" المؤمن بين ولاء الدين و الدنيا " عنوان المجلس الرمضاني ليلة النصف من شهر رمضان لعام 1440 هـ ، حيث هنأ سماحته بمولد الإمام الحسن الزكي عليه السلام ، قال الإمام الحسين بن علي ( عليه السَّلام ) : " النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنْيَا ، وَ الدِّينُ لَعِقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ ، يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ ، فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُون " ، الدين يعتبر ميثاقًا ضربه الله بينه و بين سائر عباده ، التدين من الإنسان المؤمن يعتبر ميثاق ، اُخذ على بعضنا بالفطرة و التعبية ، و اُخذ على البعض الآخر بالحرية و الإختيار ، فلو ارتدّ عن دين الله و قطع الميثاق يسمّى بالمرتد الفطري ، و المرتد الفطري في الدين يُقام عليه الحد و لا يُستتاب حتى لو تاب ، بينما المرتد الملّي ، ومثله يًستتاب فان تاب و آب الى رشده لم يجرى عليه حد الإرتداد ، كما هو مقرر في شرع الله
التدّين هو ميثاق يربط الخالق بالمخلوق ، نحن مدانون الى الله ، الناس صنفان ، منّا من عمل بالميثاق وجسّد التدين و أعطى ولائه للدين ، ومنّا من تظاهروا بالتدين ، ينطبق عليهم الحديث الذي ابتدأنا به ، أي ان انهم يحيطون بالدين لأنه جسر للوصول الى المصالح الدنيوية و أنه يجلب لهم نفعًا أو يدفع عنههم ضرًا ، فإذا مُحصوا بالبلاء ، بحثنا يدور حول ولاية الإنسان ، إما للدين أو الدنيا ، الولاء لدين الله له شرائطه و آثاره ، من أبرز سمات دين الله الشمولة ، و شمولية الدين تقتضي أن الدين يتحرك معنا في جميع مفاصل الحياة ، الدين حاكمًا على مفاصل الحياة ، وهنا يختلف الناس في مواقفهم تبعًا لولائهم ، من ولائه للدين ، جعل الدين معيار الفعل و الترك ، التدين حالة نسبية ، ارتباطنا لدين الله له انعكاسات مهمة .
هناك آثار لولاء الدين في مجالات متعددة ، في مجال الحياة الفكرية ، البعد الفكري و العقدي و القيمي في نظر الإسلام من أهم الموارد التي أكّد عليها الدين باعتبارها هوية و شخصية الدين ، فهي تُصاغ من خلال قيمه و أفكاره ، الولاء للدين يقتضي أن يتدخل الدين في جميع مفاصل البناء الفكري عند الإنسان المتدين ، و أن نسلّم بأوامر الدين ، على اعتبار أن الخوض في الأبعاد الفكرية أو العقدية من دون مناعة فكرية تؤدي الى وقوع الفرد في الشبهات و الضلالات ، الله حرّم قراءة كتب الضلال الا اذا كان قادرًا على ردّها ، الأمر الآخر ان الدين يتدخل في مواقفنا فيمنع المتكلفين من الإصطفاف خلف التيارات و الجماعات المنحرفة ، و يضرب الدين بيد من حديد في مفارقة أهل الضلال و البدع ، جماعة السفارة بما لهم من أباطيل و خرافات ترتطم مع الادلة الثابتة عن الطائفة ، تيار القصدية هو تيارٌ خطيرٌ أيضًا ، فهو يفرز نتاجًا خطيرًا بعودة المكلف للنصوص و الروايات و لا ضرورة في الرجوع للفقهاء ، فأنى لمكلف عادي يتعامل معها ، نحن بحاجة لإجتهاد ، الفكر الحداثوي فيه ما هو صحيح ، و فيه ما هو زلزال على القيم .
المجال الثاني ، الحياة الإجتماعية و الإنسانية ، من كان ولائه للدين ، يجب أن يجعل الدين مفصلًا وحكمًا في مفصلاته الدين ، الدين يتدخل حتى بين علقة الرجل و زوجته ، فالدين يقول لا يجوز نكاح الكافرة ، قد البعض يرى بأنها حياة شخصية ، ما دمت تملك الولاء الدين ، فلابد أن تتبع الدين وتتحرك على ضوء قواعد الدين ، حتى الحياة العاطفية و الإرتباط ، بمجرّد كفر الزوجة يفصم الله العلقة ، ولا طلاق ، فتُحرم عليه و يُحرم عليها ، الكافر لا يرث المسلم ، الإرتباط بالدين و حاكمية الدين في مفاصلنا الأسرية و عير ذلك ، ارتباط الفرد بالفرد و المؤمن بالمؤمن تدور مدار الولاء ، عنه ( ص ) " فضَلُ الأَعمالِ الحُبُّ فِي اللهِ ، وَ البُغضُ فِي اللهِ " ، وعنه ( ص ) : " تقربوا إلى الله تعالى ببغض أهل المعاصي، وألقوهم بوجوه مكفهرة، والتمسوا رضا الله بسخطهم، وتقربوا إلى الله بالتباعد منهم " . قاذا كانت المرأة متدينة و ولائها للدين لا للدنيا ، لابد ان تعكس الدين قولًا و فعلًا و سلوكًا ، والا لا عجب أن تخرج متبرجة سافرة الى غير ذلك ، وهذا انفصام في الشخصية ، اذا تحرّك المسلم تحرّك معه الإسلام .
المجال الثالث ، هو مجال الواقع السياسي ، دين الله هو الحاكم ، و ينطلق في مختلف مجالات فيه ، فنحن لا نؤمن بالفكر العلماني ، وهذا الفكر يضرب بالدين عرض الحائط في مفاصل الحياة كلها ما عدا الجنبة العبادية ، نحن نضرب الفكر العلمائي ، فديننا سياستنا ، و سياستنا ديننا ، الناس صنفان ، إما سياسي يقف على قاعدة المبادئ أو على قاعدة المصالح ، من لا ولاء له في الدين يقف مع قاعدة المصالح ، و لا صديق له و لا ولاء له ، اذ قد ينتقل الصديق عدو ويُحوّل العدو صديق ، أما السياسي المتدين ، يقف على أرضية صلبة من القيم و المبادئ و الثبات يُلازم مواقفه حتى لو نزل به الضرر و الأذى ، يوجد لغطٌ واسع في المجتمعات الإسلامية و العربية على مستوى الاحوال الشخصية لأن القانون وضع بقواعد بشرية ، ديننا الإسلامي يتحرك في مجيع مفاصل الحياة السياسة و الإجتماعية و الفكرية
في رحاب مولد الإمام الحسن عليه السلام ، قراءة متأنية في حياته تكشف لنا قيمة مفهوم الولاء للدين و الولاء للدنيا ، حياة الإمام جسدت تكل المواقف لك وضوح ، مفاص حياته كلها دروس و عطاء ، و علينا نحن أن نتأمل حياته ( ع ) ، و علينا أن نقرأ بتأني الجوانب المشرقة و نأخذ منها الدروس و العبرة ، الولاء للدين في حياة الإمام الحسن ، حيث كابد محن لا نظير له ، بعد أن أصبح الإمام الحسن خليفة للمسلمين و إمامًا للأمة ومعاوية من طرف آخر ينازعه ، وقف الإمام في الكوفة وخطب الناس خطبة ، حركهم في ضرورة الدفاع عن دين الله ، البيعة عندنا ميثاق ديني يجسد الولاء للدين ، " إنَّ اللهَ كَتَبَ الجِهادَ على خَلقِهِ.. وسمّاهُ كُرْهاً.. ثُمَّ قالَ لاَهلِ الجِهادِ : " (إصْبِروا إنَّ اللهَ مَعَ الصابِرينَ) فَلَستُم أيُّها النّاسُ نائِلينَ ما تُحِبُّونَ إلاّ بالصَّبر على مَا تَكرهونَ.. فَاخرُجُوا يَرحَمْكُمُ اللهُ إلى مُعَسكَرِكُمْ بالنُّخَيْلَةِ.. حَتّى نَنظُرَ وتَنظُروا.. ونَرى وَتَروا " فلم يحرك أحد وما تزحزح أحد و ما تكلم أحد ، هذا من باب الولاء للدنيا لا للدين . الإمام الحسن تسلّم الخلافة في حقبة زمنية لا يُحسد عليه ، لمّا أرسل معاوية لمحاربة الإمام شخصيات بارزة و رجالات معروفة و عرض عليهم قتله مقابل مئة ألف دينار و منصب قيادي و تزويجه ، هجم على الإمام الحسن وطُعن ، لأن هناك أقوام لا يملكون ولاء للدين ، الصرر تشترى بها ذمم الجند في الليل ، و لهذا يُعتبر الإمام من الذين جسّدوا مدرسة الصبر ، هو مدرسة الحلم .
وفي الختام كرّمت حسينية الحاج أحمد بن خميس سماحة الشيخ إبراهيم الصفا على مشاركته في الموسم الرمضاني - النصف الأول - لعام 1440 هـ ، ومساهمته في انجاح الموسم الرمضاني ، و سيكون سماخة السيد ميثم المحافظة في ضيافة الحسينية ابتداءً من ليلة الغد .
التعليقات (0)