغالبية مقام الفتوى ولا مقام الحكم الولائي.


ولو كان خطأ في قرار الغالبية فلن يتحمله ابن التاسعة عشر عند بروز العاقبة وإنما سيتحمله العالم المتابع، وأنا لست مستعدا أن أتحمل تبعة قرار الغالبية لتخرج الغالبية بسلامة ويتحمل أمثالي المسئولية بكاملها أمام الناس وأمام الله الذي هو المنظور الأول إن شاء الله.


ثم لو سألتني: ما رأيك في الحل بعد أن لم يكن قرارا مرتقبا إلا لـ "الوفاق" تقريبا أو معها "العمل الإسلامي"؟ لقلت لك: لا حل، لقلت لك: لا حل، رأيي الشخصي وكانت الأمنية أن تجمع الجمعيات أو غالبيتها على الحل وأن يساندها الشعب لإسقاط القانون الظالم.


ولرفع كل الغموض والأسئلة الأخرى أقول: إن تعاملك مع أي وضع تقديرا للمصالح والمفاسد والموازنة بينها لا يعني الاعتراف بالشرعية ولا يمنع من مقاومة الخطأ لتصحيحه، وكثيرة هي الأوضاع الشاذة والخطأ التي يتعامل معها الفاسق والمؤمن ويتعامل معها حتى المعصوم "ع" من غير أن تكون محل اعتراف له ولا يعطيها الشرعية.


وأذكر للاخوة العاملين حفظهم الله وباركهم وأيدهم وأعزهم أن الواقعية بلا مثالية ولا رسالية كفر، وأن المثالية بلا واقعية على الاطلاق خيال، والصحيح هو الواقعية المحكومة للرسالية ومن أجل المثالية. والإسلام وسيرة أهل الهدى والعصمة صلوات الله عليهم أجمعين ثران بالدروس في هذا الموضوع، فلقد كان رسول الله "ص" يجمع في منهجه بين المثالية والواقعية وكل معصوم "ع" يجمع في منهجه وفي سيرته بين المثالية والواقعية.


لا أدري كم يتحمل هذا المجتمع الصراحة من شخص كثيرا ما تحفظ وكثيرا ما سكت وكثيرا ما تلقى الأذى من غير أن يرد.


صحيفة الوسط
10- 9- 2005م

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع