شارك هذا الموضوع

السيد عدنان الكراني في ليلة الثامن من شهر محرم الحرام لعام 1442هــ

واصل الخطيب الحسيني السيد عدنان الكراني مجالسه الحسينية في ليلة الثامن من شهر المحرم الحرام لعام 1442 هـ بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و تحت عنوان " الإمامة و مفتريات المنحرفين " ، ابتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة الأنعام " ۞ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (74) " ، يثير المفسرون الجدل في هذه الآية الكريمة حول مسألة أبوة آزر لنبي الله ابراهيم ( ع ) ، هل أن آزر أبٌ للنبي ابراهيم أو عمه ؟ وهل هو أبٌ حقيقي ( ذرية ) أو مجازيٌّ ( علاقة محبة )؟ باجماع المفسرين آزر هو عمٌّ للنبي ، وأبوه تارخ ، لكن ما الحكمة من ذكر لفظة الأب وليس لفظة العم في القرآن ؟ و وجه الإشكال في امكانية أن يكون أحد آباء الأنبياء كافرًا أو مشركًا ؟


كان آزر نحاتًا و وصل الى مرحلة الإتقان بصنع الأصنام و التماثيل ، و هذه مسألة خلاف بين المذاهب ، قسم يعتقد بانه لا يمكن أن يكون للأنبياءِ أبًا مشركًا ، مثل الشيعة يقولون بأنه لا يمكن أن يكون ذلك الأمر ، و أيضًا أبو الثناء الآلوسي في تفسيره روح المعاني حيث يقول : لا يمكن أن يكون أحد آباء النبي كافرًا أو مشركًا ، وهناك دليلان ، دليلٌ عقلي و دليلٌ نقلي ، و الدليل النقلي في حديث و آية ، الحديث في الجزء السابع ص 159 " لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات، حتى أخرجني في عالمكم هذا، لم يدنسني بدنس الجاهلية. " مع صحة هذه الروايات فانه لا يمكن أن يكون أحد آبائه ( ص ) مشركًا .


الدليل القرآني في سورة التوبة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) " وهذا النجس هي نجاسة معنوية ، و بعض المذاهب يتعاطى مع النجاسة المعنوية متى ما اسلم فانه يصبح طاهرًا فيتعاملون مع الأواني دون اشكال ، ولكن يختلف الشيعة معهم في ذلك و ذلك يرجع الى فهم الأدلة . أمّا على المستوى العقلي ، فان أول بعثة الله للنبي فانه يبعثه من أجل دعوة الناس الى توحيد الله و تنظيف الفكر من الكفر و تسرباته ، فاذا كان أحد آباء النبي كافرًا ، فقد يقول أحدهم أن أحد آبائك كان كافرًا فاعمد الى اصلاح دارك ثم أصلح ما بخارجه ، فيعتبر ذلك نقصًا في فضاء النبوة الذي يُحيط بالأنبياء ، ونرفض بذلك أن يكون أحد آباء النبي كافرًا أو مشركًا .


من طرف آخر ممن يفتون بجواز أن يكون أحد آباء النبي مشركًا ، فخر الدين الرازي في تفسيره : التفسير الكبير ، يجوز ذلك ويرى بأنه لا يقدح في نبوته و لا في مسألة تصديه الى تبلغة الرسالة ، عندما نقف عند مصادر المسلمين ، يوجد فيه الغث و السمين ، لذا يجب أن نقف ونعمل على مسألة التحرز في التعاطي مع الروايات ، من الرويات التي تتعجب من وجودها : جاء الرسول ( ص ) الى زيارة قبر أمه ، فبكى وأبكى من حوله فقال : استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي ، لأنها كافرة وجزاء الكافرة نار جهنم .


و في رواية أخرى أن رسول الله توجه الى ابن أبي هند الحجام ، فاحتجم النبي ( ص ) وأعطاه الدم و قال له ( ص ) : اذهب فغيبه ، لكن لم يجد مكانًا فشربه فأتى للنبي ( ص ) فقال به ( ص ) " ما صنعت بالدم ؟ فقال : غيبته ، فسأله ( ص ) : لعلك شربته ؟ ، فأجابه : شربته ، فقال له ( ص ) : وفيه لا تمسك النار ، نجد بأن قطرات دم رسول الله أصبحت في جسده فلا تصيبه النار وفيه دماء رسول الله . هذا الرجل بضع من قطرات الدم شربها تكون النار عصية عليه ، لكن من هو قطعة من جوفهما ونمى منها ونمى جسده من جسدها و تغذى من عطف حنانها و دماؤه متكونة من دماؤها تموت و تدخل في نار جهنم ، و من ليس له ربط به يدخل للجنة ، يجب أن نتوثق من كل شيء وصلنا ولا نسمع كل شيء قيل لنا ، علينا تحكيم العقل لأننا مسؤولون .


اذن لا يمكن أن يكون أحد آباء الأنبياء كافرًا و تعدّوا الإمامية الى أكثر من ذلك ، وان ذلك يشمل الأئمة أيضًا ، لأن غاية وجود الإمام هي مثلها غاية وجود النبي ، جُلّ الأمر أن النبي يستسقي أحكام التشريعات الإسلامية و الأحكام الالهية عن طريق السماء ، اما الإمام يعمل على ما يُسير به أمة النبي عن طريق أخذ الأخبار و التعليمات من النبي ( ص ) ، و الهدف هو تبليغ الرسالة الإلهية و ضمان استقرار واستمرار هذه المنظومة في الدنيا . نجد في مصباح المتهجد " أشهد أنك كنت نورا في الأصلاب الشامخة ، والأرحام المطهرة ، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها" . فالشرك و الكفر من أنجاس الجاهلية وهو منفيٌّ عنهم ( ع ) .


الآية الكريمة التي بدأنا بها المجلس فيها لفظة الأب ، الموروث في لغة العرب أن لفظة الأب ليست بالضرورة تُطلق على من يكون الإنسان من ولده و صلبيه ، بل يمكن أن تطلق على من تصدى في تربية و رعاية ذلك الإنسان و قد يكون عمًا أو جدًا اشتغل بعملية تربيته و رعايته ، ويبين لنا التاريخ رسول الله حينما فقد أباه قبل حياته ، تكفّل برعايته جده عبدالمطلب فصار لها أبًا ، ثم عمد على ذلك عمه أبو طالب و ضحى بنفسه من أجل النبي ( ص ) و نستغرب من يدعي أن أبو طالب مات كافرًا ومشركًا ، و ذلك انتقامًا من علي بن أبي طالب . و نجد في ذلك أبوة الحسين الى أولاد أخيه الحسن ( ع ) . فخلّف الحسن حسب ما ينقل العلامة المفيد خمسة عشر من ذريته ذكورًا و اناث . من الإناث فاطمة بنت الحسن التي تزوجها السجّاد و أنجبت منه الباقر وهو أول علوي من علويين و أول هاشم من هاشميين . من الذكور الحسن المثنى ( الحسن بن الحسن ) الذي حارب ووقع أسيرًا في كربلاء ، و صاحب هذه الليلة القاسم بن الحسن ( ع ) .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع