أكمل سماحة السيد ميثم المحافظة سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة العشرين من شهر رمضان المبارك لعام 1442 هـ ، وتحت عنوان " تساؤلات في شهادة أمير المؤمنين " ، مصيبة أمير المؤمنين تحتاج الى فهم بشكل واضح ، ونحتاج الى ازالة ما يتناقض من الروايات ، و المشايخ العظام حققوا وقدموا لنا ما حدث و ما كان في مصيبة أمير المؤمنين .
التساؤل الأول : في أي وقت استشهد أمير المؤمنين ؟
في مقاتل الطالبين لأبي فرج الأصفهاني الذي قدم مرويات و أخبار ويعتمد عليه الشيعة و السنة في بعض من رواياته من أخبارهم ، ينقل عن عبدالله بن محمد الأزدي أنه كان في تلك الليلة التي استشهد فيها أمير المؤمنين في المسجد و شهد أن الإمام علي نادى للصلاة وبعدها قُتل ، هذا يعني أن وقت استشهاد الأمير فجرًا أو من ضمن وقت صلاة الفجر ، نص ثاني للمجلسي في بحار الأنوار ، أن الإمام علي كان ماكثًا في المسجد قبل ساعة ويتعبد ، بعد ذلك أذن ثم صلى ثم قتل ، لم يحدد أكانت الصلاة هي الفريضة أم النافلة ، حديث آخر للمجلسي يقول أن الإمام علي ضرب أثناء رفع رأسه من السجدة الأولى ، و الشيخ الطوسي و كتاب كشف الأمة أيضًا اتفقا على أن الأمير ضُرب على رأسه وهو في السجود . الشيخ محمد صنقور قدم لنا الكثير من التحقيقات و التي تحل الكثير من الإشكالات و ينبغي أن نشجع عليها و أن لا نتحسس منها كي لا نبني الحوادث على أوهام . يقول بأن المستظهر والمقروء من الروايات أن أمير المؤنين قُتل في نافلة لا في فريضة ، باعتبار أن الرواية لا تبين هيئة صلاة جماعة قائمة . وقد كان الحسن للتو يدخل المسجد ، فسارع الى أبيه وهو غارق في دمه ، أما من قال بأن الحسن لم يكن موجودًا أي أنه كان نائمًا أثناء وقت الفريضة فهذا ليس صحيحًا . أما الإمام الحسين ( ع ) كان في المدائن و التي تبعد مسافة قليلة عن الكوفة ، و قد رجع بعدما علم بالخبر ليحضر ليلة استشهاد أمير المؤمنين ( ع ) .
التساؤل الثاني : علم الإمام بما سيجري عليه و ما تفاصيل علمه ، نجيب على ذلك من خلال ثلاث نقاط :
النقطة الأولى : كيفية مقتل الإمام ( ع ) حاضرة في روايات كثيرة ، المفيد في كتابه الإرشاد الجزء الأول : أن امير المؤمنين قال " والله لتخضبنّ هذه من هذا " فتشير أنه كان يعلم ذلك ، و رواية أخرى ينقلها القاضي النعمان في كتابه شرح الأخبار والذي لم يُعرف مذهبه ، يقول بأنه أقبل الخارجي لأمير المؤمنين عليه السلام وقال له " اتق الله يا علي إنك ميت. " ، فرد عليه الإمام " لا بل والله قتلا، ضربة على هذا " ، رواية أخرى ينقلها احمد بن حنبل ، أن النبي محمد ( ص ) أخبر الإمام علي بأن أشقى الأولين و الآخرين هو من يقتله . النقطة الثانية : علم الإمام بالزمان الذي سيُقتل فيه ، رواية ينقلها القاضي النعماني عن أمير المؤمنين قال " أخبرني رسول الله ( ص ) أني أضرب على رأسي ليلة التاسع عشر من شهر رمضان ، في الليلة التي مات فيها وصي موسى بن عمران ، و أموت ليلة الحادي و العشرين من شهر رمضان في الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم " .النقطة لثالثة : علمه بالشخص الذي سيقتله ، هناك العديد من الإخبارات و الشيخ المفيد نقل الكثير منها ، لكن نختصرها في اليوم الذي بويع فيه أمير المؤمنين ، وقد بايع الناس الإمام ، جاء الملعون عبدالرحمن بن ملجم وبايع الإمام ، فأمره الإمام بفعل ذلك ثلاثًا ، ولما استغرب الملعون ذلك قال له : " لا تغدر " ، و قال لأبي نباتة : " أريد حباءه ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد " ، ثم التفت له وقال " و الله لن يفي " ، ورواية أخرى للمجلسي عندما نزل أمير المؤمنين من المأذنة ومرّ على اللعين فقال له " لقد هممت بشئ تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا "
التساؤل الثالث : في بيان سبب عدم دفع الإمام الخطر عن نفسه .
أولًا لا يمكن أن يقتل الإمامُ ( ع ) الملعونَ عبدالرحمن بن ملجم أو يعاقبه قبل الجريمة . ثانيًا : هناك شيء يتعبد به أمير المؤمنين ( ع ) و عندما قال " هي والله الليلة " ، فانه يتعبد الله بالصبر على الشهادة و الإستسلام للقتل لما علم كيف يُقتل ، لا يجوز القاء النفس الى التهلكة لما تعرف أن أمرًا ما خطرًا سيحصل و لكن في حالة الإمام كان ذلك بمثابة التعبد لله كتكليف من قبل الله كتكليف الصلاة علينا . يقول الإمام الرضا لما سُئل مثل السؤال ، قال ( ع ) : أن عليًا كان مخيرًا بذلك و لكنه مضى لتمضي مقادير الله كما يشاء الله فهو يتعبد الله عز وجل بتنفيذ ارادته لينال و يبلغ تلك المرتبة العظيمة عنده .
التساؤل الرابع : من غسّل الإمام ومن صلى عليه؟
تجهيز الإمام كان سرًا ، يقول محمد بن الحنفية : أن الذي غسّل أمير المؤمنين هما الحسن و الحسين ، وكان الحسين يصب الماء و الحسن يقلب ويغسل ، لكنه كان يُقلّب بلا مقلب ، وروائح المسك و العنبر تفوح منه . وأمر بحنوط جاء به جبرائيل من الجنة الى الرسول و الإمام علي و فاطمة و الحسن ليكفن به ، و ينقل محمد بن الحنفية أيضًا أنه كلما مروا بالجنازة في ذلك الليل أمام الجدران و النخيل حتى تنحني اليه . الإمام الباقر يقول : " دفن الإمام علي قبل الفجر سرًا " ، ورواية أخرى أنه أمر الحسن بدفن أربعة قبور ، في مسجده و في الغري و في الرحباء و في دار الجعدة بن هبيرة و ذلك لإخفاء قبره عن النبش ، و لم ينكشف حتى أظهره الإمام الصادق ( ع ) .
التعليقات (0)