شارك هذا الموضوع

الشيخ محمود طاهري ليلة الخامس من المحرم لعام 1441 هـ

واصل سماحة الشيخ محمود طاهري سلسلة مجالسه الحسينية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك لليلة الخامسة من شهر محرم لعام 1441 هـ ، و اكمالًا لموضوع البارحة تحت عنوان " نقولات حادثة كربلاء من منظار علم الحديث " - دراسة علمية لبيان كيفية التعامل مع أخبار واقعة كربلاء مع مقدمة منهجية لضابطة نقل التراث الروائي - ، و قد بدأ سماحته بالآية السادسة من سورة الحجرات " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) " ، ما زال كلامنا عن الضابطة العلمية و المنهجية ، و الغرض من ذلك أن سيرة العقلاء تعتمد على الأخبار المعتبرة و التي تبعث على الإطمئنان ، و لا ربط في هذه المفردة بالإنسان المُسلم ، المُخبر من شأنه أن يخبر خبرًا ، إما يورث الظن و إما اليقين ، النتيجة في الآية نتيجة عامة ، كثيرٌ من الناس اذا طرق سمعه مفردة روائية قد ترتبط بمقامات أهل البيت ( ع ) تجده سريعًا ما ينكر ذلك الشيء لأنه لا يتناسب مع عقله المحدود ، أو اذا كانت الرواية تحتمل وجوهًا و قرائن ، سريعًا ما ينكر و يستنكر و هذا شيئٌ خاطئ .

لابد من الرجوع الى الخبير ، وظيفة المنبر احياء القلوب و رفع الشبهات ، ورد في الزيارة " اَشْهَدُ اَنَّكَ قُتِلْتَ وَلَمْ تَمُتْ بَلْ بِرَجاءِ حَياتِكَ حَيِيَتْ قُلُوبُ شيعَتِكَ " ، المفردة التأريخية تُلحظ بلحاظين ، تارة تُعرض على الأدبيات القرآنية و العقائدية ، و تارة لا ربط لها بذلك ، الجانب العقدي له قسمان ، تارة من أصول الدين ، و تارة يكون أمرًا جزئيًا ، علم وعصمة الإمام ترتبط بتبليغه و ارشاده للناس لا بجانب أنه يعلم بأنه مقتول أو غير مقتول ، فنخرج هذه المفردة عن البعد التأصيلي للعقيدة ، المثال الفقهي صار ضمن حركة الحسين ، حيث جواز خروج الحاج في اليوم الثامن ، مشهور العلماء يعتقدون بأن الإمام دخل الى مكة بعمرة مفردة ، و لم يدخل اليها كي يحج و يأتي بعمرة التمتع ، من الكافي - الشيخ الكليني - " عن معاوية ابن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): من أين افترق المتمتع والمعتمر؟ فقال: إن المتمتع مرتبط بالحج والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء وقد اعتمر الحسين بن علي (عليهما السلام) في ذي الحجة ثم راح يوم التروية إلى العراق والناس يروحون إلى منى ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج " ، لانه يعلم أنه سيقتل لو بقي في بيت الله ، و الشاعر عندما يقول " قل للعذول يكف عذله فأحلّ من إحرامه إذ حجّه لم يتّفق له حتى إذا لبس المخيط وفي المحامل ضمّ أهله " فذلك من باب المسامحة

هناك مثال آخر ، حيث يُنقل بأن الإمام السجاد دفن شهداء كربلاء في حفرة واحدة ، قالوا بجواز ذلك ولكنه مكروه ، و بالتالي لابد أن نناقش هل يصدر المكروه من المعصوم ؟ فالمكروه هي مرتبة تشريعة فيها نوع من الحزازة و المبغوضية و لكنها لا تصل الى حد الحرمة ، و نقول قطعًا كان الإمام مضطرًا ، و لكن نقول مطلقًا يجوز الدخول الى أرض مكة للعمرة مفردًا و ليس فقط عند الإضطرار ، هناك مفردات ترتبط بالعقائد كما في علم الإمام و الجانب الفقهي . في مناشىء الإثبات و النفي التاريخي تارة تكون المفردة تأريخية ترتبط بيوم كربلاء ، و لكن لا يترتب عليها أثر معرفي أو اعتقادي ، في رمي الإمام الحسين دماء الرضيع ثلاثة أقوال متضاربة ، ناحية السماء أو ناحية الأرض أو مسحها على وجه الرضيع ، لا يمكن تحكيم القواعد العقلية و العقائدية فكلها ممكنة ، لا طريق لنا لاثبات المفردة الا من خلال النصوص التأريخية ، نجد أن الشيخ المفيد يتبنّى ناحية الأرض ، في كتاب الإرشاد - الشيخ المفيد - " ثم جلس الحسين عليه السلام أمام الفسطاط فأتي بابنه عبد الله ابن الحسين وهو طفل فأجلسه في حجره، فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه، فتلقى الحسين عليه السلام دمه، فلما ملأ كفه صبه في الأرض ثم قال: " رب إن تكن حبست عنا النصر من السماء، فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظالمين " ثم حمله حتى وضعه مع قتلى أهله. "

الطبري يقول بأن الحسين مسح الدماء عن الرضيع ، ابن طاووس و الخوارزمي و جملة من علماء التاريخ يروون انه رمى بها ناحية السماء ، هنا نقع في مشكلة النقل أو اشكالية فقهية ، لو نقل الناقل هذه المفردة على نحو القطع ، قد يقع في اشكالية الكذب اذا لم يكن محققًا ، أما أن يقول " قيل " ، " و ينقل " الباحث المتخصص صاحب الصنعة يقول أن الخلاف في الواقع يعود الى قولين بدليل أن الإمام لما مسح الدماء عن وجه الرضيع لم يتكلّم الناقل ناحية السماء او الأرض ، فيجمع أنه مسح الدماء في الرتبة الأولى و أحد القولين في الرتبة الثانية ناحية السماء أو الأرض ، من ذكر أنّه رمى الدماء ناحية السماء أكثر أما الشيخ المفيد تفرّد في كلامه ، وعندنا رواية الباقر ( ع ) ، فلا يمكن اقحام العقل في نتائجها ، وهذا يُطلق عليه الإثبات النصي ، عندنا مناشئ أخرى وهو المنشأ العقدي و القرآني ، وقد نقع في اشكاليات حتى في القرآن الكريم كما وقع البعض في كلام الله - وهو قطعي - .

من سورة يوسف " وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) " يقول البعض ان يوسف انجذب لاشعوريًا الى زليخة ، ولم يفعل المعصية ، و هذا لا يتناسب مع شأن يوسف وهو معصوم ، مثال آخر نقله الشيخ المفيد في الإرشاد فكتب مسلم بن عقيل - رحمه الله - من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهر: أما بعد: فإنني أقبلت من المدينة مع دليلين لي فجارا عن الطريق فضلا واشتد علينا العطش فلم يلبثا أن ماتا، وأقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا، وذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبت ، وقد تطيرت من وجهي هذا، فإن رأيت أعفيتني منه وبعثت غيري، والسلام. فكتب إليه الحسين بن علي عليهما السلام: " أما بعد: فقد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إلي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا الجبن، فامض لوجهك الذي وجهتك له، والسلام " نقول بان مسلم هو سفير الإمام الحسين و مقام السفارة اعلى من مقام الوكالة فيجب أن يكون عاقلًا ، فكيف له أن يتشائم و يتطيّر ، هذه المفردة نبعدها من خلال المفردة العقدية ، لأن التطير خلاف صفة المؤمن ، السيّد المقرّم - وان كان متأخرًا - لا يذكر هذا الكلام .

ليس أن المفيد يتبنّى كل ما نقله في كتابه ، بعض علماء الحديث ينقل جميع الروايات و ان كانت ضعيفة و لا تتلائم مع المفردات ، لأن الباحث لو جمع مفردة مع مفردة ، قد يصل الى نتائج أخرى ، كثير من علمائنا لا يطرحون الخبر الضعيف ، فالخبر الضعيف يختلف عن الخبر المكذوب الذي لا حجية له ، هذه المفردة ترتبط بتأريخ و لكن له ارتباط بالجانب العقدي ، من سورة الإنسان " يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا " الفقهاء يقولون ان يعقد الإنسان النذر أمرٌ مكروه ، فينقل في الرواية " قلت لأبي عبد الله عليه السلام اني جعلت على نفسي شكرا لله ركعتين أصليهما في السفر والحضر أفأصليهما في السفر بالنهار؟ فقال: نعم، ثم قال: اني لأكره الايجاب ان يوجب الرجل على نفسه، قلت: اني لم اجعلهما لله علي إنما جعلت ذلك على نفسي أصليهما شكرا لله ولم أوجبهما لله على نفسي فادعهما إذا شئت؟ قال: نعم. " ، الكراهة كحكم فيها مبغوضية فيخالف هذا الكلام اعتقادنا بالإمامة ، يقول الفقهاء لعل في كراهة النذر ان ينسى الإنسان ما نذره ، لكن النسيان في مثل هذه الأمور لا يُتصوّر في حق المعصوم ، لذا الكراهية طريقية ، أما اذا كان الإنسان واثقًا من نفسه فلا كراهية و يرتفع الإشكال . ليس كل رواية ضعيفة لا نستفيد منها كشاهد ، وظيفة المنبر أن ينير الدرب و يرفع الشبهات ، التأريخ يجب ان لا يخضع للقواعد الصارمة .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع