" الإمام علي ( ع ) ، إلغاء الطبقية و التفضيل " ، عنوان مجلس النعي ليلة ذكرى استشهاد الإمام علي بن أبي طالب و ذلك في ليلة الواحد و العشرين من شهر رمضان لعام 1440 هـ ، حيث أكمل سماحة السيد ميثم المحافظة سلسلة محاضراته بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و قد استهل بآية من سورة البقرة " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ
"
هذه مصيبة من أعظم المصائب التي حلت بأهل البيت ، نقف على هذا العنوان حيث أقبل النبي بشريعة العدل ، والآية تشير الى أمة العدل و تطبيقه و النبي شهيد من ورائها ، منهجه هو من يدعم هذا المنهج ، كان هناك نموذج في الإسلام في الغاء التمييز و الطبقية وهي حكومة علي ، الله عز وجل جعل من تكاليف هذه الأمة أن تطلق العدالة على وجه الأرض ، من سورة الحجرات " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) " الإسلام ألغى الطبقية و جعل التميز على أساس التقوى و العلم من خلال روايات كثيرة ، النبي قدم مثالا للامة بلا محاباة و ألغى الطبقية ، حتى أنه لما خرج في يوم الغدير و نصب أمير المؤمنين يُعتقد أنه حاباه لأنه ابن عمه ، علي بن أبي طالب الشخصية المثالية وكان بعد النبي باستحقاق يعلمه كل المسلمين ، وتميزه في العلم و التقوى .
لما نصب رسول اللّه عليا وقال: من كنت مولاه، طار ذلك في البلاد، فقدم على النبي(صلى الله عليه وآله) النعمان بن الحارث الفهري قال: امرتنا عن الله ان نشهد ان لا اله الا الله، وانك رسول الله، وامرتنا بالجهاد والحج والصوم والصلاة والزكاة، فقبلناها، ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه. فهذا شيء منك، او أمر من عند الله؟ ، فقال: (والله الذي لا اله الا هو ان هذا من الله). فولى النعمان بن الحارث وهو يقول: اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء! فرماه الله بحجر على راسه، فقتله .
مارس النبي العدالة و ألغى الطبقية ، عندما آخى بين النصارى و المهاجرين ، فقد كان يأخي بين المثل و المثل ، وقد بقي النبي ( ص ) و علي ، و قال هذا أخي ، هذه ليست محاباة ، بل المثل بالمثل فهو نفس رسول الله ( ص ) ، و لم يكن أخ وشبيه لرسول الله سوى عليًا ، قدم علي حكومة و دولة و جُعل منها نموذجًا ، حيث لما وزع الولايات لم يعط طلحة و الزبير و تآمروا عليه وعزما في حرب الجمل على محاربته ، فلم يصبر هؤلاء على عدل علي ، دولة علي ألغت الطبقية بأجلى صورها و أرست عدلها بأفضل صورة .
لما أتاه أخوه عقيل طالبًا منه قضاء دينه ، يقول ( ع ) " والله لقد رأيت عقيلاً وقد أملق حتى استماحني من بُرّكم صاعاً، ورأيت صبيانه شُعث الشعور غُبر الالوان من فقرهم كأنما سُوّدت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكّداً وكرَّر عليَّ القول مردِّداً، فأصغيت إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني، وأتبع قياده مفارقاً طريقي فأحميتُ له حديدةً ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها فضجَّ ضجيج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها. فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل!! أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه؟ وتجرّني إلى نار سجَّرها جبّارها لغضبه؟ أتئنُّ من الاذى؟ ولا أئنُّ من لظى؟. "
يقول علي بن أبي طالب " أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش . فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها ، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها. أو أترك سدى أو أهمل عابثا، أو أجر حبل الضلالة، أو أعتسف طريق المتاهة " ، كان ينزل ( ع ) في الأسواق و يتخالط و يتعاون و يشترك مع الناس ، ينبغي أن لا نفهم الدين فهمًا مغلوطًا ، يقول ( ع ) في خطبة له " وَ اَللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هَذِهِ حَتَّى اِسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا وَ لَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ أَ لاَ تَنْبِذُهَا عَنْكَ فَقُلْتُ اُعْزُبْ عَنِّي فَعِنْدَ اَلصَّبَاحِ يَحْمَدُ اَلْقَوْمُ اَلسُّرَى " كان يرقع ثوبه و هو الحاكم و الخليفة ليواسي الفقراء و يكون أصغر واحد في القوم .
هذا علي بن أبي طالب عليه السلام ترك التفضيل لنفسه وولده على أحد من أهل الإسلام، دخلت عليه أخته أم هاني بنت أبي طالب فدفع إليها عشرين درهما، فسألت أم هاني مولاتها العجمية، فقالت: كم دفع إليك أمير المؤمنين؟ فقالت عشرين درهما، فانصرفت مسخطة، فقال لها: انصرفي - رحمك الله - ما وجدنا في كتاب الله فضلا لإسماعيل على إسحاق.
ورد في كتاب مستدرك الوسائل للعلامة الميرزا النور في الجزء السابع عشر : أن الإمام أمير المؤمنين (ع) كتب إلى أبو الأسود الدوئلي - الذي كان من تلامذة الإمام أمير المؤمنين (ع) ومن أصحابه، وهو الذي أعطاه الإمام أصول النحو العربي - كتاباً يعزله فيه عن منصب القضاء. فلمّا وصل الكتاب إلى أبي الأسود الدوئلي واطّلع على عزله تأثّر كثيراً، ولذلك جاء إلى الإمام أمير المؤمنين (ع) مسرعاً وقال: يا أمير المؤمنين لِمَ عزلتني عن منصب القضاء وما خُنتُ وما جنيت؟ فقال له الإمام (ع): نعم، إنّك لم تخن ولم تجن، ولم ترتكب ما يسقطك عن عدالتك، ولكن بلغني عنك ما يسلب منك مؤهلات القضاء. فقال أبو الأسود متسائلاً: وما هو ذلك الذي بلغك عنّي يا أمير المؤمنين (ع)؟ ، فقال أمير المؤمنين (ع): بلغني عنك أن صوتك يعلو صوت الخصمين!
التعليقات (0)