شارك الخطيب الحسيني الشيخ رائد الستري يوم الخامس من شهر المحرم الحرام لعام 1442 هـ في المجلس الحسيني بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و تحت عنوان " وهم القيم الغربية وعلو القيم الحسينية " ، ابتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة الأحزاب " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36)" نتحدث عن القيم الغربية و القيم الإسلامية فنقارن بين القيم الغربية والاسلامية لتبين لنا وهم القيم الغربية و سمو القيم الإسلامية ، أولًا نتحدث عن المراد من القيم و ما نعني من القيم ، ثانيًا : منابع و مصادر القيم الإسلامية و الغربية ونبين من خلال المقارنة سمو القيم الإسلامية على الغربية ، ثالثًا : كيف أن الحسين ( ع ) قد سار لتعزيز القيم الإسلامية في قلوب المسلمين قاطبة .
أولًا : نتحدث عن المراد من القيم و ما نعني من القيم ، القيم مفردها القيمة ، و القيم هي تلك المبادئ و الأفكار التي من خلالها نتمكن من محاكمة الأفعال و السلوك ، و يمكن من خلالها أن نقايس فنفهم السلوك الصحيح من السلوك الخاطئ ، أي أن القيم تلعب دورًا مهمًا في تحديد السلوكيات و وصفها بالصحة أو الفساد ، و بالحق أو الباطل ، ولتوضيح ذلك نضرب مثالًا أن العدل قيمة عالية ، وتمكننا من تمييز كثير من الأفعال عندما نخضعها الى ذلك الميزان ، فسلب حق الآخرين ليس من العدل وهو من الظلم الذي لا يسوغ فعله ، فينسب الى ذلك الفعل قبحًا و يُوجِد في قلب الإنسان الذي يتمتع بهذه القيمة نوعًا من التوقف و الإرتداع ، واذا وجد في الآخر حقًا فانه يسعى الى بذله ، اذن العدل قيمة من القيم ، و القيم تؤثر على بناء الإنسان عقليًا و سلوكيًا و في نواحٍ متعددة .
ثانيًا : كل قيمة لا تتفرع الا عن مصدرٍ يشكل الأساس و المنبع لاستنباط تلك القيمة و ذلك المبدأ ، الغرب بدأ في صياغة قيمه الحديثة و قال أن الإدراك الحاسي و المادي هو مصدر القيم ، أي أن تخضع القيمة الى التجربة فتنظر الى فائدتها وما تتحصل عليها منها ، و أن للعقل حصة في ادراك الحسن و القبح ، ويمكن للادراك العقلي في ادراك بعض القيم ، وقالوا أيضًا من المصادر عند المتأخرين من الغرب : الإنسان هو مصدر القيم ، و يُعرفون هؤلاء بالفلاسفة الأنسويون ، و ينظرون للإنسان كقيمة عالية و مصدر لكل القيم في هذا الوجود ، و أساسُ ذلك اعتقادهم أن الإنسان أصيلٌ في هذا الأرض و كل هذا الوجود مُطوّعٌ له ، ومن له الأصاله له الحق قي ايجاد هذه القيم
تختلف القيم الإسلامية عن القيم الغربية ، ان الإسلام ينظر للانسان ليس من منظور الأصالة وانما نحوًا من الوكالة و الإستخلاف ، من سورة البقرة " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)" الإنسان ليس مالكًا لهذا الوجود ، و هناك فرق بين الأصيل و الوكيل ، الأصيل يتصّرف كما يشاء لأنه مالك ، بينما الوكيل يراعي نظر الموكّل الذي استخلفه في الأرض وهو الله عز وجل ، ولذا الإنسان المؤمن يعود لحاكمية الله عز وجل ، من سورة المنافقون " وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) " ، ومن سورة الأحزاب " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36) " . القرار لله عز وجل وحده ، و النبي قد صدرها وبينها لنا ، ولذا نجد اختلافًا بين القيم الإسلامية و الغربية في المنبع و المصدر اختلافًا جوهريًا ، اذا نظر أحدهم الى أي قيمة غربية يجب أن يرجع في أصلها الى الدين ، هل هي مقبولة أم لا ؟
العقل يتمكن من ادراك بعض القيم بذلك ، كأن يستدرك حسنٌ أو قبح ، الكثيرٌ من جوانب الحياة وخصوصًا في الجانب الإجتماعي تحتاج الى وحيًا من الله عز وجل ، فالحرية قيمة غربية و يعطى لها كل الاحترام ، و يرى الغرب أنها مُطلقة لا قيد لها ، بينما يجب تقييد حرية الإنسان في بعض المساحات ، متى ما لزمت الحرية مضايقة الطرف الآخر تنتهي حريته ، وعلى ذلك تطبيقًا لهذا الكلام في المجتمع الغربي يُعطي الأبناء و البنات الحرية عند بلوغهم السن القانونية و الحرية أن يقطع تلك العلاقات حتى بأبويه و الاستقلال التام . أي أن الحرية الغربية تُمكّنك من قطع العلاقة أو ابقائها ، لكن الاسلام لا يمكنك من قطع العلاقة ، من سورة الأحقاف " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) " ، من سورة الإسراء " ۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) " .
اذن لا يمكنك أن تتخلص من تلك العلاقة ، بل يجب عليك أن تبرّ بوالديك ولست حرًا في ذلك ، أي ان الإسلام يعطي نحوًا من الإلتزام بتلك العلاقة و يحرّم العقوق و الإيذاء لهما .من جانب آخر ، يرى الغرب أن الكذب حرية باستثناء مورد القضاء ، لكن في الاسلام الكذب حرام شرعًا و يجب على الإنسان أن يجتنب هذا الأمر ، الحجاب أيضًا بحسب القيم الغربية نوعٌ من التقييد على المرأة و يجب أن تُعطى المرأة حريتها في أن تتحجب أو تخرج سفورًا ، لكن في الإسلام سفور المرأة عنصر فساد و اغواء في المجتمع و على المرأة أن تساهم ايجابيًا في المجتمع وليس بشكل سلبي ، حيث أن الاسلام ينظر الى المصلحة المجتمعية وليس الفردية . القيم الإسلامية جاءت من منابع صافية متصلة بالله تعالى ومما جاء بها النبي محمد ( ص ) ، النتيجة بأن القيم الغربية انما هي عناوين برّاقة ، لكن مع التحقيق و التمعن فان لها تبعات وخيمة جدًا .
ثالثًا : تحرك الحسين انطلاقًا من تعاليم الإسلام تفعيلًا للاصلاح و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، الحسين ( ع ) تحرك من هذا الأساس لتقويم الأمة و ارجاعها للصواب " فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر " ، نجد في جنبات ثورته ( ع ) تنبض مبادئًا و قيمًا . فعندما سار الإمام ( ع ) جاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين عليه السلام في حر الظهيرة، والحسين وأصحابه معتمون متقلدوا أسيافهم ، فقال الحسين عليه السلام لفتيانه: " اسقوا القوم وأرووهم من الماء، ورشفوا الخيل ترشيفا " ففعلوا وأقبلوا يملؤون القصاع والطساس . وأمر الحسين الحجاج بن مسرور أن يؤذن، فلما حضرت الإقامة خرج الحسين عليه السلام و قال: " أيها الناس، إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم: أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام، لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فاعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم "
التعليقات (0)