شارك سماحة السيد ميثم المحافظة في مجلس النعي ليلة الواحد و العشرين من شهر رمضان المبارك لعام 1442 هـ ، و التي تصادف ذكرى استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام ، وكانت المحاضرة تحت عنوان " ثقافة علي ( ع ) " ، هذا العنوان مقتبس من كتابين ، الكتاب الأول للمؤرخ الشافعي عباس محمود العقاد في كتابه عبقرية علي ، و الكتاب الثاني للمسيحي جورج جرداق صاحب كتاب الإمام علي صوت العدالة الإسلامية ، والكاتبان أفردا قسمًا لثقافة علي ، وكلما تنزف من بحر ثقافة و معارف علي تجد أكثر وأكثر ، توصلا الكاتبان أن مصادر علي ( ع ) كانت ثلاثة مصادر أخذ منها هذه المعرفة العظيمة ، الأول : رسول الله ( ص ) ، الثاني : القرآن الكريم ، الثالث : المجهود الشخصي أي التجربة الإكتسابية في الحياة ، الا أننا في مدرسة أهل البيت نتفق على المصادر الثلاثة ، و نضيف على هذه المصادر مصادر أخرى مثل الإلهام ، و ان كانا الكاتبان يُعذران من حيث أن هذه المصادر لا يمكن أن يعيشانها لأنها من خصوصيات هذه الطائفة .
أولًا : فيما يخص المصادر المشتركة .
النبي ( ص ) يمثل مصدرًا ثقافيًا مهمًا ورافدًا من روافد العلم لعلي ( ع ) ، والدليل على ذلك حديث النبي " أنا مدينة العلم و علي بابها " ، و " علّمني ألف باب من العلم، يفتح لي في كل باب ألف باب" ، و هناك رواية عن الإمام الإمام الباقر (ع) قال: " إن الله عز وجل جمع لمحمد سنن النبيين من آدم وهلم جرا إلى محمد. قيل له: وما تلك السنن؟ قال: علم النبيين بأسره. وإن رسول الله (ص) صير ذلك كله عند أمير المؤمنين (ع) " ، أكثر من روى عن رسول الله ( ص ) مشافهة وسماعًا هو علي ( ع ) ، و لما سئل عن ذلك أجاب " إني كنت إذا سألته أنبأني، وإذا سكت ابتدأني " ، المصدر الثاني القرآن الكريم ، و يكفينا قول النبي " عليٌّ مع القرآن و القرآن مع علي " ، أيضًا في صفين قال الإمام علي " هذا القرآن الصامت و أنا القرآن الناطق " ، المصدر الثالث هو المعرفة الإكتسابية من خلال عمره مع النبي وخوضه الجهاد و المعارك ، حيث كان لازمًا مع النبي من صبر و معاناة الى وفاته ( ص ) .
ثانيًا : فيما يخص المصادر الخاصة عند مدرسة أهل البيت
الأول : إلهام الملائكة ، وعندنا هذه العقيدة أن أئمة أهل البيت محدثون و هناك أدلة من القرآن والسنة كثيرة ، عن حمران بن أعين قال: قال أبو جعفر عليه السلام إن عليا عليه السلام كان محدثا، فخرجت إلى أصحابي فقلت: جئتكم بعجيبة، فقالوا: وما هي؟ فقلت: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول، كان علي عليه السلام محدثا فقالوا: ما صنعت شيئا ألا سألته من كان يحدثه، فرجعت إليه فقلت: إني حدثت أصحابي بما حدثتني فقالوا: ما صنعت شيئا ألا سألته من كان يحدثه؟، فقال لي: يحدثه ملك، قلت: تقول: إنه نبي؟ قال: فحرك يده - هكذا -: أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين، أو ما بلغكم أنه قال: وفيكم مثله . يمن الله بالإلهام و النور حتى في قلب المؤمن الذي تكون صفحته بيضاء و طاهرة و مستعدة لتلقي الفيوضات الإلهية . ثانيًا : الروح التي تنزل مع الملائكة ليلة القدر ، و هو خلق من خلق الله يقول فيه الإمام الصادق أنه أعظم من جبرائيل وميكائيل و قد جعله الله عز وجل مع النبي ( ص ) يخبره و يسدده و هو مع الأئمة من بعده .
ثالثُا فيما يخص مصاديق ونماذج علم و ثقافة الإمام علي
أولًا نهج البلاغة ، بالإضافة الى الخطب الأخرى و المقالات و المواقف و الروايات الكثيرة ، يقول عباس محمود العقاد أن الإمام علي ( ع ) إمام العلوم الإسلامية ، و جورج جرداق لديه وجهة نظر بأن النماذج المعروفة التي تكشف عن معرفة علي ( ع ) هي احتياج كل الناس له ، بل ويفاخرون بأنهم يستشيرون الإمام علي ، فيقول الخليفة الثاني " لا بارك الله في معضلةٍ لا تحكم فيها، يا أبا الحسن " ، و " لولا علي لهلك عمر " ، و " لا يفتين أحدكم في المسجد وعلي حاضر " ، تعجز الأجهزة الحديثة و العلوم الحديثة في حصر علم علي ( ع ) ، حيث انه أجاب على مسألة معقدة من حيث المعطيات في مثل الوقت ، وهي " أن امرأة جاءت إليه وقد خرج من داره ليركب فترك رجله في الركاب، فقالت: يا أمير المؤمنين، إن أخي قد مات وخلف ستمائة دينار، وقد دفعوا لي منها دينارا واحدا، وأسألك إنصافي وإيصال حقي إلي.فقال (عليه السلام) لها: خلف أخوك بنتين لهما الثلثان أربع مائة، وخلف أما لها السدس مائة، وخلف زوجة لها الثمن خمسة وسبعون، وخلف معك اثني عشر أخا لكل أخ ديناران ولك دينار " . وما وصلنا الا القليل منه ، و لو بقي أكثر لرأينا منه العلوم الأخرى ، و لذلك يستغرب المسيحيون من هذه الأمة التي قتلته ، و يسمونها مأساة قتل علي ( ع ) .
التعليقات (0)