شارك هذا الموضوع

قصة قصيرة: رائحة المطر

‏إن خيوط القصة بدأت تنحل في رأسي وكدت أنساها، فقد مضى وقت ليس بالقليل على تلك الأيام ؛ ولكن ما أراه الآن على شاشات التلفزة وأوراق الجرائد من انتصاراتٍ يساعدني في نسجها من جديد.


كان الوقت بعيد العصرِ بقليل وقد أتممتُ كلامي مع الأخوة وذهبتُ بصحبتهم الى تلك القرية الجنوبية المستضعفة كان الوقت عصراً ؛ وسوف أؤكد على هذا مرةً أخرى لأن الصورة لا يمكن أن تكتمل إلاّ إذا دخل ضوء العصر إليها ولون السماء ورائحة المطر الذي بدأ يتهادى على رؤوسنا.
 
أهلُ قرى هذه الأرض الطيبة يذكروننا بأهل قُرانا. فمنذ انتصار الثورة الاسلامية في إيران واللبنانيون متعلّقون ويعشقون الامام عشقاً كبيراً.
 
لنكمل ما حدثَ معنا في ذلك النهار ؛ كان ينبغي أن نرجع من حيث جئنا لكن تلك «الحاجة» التي التقيناها مانعت وطلبت منا الذهاب معها الى البيت ؛ إنها سيدة في الستين، كما يبدو لي، قوية كما لا يستطيع الصخر، صبورة، تعيش عمرها  كما عرفنا بعد ذلك من الإخوة اللبنانيين عشر مرات في التعب والعمل كي تنتزع لقمتها النظيفة، ولقمة أولادها.
 
كانت تصرّ أن ترسل معنا هدية للإمام الخميني (قدس سره)
 
حاولتُ الاعتذار قائلاً: «والدتي الحنونة ؛ الإمام لا يريد أن يكلفك ويتعبك نحن نوصل له سلامك ؛ اسمحي لنا أن نذهب».
 
وضعت العجوز يديها على كتفي وانفجرت باكية ونظرت إليّ بألم. إبتدأت الغيوم السوداء بالزحف نحونا وصبغت السماء باللون الرمادي وفاحت رائحة المطر.
 
كنتُ أشعر أن الآلام والجروح المشتركة تقرّبنا من بعضنا البعض وأن حبّ الإمام يقربنا أكثر. تهاوى صمتٌ متحفزٌ فيما بيننا.
 
ترددت قليلاً وأمام إصرارها إندفعت وقلت: «أنا آتٍ سأذهب معكِ الى البيت».


إرتبك الإخوة الذين كانوا معي  في الوفد  وقال أحدهم: ربّما يكون كميناً فيه خطر».


نظرت الى العجوز فإذا هي منتظرة ومشتاقة لإعطائي الهدية ، تحركت مع العجوز بسرعةٍ طالباً من الأخوة البقاء وانتظاري.


حين دخلنا بيتها فاح في رأسي راحة بيتنا بفقره وصموده. وما زلتُ أنظر الى كفيها، اللتين تنبشان داخل صرةٍ صغيرة وأخرجت منها قطعة قماشٍ سوداء اللون مكتوبٌ عليها بحبات العنب «الله واحد ، خميني قائد».


وأضافت «لا أملك شيئاً لأقدمه للامام وللمقاتلين على الجبهة ، وهذه القطعة من طرف كمي وكتبتُ عليها ، أتدري إن الأطفال ذل، لو لم يكن لدى أطفال للحقت بكم ، لخدمتكم بعيني ، قالتها بحسرة كبيرة.
 
ورأيتُ عميقاً في عينيها، شيئاً يشبه الشوق الكبير والصدق الأكبر.ومرة أخرى بدت لي قوية «أكثر مما كانت عليه».
 
إستمع الإمام الى ما قلته باهتمام ودقة.
أخذ مني الرقعة.
ولون وجهه أعاد لذاكرتي سماء لبنان الرمادية.


نظر بحنان وتلك الدمعة الصغيرة التي لمعت في طرف عينه أرجعت إليّ رائحة المطر في تلك البلاد البعيدة.
 
والآن بعد غيبة طويلة التقى بعيون تلك الحاجة التي تعبق برائحة البطولة والانتصار. ولا تزال الذكرى تعود إليّ منهكةً من الزمن المتباعد.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع