عظم الله أجورنا و أجوركم بذكرى استشهاد الإمام الحسين ( ع ) و أصحابه ، شارك الخطيب الحسيني السيد عدنان الكراني في المجلس الحسيني ليلة الثاني عشر من شهر المحرم الحرام لعام 1442 هـ بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و تحت عنوان " الاسلام و المجتمع الديني " ، ابتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة هود " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)" ، يُمكن أن يتصور أمر و تقرير هذه الأمة الواحدة على عدة اشكال ، بمعنى ان الله كان بامكانه أن يساويهم في الطاقة العقلية و الجسمية و المادية ، وبالامكان ان يساويهم في العقيدة و الدين وغير ذلك من الأمور التي تعمل على وحدة وضمان المجتمع الإسلامي ، أي أن يخلق الناس كلهم مسلمين و يمتلكون الأموال و ، ويكونوا أذكياء و على أرفع المراتب لكن لم يفعل ذلك ، وذلك راجع الى عدة أسباب .
السبب الأول : عدم الإجبار و الإكراه على العقيدة ، فلم يجبر الله أحدًا على عقيدة أو دين أو مذهب ، و لم يجبرهم أن يمارسوا شعائرهم و طقوسهم و عبادتهم بصورة محددة ، و انما بين للانسان الطريق الصحيح ، و أعطاه عقلًا يميز الحسن من القبيح و جاء له بالقرآن الكريم الذي أحصى كل الشي ، بالاضافة الى المُرشد وهم الأنبياء و الأئمة عليهم السلام ، وعد عز وجل الانسان أنه لن يلقي عليه عذابًا الا بالحجة ، من سورة الإسراء " مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (15) " . سواءً كان رسولًا من الداخل ( العقل ) أو من الخارج ( الأنبياء ) ، ولكن نجد الإنسان يتخلف عن الكثير من الأشياء . الإنسان الظالم هو الذي لا يوضع الأشياء في مواضعها ، وقد ضيّع على نفسه الطريق و الوجهة مع علمه وادراكه له .
من سورة الكهف " وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36)" ، " وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) " . هذه الدنيا مع الحلاوة التي فيها و الزينة هل يصح ان يتم استبدالها و أن تذهب وتفنى ، هذا الإعتقاد يجعل الانسان يغوص في التعلّق بالدنيا و المعاصي و يتمادى أكثر و أكثر ، الى ان ينكر وجود يوم القيامة و الحساب ، وبالنتيجة يكفر ، وقد عبّر عنه القرآن بالظالم . الله عز وجل لما خاطب الإنسان في سورة الأنعام " وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) " توجد طرق عديدة تؤدي الى وجهات معينة ، ولكن انطلاقًا من الدليل و العقل و القرائن ، يجب أن تعمل على تحديد الطريق التي تريد ان تصل اليه ، فمن يريد أن يسلك طريقه نحو الله يعرف طريقه ، و لنصنع مقابلة في ذلك ، نجد الله قد تكفل مع غير الإنسان من المخلوقات الأخرى ببرمجتها و نظامها ، من سورة هود " إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56) " أما الإنسان فميزه أن أعطاه ذلك العقل الذي يعتبر المائز عن كل المخلوقات .
رغم ذلك نجد عناد و مخالفة الإنسان و يظلم نفسه قبل الآخرين .لا يوجد جبر في العقيدة و الدين ، من سورة الكهف " وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) " . اذن يجب أن يختارالإنسان وهو يمتلك الحرية ، ولولا تلك الحرية لبطل العقاب و الثواب كما بينا قبل . وهذا من كرم الله تعالى على الإنسان ، فيتعامل الاسلام و القرآن تارة بالترغيب و تارة بالترهيب ، وهذا الترغيب و الترهيب لا علاقة و مدخلية له في الجبر و الاكراه ، بل يكون ذلك انطلاقًا من طبيعة الإنسان و رغبتها ، فيعمل على عبادة الله عندما ينظر الى النعيم في الجنة و الروايات التي ترغب في الجنة ، و آخر يأتي له الحق ويتعامل معه على جانب الترهيب و الوعيد ، فان لم تطع وتلتزم فالنار والعقاب ينتظرك ، و تعمل الشريعة على تخويف الانسان فينزل عند أوامره عز وجل ، و مع ذلك نجد الكثير لا يتأثر لا مع الترغيب و لا مع الترهيب .
قد يتسائل البعض ، هل من الممكن أن يتحد المجتمع الانساني ؟ من الناحية الانسانية من الممكن أن يتحدوا من ناحية المعاملة و مواصلة الحياة الانسانية و لكن من ناحية اخرى ، كل عقيدة تملي على الإنسان على أن لا يجتمع المجتمع على شيء موحد . نحن نعيش في ظل وجود العديد من المذاهب ، و كل مذهب من المذاهب يرى اِن أردت أن نتعامل معك ، يجب أن تنزل على مذهبي ، من سورة البقرة " وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) " ملتهم أي تتبع شأنهم و طريقتهم ، لكن الاسلام لم يجبر أحدًا في التعامل مع تلك الامور . من سورة آل عمران " وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) " هذه الآية ليست على سبيل الاكراه و الجبر لكن هذا من الإختيار كما ذكرنا سلفًا .
السبب الثاني : ان الله قد خلق هذا الخلق على أساس التمايز ، وقد ذكرنا في الليلة السابعة من المحرم الآية الكريمة وتفسيرها من سورة الرعد " وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) " ، وقد أوضحنا أنه وان شمل التشابه في اسم هذه الأرض ومادتها وشكلها ، لكن يوجد اختلافًا ، هذا الإختلافُ أدى الى وجود الكثير من النتاجات المختلفة ، و يؤدي اختلافها الى بقاء و استمرار هذا النظام و الوجود ، فالله عزّ وجل خلق الكثير من الأشياء المختلفة منهم الجميل ومنهم القبيح ، شخصية عمران بن حطان يعتبره البخاري من رجاله و ينقل الكثير من الروايات عنه ، و يمتلك حقدًا على أمير المؤمنين بل يعتبر أن ضربة عبدالرحمن تجاه أمير المؤمنين ضربة يتقرب لها الى الله، لكن انظر كيف يتعاطى العالم الاسلامي معه ، كان لعمران بن حطان زوج جميلة ، وكان هو قبيحًا ، فقالت له ذات يوم : أعلم أني وإياك في الجنة قال: كيف ؟ قالت : لأنك أعطيت مثلي فشكرت، وأنا بليت بمثلك فصبرت، والصابر والشاكر في الجنة. المراد ان كل شيء رغم الإختلاف فيه ، ولكن باختلاف أذواق الناس وهيئاتهم فانهم يُقبلون عليها باختلافاتها .
السبب الثالث : تتوقف الحياة في المجتمع بتساوي الناس فيها ، أوجد الله هذا التمايز و الاختلاف في كل طبقات المجتمع وفي كل الأمور الخدمية فيها ، وسائل النقل و التعدد فيها ، واختلاف الهيئات التعليمية و تعدد الوظائف فيها و المستشفيات و التعدد فيها ، كل هذا الاختلاف والتمايز لو تساوي الناس فيه ، لا يمكن أن تكون حركة و حياة في المجتمع ، لأن المجتمع سيكون عنده اكتفاء ذاتي ، فهو الطبيب و هو المهندس و هو النجار و البنّاء فهو الرجل الخارق ولا يحتاج لغيره ، الله عز وجل لما خلق الإنسان خلقه ليستأنس مع الآخرين و محتاجًا لغيره بناءً على الاختلاف في الطاقات الجسدية و العقلية و المادية ، و بالتساوي ينتهي ويتوقف المجتمع ، وهذا عكس ما يدعو اليه الماركسية بسواسية البشر ، هذا الشعار بالتساوي بين الناس خدعة . لأنهم خُلقوا على أساس التمايز ، ويجب أن نرجع الى العدل الذي نادى به الاسلام فليس كل مساواة تعد عدلًا بل يجب أن يكون المنطلق هو العدل في التعاطي مع الناس ، كل انسان يعطي ويبذل يجب أن يتحصّل و يجازى على مقدار ما بذل وضحى .
التعليقات (0)