شارك الخطيب الحسيني السيد عدنان الكراني في المجلس الحسيني ليلة الثالث عشر من شهر المحرم الحرام لعام 1442 هـ بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و تحت عنوان " الشهداء هم الأحياء " ، ابتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة النحل " الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (32) " ، " تتوفاهم الملائكة " التوفي في اللغة العربية يعني القبض ، واستوفى من اشتقاقات توفى أي حصل على حقه ، نجد في سورة السجدة آية أخرى تقول " ۞ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) " نعرف أن مسألة قبض الأرواح موكلة الى عزرائيل ، و لكن هذه الآية تقول بأن الملائكة تقوم بعملية التوفي ، فكيف يكون ذلك ؟
الملك هو جسم - وان كان نورانيًا - فمن طبيعة الجسم أنه يحتاج الى حيزًا من الفراغ كي يشغله ، وان شغل مكانًا ما يستحيل ان يكون في مكانًا آخر ، و نعلم أن الآلاف من الناس يفارقون الحياة في كل لحظة ومن مختلف أصقاع الدنيا ، فيستحيل على ملك الموت الانتقال بينهم ، لذا يوجد أعوانٌ لملك الموت ، اختلف مفسرو المسلمين في بيان معنى " طيبين " . نذكر منها ثلاثة أقسام ، القسم الأول هو أن يخرج الانسان طاهرًا من الدنيا ، و قد أشرنا سابقًا أن الله عندما خلق الإنسان خلقه نسخة بيضاء سليمة ، و يعمل المجتمع على تكوينه و صناعة شخصيته ، بهذا الأمر يخرج الانسان اما صالحًا أو طالحًا ، و بناءً على أصحاب هذا الرأي ، فان الله يريد بهذا الانسان أن يخرج بصفحة يبضاء أو على الأقل يحافظ عليها ، ولكن مع ما يعمله الانسان ستنوجد تجاذبات في هذا المجتمع و هذه الحياة فيترصد ابليسُ للانسان في كل مرصد ، ولا يعني ذلك أن يقوم الانسان بعمل الأخطاء لكثرة الحاحه ، و من رحمته عز وجل على الانسان ، أنه فتح بابًا كبيرًا أسماه التوبة ، و هو مفتوح ولا يغلق الا قبل أربعون يومًا من يوم القيامة كما أشارت بعض الروايات .
الرأي الثاني أن يخرج الانسان طيبًا فيما ترك ، ليس من السهل أن يعمل ويجتهد الإنسان و في نهاية المطاف يترك كل ما عمل و جنى وراء ظهره و يذهب الى عالمًا آخر ، بالإضافة نجد أن البعض يعمل و يتزوج و يوطد علاقاته لكن دون أن يضع نصب عينيه أن تلك الحركة ستتوقف و سيكون معدومًا ، الكثير منهم يغوص في الدنيا ، وغوصهم يجعلهم لا يتقبلون العالم الآخر ولا يتقبلون الموت ، لذا أهل البيت ( ع ) يشدّون على الانسان من أجل أن يذكر الموت ، و يعبّرون عنه بهادم اللذات ، البعض يرى نظرة خاطئة ، فما دامت الدنيا سجنٌ للمؤمن و كلها تعب ، فلماذا يعمل الانسان و يجمع الأموال ؟ وبعد ذلك تعمل أمواله على قتله بسوء استخدامها لها ، و سوف ينجب الأولاد ويعاني من تربية و عناء و الدار الآخرة هي المستقر و الدار الدنيا ليست سوى ممر ، يثبت نفسه و يتصل بالله و يقطع كل صلة له بالدنيا وهذا تفكير خاطئ ، يجب على الإنسان في الدنيا فلا يبتعد الانسان عن المجتمع . قوله ( ع ) : الدنيا دار ممر، والآخرة دار مقر، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها اختبرتم، ولغيرها خلقتم "
من سورة العنكبوت " اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ " الاانسان لما يصلي وينزل الى المجتمع يرى ثمرة هذه الصلاة ، هل تحرك في سبيل الانتاج ف المجتمع أم لا ؟ هذا الالتزام يجب أن يكون التزاما واسعا " ، عن رسول الله ( ص ) " الزواج من سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني " ، " المؤمن القوي خير إلى الله من المؤمن الضعيف " ، من يمتلك مادة يعمل من خلالها على مساعدة الفقراء وبناء المساجد و الانفاق في سبيل الله ، أوليس خيرًا من الرجل الضعيف الذي يرى المال أنه حطام دنيا ، ومن أنجب و ربّى ، " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " فاذا ابتعدت عن الانجاب من سيغذيك و يزودك بالزاد في ذلك العالم ، فهذه صدقة جارية في أبناء صالحون و مصلحون و يهدون ثواب اعمالهم ، يجب ان يعبد الانسان الله عن طريق راشد و واع . الرسول ( ص ) : " إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى بيان " .
الرأي الثالث : يعني أنه خروج روح الانسان طيبة من نفسه ، هناك أحاديث تبين ان خروج روح الانسان من جسده كخروج الشعرة من العجين ، أي أنها بكل سلاسة ، والله لا يريد بعبده الا خيرا ، فيعاني البعض مرارة في خروج روحه ، فيكون مريضًا و طريح الفراش ، لكن الله يريد بذلك أن يطهر الانسان و ينظفه في هذا العالم قبل عالم البرزخ . في الروايات يقول «ع»: " إنّ الأرواح في صفة الأجساد في شجرٍ من أشجار الجنة تتساءل وتتعارف، فإذا أقبلت الروح من عالم الدنيا - روح جديد أقبلت - فإذا أقبلت الرّوحُ من عالم الدنيا هشّوا إليها «الأرواح كلها تقوم لتستقبلها» فيقال لهم: دعوها، دعوها تستريح فإنّها أقبلت من هول عظيم " ، أن معنى طيبين أي أن تخرج روح الانسان برأفة و تكون الروح طيبة .
السؤال الأهم بين الأقسام الثلاثة ، ما هو التفسير و المصداق الاكمل الذي ورد عند المفسرين ، فكل رأي يمتلك جانبًا معين ، ونقول أن المعنى الأكمل ان تجتمع الثلاثة المعان في صنف واحد ، و هم الشهداء الذين بذلوا روحهم و نفوسهم في سبيل الله ، من سورة آل عمران " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) " ، نعلم عندما تفارق الروح الجسد ، نرى أمام أعيننا أمواتًا وجثة ، ولكن لكي نفهم باطن الآية ، فان اللفظ و معنى ذلك أن الله عز وجل سيرزقهم حياة و ذكرًا بذكر المجتمع الذي بذلوا وضحوا في سبيله .
التعليقات (0)