شارك هذا الموضوع

المحافظة ليلة السابع عشر من شهر رمضان لعام 1440 هـ

" طعن القداسة القرآنية " عنوان المجلس الرمضاني ليلة السابع عشر من شهر رمضان لعام 1440 هـ ، و قد ابتدأ سماحة السيد ميثم المحافظة بآية من سورة النساء ، " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) " ، لو كان هناك اختلاف اذن هو من عند غير الله ، بما أن القرآن لا يأتيه الباطل فهو من عنده الله ، هاتان معادلتان متعاكستان ، نحن نعتقد بهذا الإعتقاد الثابت أن القرآن لا يأتيه الباطل من خلفه و لا من بين يديه ، اذن هذا الكتاب هو من عند الله عز وجل .

لما أعيى الكافرون من تحريف القرآن و نشر الأفكار و المناهج ، أخذوا يصطدمون مع الآيات ، فكل المشاريع الإنحرافية من داخل أو خارج الإسلام تصطدم أمام قلعة الحماية وهو القرآن ، ما كان منهم غير ضرب قداسة القرآن ، لهم خارطة طريق ، حيث أمسكوا هذه الآية التي ابتدأنا بها بالبحث عن اختلافات و تضاربات في القرآن الكريم ، عقل الإنسان لا يستطيع على أقل التقادير أن يتوقع ما سيحدث بعد مئة عام ، فهو أعجز من وضع قانونًا للبشرية ، اذا كان عقل الإنسان هو من وضع القرآن فانه لا يصلح لكل زمان و مكان ، فيجب أن يتبدّل حيث أنه نزل في عصر النبي لما له من حوادث ، جعلوا دليلهم في الإختلاف هو النسخ في القرآن ، " لا مبدّل لكلمات الله " ، " ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بغير " ، اذا لم يصمد القرآن ثلاثة و عشرون سنة فهل سيصمد الى يومنا هذا ؟! ، هذا الإشكال خطير ، و نقف للرد على موضوع النسخ

النسخ القرآني لا يحكم عليه بفشله و تبديله بحكمًا آخر ، السيد الخوئي لا يرى وقوع النسخ في القرآن الا في آية واحدة وهي تحويل القبلة من البيت المقدس الى البيت الحرام وهذا نسخ تكاملي لا تضاربًا ، الشيخ جعفر السبحاني لا يرى النسخ بهذا المعن من تبدل آيات و أحكام ، بل آية عامة و آية تخصص كحكم العقود ، فهذا حكم عام ، و آية " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ " وهذا نسخ . الرد الأول ، يجب معرفة مناسبة الآية ، كثيرٌ من الآيات اذا انعزلت عن سبب نزولها يُصبح المعنى غير المعنى الذي يُذهب اليه ، قالوا في معنى النسخ ، ان الله نسخ صوم الكلام الى صوم الطعام ، فكان صوم الكلام الى مريم ، ربما يتوهم أحد أن الأحكام عارضت أحكامًا أخرى ، وهذا أمر خاطئ ، الرد الثاني ، السيد محمد باقر الصدر يقول بأنّ كل العقلاء يجمعون عليها و هي في تأسيس المشاريع و المواضيع تكون بشكل مرحلي ، تأتي قوانين تتغير عن مرحلة التأسيس ، أحكام مؤقتة و أحكام دائمة وذلك من طبيعة البشر . مثل قضية الخمر ، فمن الحكمة أن تكون مرحلية مع الجاهلية .

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا" لا تتعارض الآيتان ، الآية الأولى قضت فترتها في مواجهة مشكلة ، و الآية الثانية " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " بنت عليها وليس النسخ بالمعارضة بل هو نسخ الى مرحلة ما بعد التأسيس ، وكثير من الأحكام لها مثل الأمر كالقبلة ، وهذه أحكام تكاملية و استكمالية و ليست تبادلية ، " اليوم أكملت " فأصبح الدين كاملًا ، حيث وضع النبي اشارة واضحة ، و هذا الدين فيه من سماحة ومرونة وتتكيف مع تغيرات الدهر ، الإسلام به روعة و تكيّف ، الأمر الثالث ، قاعدة فقهية أصولية ، تتغير الأحكام بتغير الموضوعات ، كالقصر في الصلاة ، و التيمم ، و الصلاة من جلوس ، وقاعدة الحرج ، و قاعدة الضرورات تبيح المحظورات .

في وجود النسخ في القرأن لا تصمد هذه التهمة أمام هذا الردود ، فكل الأحكام المنسوخة اما تخصيص لعام ، أو تقييد لمطلق ، مناسب لظرف معين و اانقضى ذلك الظرف انقضى حكمه ، مرحلة التأسيس و المرحلة التكاملية ما بعد التأسيس ، عبدالكريم سروش الكاتب الإيراني يدعي " مضمون القرأن الله أنزله في قلب النبي ( ص ) ، و ترك للنبي أن يُعبّر عن هذا المضمون بآيات و ألفاظ و صيغ معينة ، أي أن القرآن من صياغة النبي ، اذن هو بشري و لا يصلح لكل زمان و مكان . وهناك من يؤمن بهذه القاعدة ، هذا الإشكال ليس من وليد اليوم بل من بداية زمن النبي ، فاتهموه بالشاعر وامتلاكه حسًا أدبيًا ونفي أن يكون أميًا ليستوجب أن يكون القرآن من وحي ، فلم نسمع النبي يلقي بيتًا شعريًا ، من سورة يس " وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69) " . هناك دراسة من مستشرق جون اربيري من كتاب " القرآن مقدمة ومختارات " عمل مجهودًا بجمع كل كلمات النبي و كلمات القرآن لما فيه من تشابه ، فيرصد الحس الأدبي و السرد اللغوي ، فأتى بإحصائية 62% من كلمات النبي لم تكن مشابهة للقرآن ، و83% من كلمات القرآن لم تأتي على لسان النبي ، اذن يستحيل أن يكون القرآن من صياغة النبي .

بعض آيات القرآن " عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ " و " وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) " ، و " وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا " نجد أن فيها نوع من التهديد و العتابة و الملامة للنبي ( ص ) ، ونجد أن الله يلطف على النبي ، هناك انقسام بين مدرسة أهل البيت و مدرسة العامة ، مدرسة أهل البيت تؤمن بعدم وجود ملامة و لا عتاب على النبي ، انما هو مجاز ومحكوم بآية " وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ " المدرسة السنية ترى بانه عتاب حقيقي وواضح وملامة ، وهذا يفنّد احتمال أن يأتي النبي بكتاب يسيء لنفسه ، أمرٌ أخر وجود آيات تشير الى قضايا ، يستحيل أن يأتي عقل بشري أن يأتي بها في ذاك العصر، مثل الأمشاج التي لا تُرى بالعين المجرّدة و قضايا في السماء تتطلب أجهزة متطورة ، وقضية قابيل و هابيل ، ذُكرت بالتفاصيل و الهاجس النفسي ، فيه الكثير من المغيبات ، من سورة الأعراف " قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " .

تقول أحدى المسشترقات بانه لم يتكلم أحد من اليهود و لا النصارى و لا الأحبار بأن هناك نسخ من قول النبي من عندهم مدار الثلاثة و عشرين سنة ، وقالوا ان النبي أخذ القرأن من نوفل بن ورقة ، ولا يوجد عندنا شخصية بهذا الإسم في مذهبنا الإمامية أما السنة فاختلفوا فيه ، وقالوا بأنه مات بعد البعثة بسنتين ، و هذا يستحيل على ذلك الرأي ، فبطلت كل تلك الطعونات ، " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " ، بعد ذلك تم الطعن في حملة القرآن وهم آل البيت وهم من يفسرون القرآن و تراجمته و يحملون معانيه ، " إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ " ، " وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا " فهم هم المطهرون ، المس هو الشيء المعنوي وهو التفسير وحمل القرآن على معانيه الأساسية ، الحذر - كل الحذر - من أخذ القرآن بالعقول ، فيراد به تخصص و دراسات و علم رواية و علم حديث .


التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع